أسامة أيوب يكتب : رسالة إلى الحكومة البريطانية ومجلس العموم
المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلى ليست إرهابا
سوف يكون إقدام مجلس العموم البريطانى «البرلمان» على التصديق على قرار الحكومة بتصنيف حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» كمنظمة إرهابية بمثابة جريمة سياسية وأخلاقية جديدة ضد الشعب الفلسطينى المنكوب بالمؤامرة الاستعمارية البريطانية التاريخية بقدر ما يمثل مواصلة الانحياز الفج لإسرائيل من شأنه مواصلة تصعيد ممارساتها القمعية العنصرية ضد الفلسطينيين والتوسع الاستيطانى على الأراضى الفلسطينية المحتلة.
إن بريطانيا إذا ما وافق برلمانها على هذا التوجه، فإنها ترتكب انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والمواثيق الأممية التى تقر حق الشعوب المحتلة في مقاومة الاحتلال بكل السُبل والوسائل.. سبيلا للتحرر الوطنى والاستقلال.
وفي الحالة الفلسطينية تحديدًا فإن حق الشعب الفلسطينى المشروع في مقاومة الاحتلال الصهيونى وإقامة دولته المستقلة تقره قرارات الشرعية الدولية والأممية بداية حتى من قرار التقسيم عام ١٩٤٧ الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت ضغط مؤامرة شاركت فيها الدول الغربية وفى مقدمتها أمريكا وبريطانيا ذاتها لتحرير إقامة دولة الكيان الصهيونى علي نصف أراضى فلسطين التاريخية، ثم قرار مجلس الأمن الدولى الشهير عام ١٩٦٧ رقم ٢٤٢ والذى تصادف أن صاغه جون براون وزير الخارجية البريطانى وقتها والقاضى بانسحاب إسرائيل من الانسحاب العربية التى احتلتها فى ٥ يونيو من ذلك العام ومن بينها الضفة الغربية التى كانت تحت الإدارة الأردنية المؤقتة وقطاع غزة الذى كان تحت الإدارة المصرية المؤقتة، مع ملاحظة بالغة الأهمية تعكس الخبث البريطانى والانحياز لإسرائيل حينما تضمنت الصياغة البريطانية للقرار عبارة «الانسحاب من أراض» وليس من الأراضى حسبما جاء فى الصياغة الأمنية للقرار باللغة الفرنسية.
< < <
إذا أقدم مجلس العموم البريطانى على التصديق على تصنيف حركة حماس منظمة إرهابية، فإن بريطانيا تكون قد خلطت عن عمد خلطا فاضحا وفادحا وغير قانونى بين التنظيمات الإرهابية وبين فصيل وطنى من فصائل المقاومة المشروعة ضد الاحتلال دون تفريق بين ممارسات المنظمات والجماعات الإرهابية التى ترتكب الجرائم الإرهابية ضد الدول والشعوب.. داعش والقاعدة وطالبان وبوكوحرام.. نموذجًا.
< < <
وإذا كانت الحكومة البريطانية ممثلة فى وزيرة داخليتها قد حظرت حركة «حماس» وما تصفه بأنشطتها داخل بريطانيا مع تجريم المؤيدين لها والمتعاونين معها ومعاقبتهم بالسجن بدعوى أنها منظمة إرهابية تموِّلها جماعة الإخوان المسلمين، فإنها بذلك قد وقعت فى تناقض واضح وغير مبرر سوى أنها تستهدف الشعب الفلسطينى ومقاومته المشروعة.. في انحياز سافر لإسرائيل فقط.
فمن المعلوم للعالم أجمع أن بريطانيا تُعد أكبر مأوى وملجأ لقيادات جماعة الإخوان التى تصنفها بعض الدول العربية ومن بينها مصر كجماعة إرهابية، وهى الجماعة التى تقول بريطانيا إنها تموّل حركة حماس، وفي نفس الوقت فإنها تتغاضى عن اتهام «الإخوان» بالإرهاب، بينما تصنف «حماس» منظمة إرهابية وهى التي تمارس حق المقاومة الفلسطينية المشروع ضد الاحتلال الصهيونى وممارساته القمعية الوحشية والعنصرية ضد الشعب الفلسطينى في أبشع صورة من صور إرهاب الدولة.
< < <
تلك الممارسات القمعية الوحشية التي يمارسها الكيان الصهيونى ضد النساء والشيوخ والأطفال والشباب الفلسطينيين هو الإرهاب الحقيقى الذي يستوجب تصنيف إسرائيل دولة إرهابية اغتصبت الأرض الفلسطينية من أصحاب الأرض بدعم من الدول العربية الاستعمارية والذى كان يتعين على بريطانيا «العظمى سابقا» والتي تتشدق بعراقة ديمقراطيتها ودفاعها عن حقوق الإنسان أن تتصدى له وتنحاز للشعب الفلسطينى «الشعب الوحيد في العالم الذى مازال يرزح تحت الاحتلال»، غير أنه من المؤسف أن تغفل وتتغافل عنه وتبقى ماضية قدمًا في التآمر عليه واتهام مقاومته المشروعة بالإرهاب!
< < <
إذا قررت الحكومة البريطانية حظر حركة حماس داخل أراضيها فذلك شأنها، أما إذا أقدمت على اعتبارها منظمة إرهابية فإنها تكون قد ارتكبت جريمة سياسية وقانونية وأخلاقية في حق الشعب الفلسطينى، وهى بهذه الجريمة تستأنف جرائمها السابقة فى هذا الشأن بداية من أولى جرائمها بوعد بلفور الموصوف بـ«المشئوم» قبل ١٢٠ سنة، عندما أعطى وزير خارجيتها وعدًا من حكومة ملكة بريطانيا ليهود الشتات في أوروبا بإقامة وطن قومى لهم على أرض فلسطين.
< < <
وبعد وعد «بلفور» بدأت الجريمة الثانية إذ أن بريطانيا هى التى دعمت هجرات اليهود إلى أرض فلسطين ثم هى التى مهدت لهم لإعلان دولتهم والاعتراف بها على نصف فلسطين التاريخية بعد انسحابها كدولة انتداب، وهى التى تآمرت مع الدول الاستعمارية الغربية ومع الولايات المتحدة علي إصدار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين أصحاب الأرض والمهاجرين اليهود المغتصبين للأرض.
< < <
وفي هذا السياق التآمرى البريطانى التاريخى على فلسطين العربية وشعبها، فإن بريطانيا الاستعمارية تغافلت بل شجعت كدولة انتداب على فلسطين العصابات والمنظمات الصهيونية والإرهابية التي ارتكبت أبشع المذابح وجرائم الإبادة ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض واستولت على بيوتهم وأراضيهم بعد أن فاقت مذابح وجرائم التتار والمغول في وحشيتها.
< < <
والسؤال لبريطانيا «العظمى سابقا» هو: أليست جرائم العصابات الصهيونية هى الإرهاب الحقيقى ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض أم أن الإرهاب هو مقاومة الشعب المحتل ضد الاحتلال وإرهابه؟!
والسؤال لبريطانيا أيضًا هو: أليس إرهاب الدولة الذى يمارسه الكيان الصهيونى حاليا ضد الشعب الفلسطينى في الضفة الغربية ومدنها وأحيائها وقراها وهدمه لبيوت الفلسطينيين وإقامة المستوطنات علي أنقاضها بالمخالفة للقانون الدولي، ثم أليس العدوان المتكرر على قطاع غزة والذى كان آخره هدم نصف بيوت القطاع تقريبا وقتل المئات من الفلسطينيين العُزل عقابًا لمقاومة حماس المشروعة هو الإرهاب الحقيقى؟!
< < <
أما التبرير المتهافت لوزير خارجية بريطانيا الذى تستند إليه لتصنيف حماس منظمة إرهابية باعتباره مكافحة لما يوصف بمعاداة السامية التي تدعى إسرائيل والصهاينة انتماءهم إليها وكأنهم احتكروا الانتساب للجنس السامى، فإنه بات ضروريًا التوقف أمام هذا الاختراع الصهيونى لإرهاب كل من يختلف معهم، إذ إنه من المعلوم أن العرب هم ساميون أيضا ومن ثم فإن من يعاونهم فإنه من أعداء السامية، بينما ليس كل اليهود ساميين خاصة أولئك المهاجرين من الدول الأوروبية والذين تؤكد وجوههم وألوان بشرتهم أنهم ليسوا من الجنس السامى علي الإطلاق.
< < <
إن بريطانيا المدينة للشعب الفلسطينى باعتيار مستحق عن جرائمها التاريخية في حقه سابقا ولاحقا وحاليا.. يتعين عليها- إن لم تعتذر- أن تتراجع عن قرارها وتوجهها ضد حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية وأن تتوقف عن الاستمرار في ذلك الانحياز السافر لإسرائيل والمجحف بحق الفلسطينيين، باعتبار أن هذا القرار من شأنه تصعيد الصراع وتعقيد وعرقلة الحل النهائى للقضية الفلسطينية.
< < <
وفى نفس الوقت فإن علي المجتمع الدولى وحكومات وبرلمانات العالم وخاصة الاتحاد الأوروبى أن تستجيب لنداء الفصائل الفلسطينية وعموم الشعب الفلسطينى للتراجع عن تلك الخطوة التى من شأنها تشجيع إسرائيل على المضى قدمًا فى تصعيد قمعها للشعب الفلسطينى والأخطر هو عرقلة إقامة الدولة الفلسطينية والتى بدونها لن يتحقق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط في مجمله.