أسامة أيوب يكتب : المشهد العربى والعالمى والفلسطينى والإسرائيلى فى عيد الأضحى
مع تصاعد وتيرة العدوان الصهيوني على غزة
مفارقة مثيرة للشجون والأسى غير مسبوقة فى التاريخ العربى والإسلامى الحديث تبدت هذا العام فى عيد الأضحى المبارك، حيث احتفلت الشعوب والحكومات العربية والإسلامية بالعيد مثلما يحتفلون فى كل عام، بينما كان الشعب العربى الفلسطينى يتعرض للعدوان الصهيونى الوحشى ولحرب إبادة وتجويع.. منفردًا وحيث حُرم أطفاله من فرحة العيد دون غيرهم من أطفال العرب والمسلمين، بل حُرموا من القوت الضرورى لبقائهم أحياء!!
المقلق هو أن العرب والمسلمين في العالم باتوا يتعايشون مع تلك الكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى غزة للشهر التاسع على التوالى وكأنها تحدث فى منطقة أخرى على الكوكب ولا تعنيهم، حتى صارت أخبار العدوان والتدمير والتجويع ومقتل العشرات وإصابة المئات يوميًا من المدنيين العُزل والأطفال والنساء أمرًا معتادًا لا جديد فيه سوى إحصاء أعداد الشهداء والمصابين.
الاعتياد على مشاهد التدمير والقتلى والجرحى خاصة الأطفال أمر بالغ الخطورة، إذ إنه يصيب الوجدان والمشاعر العربية والإسلامية تدريجيا باليأس بل بالتبلد وذلك ما يطمع قوات الاحتلال ومجرم الحرب نتن ياهو فى المضى قُدمًا فى عدوانه دون توقف طالما استمر الصمت والعجز العربى والإسلامى ليواجه الفلسطينيون فى غزة وحدهم ذلك العدوان المسعور.
...
وعلى الصعيد العربى الرسمى فقد بدت مواقف وتصريحات الحكومات المتكررة والجوفاء مثيرة للشفقة، إذ لم تزد على التنديد بالعدوان والدعوة والمطالبة (دعوة ومطالبة الكيان الصهيونى) لوقف إطلاق النار فى غزة والسماح بإدخال المساعدات، مع ملاحطة أنه لم يرد فى هذه التصريحات عبارة وقف العدوان وهو الوصف الصحيح لما يجرى فى غزة.
المثير أيضًا أنه بينما يتواصل العدوان على غزة وبينما تتواصل حرب الإبادة وقتل الأطفال والنساء يوميا، وبينما يواجه الفلسطينيون خطر الموت جوعًا وعطشًا ومرضًا داخل المستشفيات المدمرة مع نقص حاد في الدواء والمستلزمات الطبية الضرورية، فإن الحكومات العربية تطالب بإقامة الدولة الفلسطينية التى مازالت حلمًا بعيد المنال بدلًا من العمل الجاد لوقف القتل والتجويع باعتباره الأولوية القصوى فى الوقت الراهن.
المثير أيضًا أن الحكومات العربية جعلت جُل همها فى الوقت الراهن هو المطالبة بادخال المساعدات الغذائية لإنقاذ من ينجو من القتل من الموت جوعًا!
البديل الضرورى والمُلّح حاليًا هو أن تتكاتف وتتكثف التحركات والجهود العربية الحكومية الجماعية وبكل قوة وصلابة باستخدام كل أوراق الضغط المتاحة لدفع أمريكا وإدارة الرئيس بايدن لإجبار حكومة الكيان الصهيونى برئاسة مجرم الحرب نتن ياهو لوقف العدوان المتواصل، حيث بدا واضحًا أن كل جهود الوساطة والتحركات الدبلوماسية لا جدوى منها.
وفى نفس الوقت فقد أكد ذلك العدوان الصهيونى الوحشى المتواصل لإبادة الشعب الفلسطينى وتدمير قطاع غزة تدميرا شاملا.. فشل وعجز مجمل النظام العربى بقدر ما أكد أن جامعة الدول العربية فقدت مبررات وجودها واستمرارها كمنظمة إقليمية عربية فى ضوء غيبة الإرادة الجماعية الموحدة لأعضائها.
...
على الصعيدين الأممى والعالمى فقد أكد العدوان الصهيونى على غزة سقوط القانون الدولى والشرعية الدولية الأممية فى مستنقع الخزى والعار والعجز حسبما اتضح جليًا فى تمرد اسرائيل على كل مقررات الشرعية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وحيث باتت دولة مارقة منتهكة للقوانين الدولية تحت الحماية الأمريكية، وحيث فشلت المنظمة الأممية فى إجبار اسرائيل على الانصياع لقراراتها وللقانون الدولى وحيث عجزت المنظمات التابعة للأمم المتحدة فى ادخال المساعدات الضرورية إلى غزة رغم بياناتها المتتالية عن الكارثة الإنسانية والمجاعة والقتل.
...
أما السقوط الأكبر والأفدح فكان سقوط الولايات المتحدة الأمريكية القطب الدولى الأوحد فى النظام العالمى الراهن والتى تقود وتحكم العالم باعتبارها أكبر وأقوى دولة.. بدعمها للعدوان الصهيونى غير المحدود.. عسكريا واستخباراتيا وسياسيا، وبسقوطها في مستنقع حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى فقد سقطت كل مزاعمها حول حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية واحترام وإقرار الشرعية الدولية والقانون الدولى.
لقد سقطت أمريكا وسقطت كل مزاعمها لأنها الوحيدة بحسب الإجماع العالمى القادرة على إجبار إسرائيل على وقف عدوانها الوحشى وقتل الأطفال والنساء وعلى إدخال المساعدات للشعب الفلسطينى المحاصر فى غزة لو صدقت نياتها وتصريحات رئيسها بايدن وإدارته، غير أنها على العكس تماما تتآمر مع نتن ياهو وتدعم عدوانه بالأموال والأسلحة والآليات وبالتأييد السياسى والحماية من العقاب الأممى، فى الوقت الذى تمارس فيه تضليل وخداع العرب بما تعلنه من مبادرات مزعومة لوقف العدوان وإيصال المساعدات.
...
إن الحقيقة المؤكدة التى يتعين على الحكومات العربية أن تدركها وتتعاطى معها هى أن أمريكا الشريك الأكبر للكيان الصهيونى فى العدوان وحرب الإبادة وقتل الأطفال والنساء فى غزة مع ملاحظة أن كل مبادرات بايدن لوقف العدوان وإيصال المساعدات هى لاستهلاك الوقت لصالح نتن ياهو ومخططاته، إذ تأكد حسبما أدركت المقاومة الفلسطينية أنها ليست سوى فخ لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حماس خلال هدنة قصيرة لوقف إطلاق النار وبعدها يستأنف نتنياهو عدوانه الوحشى وحرب الإبادة، ولذا فقد رفضتها المقاومة طالما لا تتضمن ضمانات أمريكية مكتوبة بوقف دائم للعدوان وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة بالكامل.
على الصعيد العالمى أيضًا فإن أمريكا ليست وحدها التى سقطت ولكن أيضًا حلفاؤها الأوروبيون وعلى الأصح الحكومات الأوروبية التى تتشارك مع أمريكا فى دعم العدوان الصهيونى بالأموال والعتاد والأسلحة والتأييد السياسى لقتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل وتجويعهم.
...
قراءة المشهد الإسرائيلى السياسى والعسكرى تؤكد فشل وعجز نتن ياهو وبعد تسعة أشهر من العدوان على غزة عن تحقيق أى نصر استراتيجى وعسكرى أو إنجاز أى هدف من أهداف العدوان، بينما يشهد الكيان الصهيونى حالة من الغليان الداخلى والتفكك والصراع غير مسبوقة فى تاريخه منذ سبعة عقود، سواء بالخلافات والصراعات الحادة داخل الائتلاف الحكومى أو بين الحكومة والمعارضة بقيادة لابيد رئيس الحكومة السابق الذى يواصل هجومه على نتن ياهو ويتهمه بأنه خطر على دولة اسرائيل ويطالبه بالاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة والتى من المؤكد أن نتن ياهو سوف يخسرها إذا أجريت.
...
أخطر الخلافات داخل الكيان الصهيوني هى ما كشفت عنها تصريحات المتحدث العسكرى باسم الجيش والذى أكد فيها أن كل ما يقال عن تدمير قدرات حماس والقضاء علي الحركة ليس سوى مجرد ذر للرماد فى عيون الإسرائيليين وهى التصريحات التى أكدت اتساع الهوة بين نتن ياهو وحكومته والسياسيين عمومًا والجيش من جهة أخرى، وهو الأمر الذى يعنى أن نتن ياهو فى واد والجيش الاسرائيلى الذى يحارب على الأرض فى واد آخر بقدر ما يعنى أيضًا أن نتن ياهو يواصل العدوان على غزة للبقاء في السلطة مضحيًا بالأسرى الإسرائيليين لدى حماس لأنه يُدرك جيدا أن مصيره السجن فور مغادرته منصبه.
تلك التضحية بأرواح وحياة الأسرى هى التى صعدت من وتيرة الاحتجاجات فى الشارع الإسرائيلي تضامنًا مع أهالى الأسرى، وحيث تواصلت مظاهرات عشرات الآلاف للمطالبة باستقالة نتن ياهو بعد رفضه إبرام صفقة تبادل لتحرير الأسرى بعد فشله فى تحريرهم بالقوة حسبما زعم مع بداية العدوان.
...
ويبقى المشهد فى غزة مدعاة للفخر والاعتزاز العربى والإسلامي مع ذلك الصمود البطولى للشعب الفلسطينى والتمسك بالبقاء فوق أرضه، ثم مع المقاومة الباسلة الأسطورية (حماس والجهاد وكل حركات المقاومة) فى مواجهة ذلك العدوان الوحشى طوال تسعة أشهر، والتى كبدت قوات الاحتلال الصهيونى المعتدية خسائر فادحة فى أرواح الجنود والضباط والدبابات والآليات الحربية وعلى النحو الذى أكد عجز الجيش الاسرائيلى واستخباراته عن القضاء على حركة حماس وقدراتها العسكرية والبنيوية والسلطوية في القطاع حسبما زعم وتوعد نتن ياهو، وحيث تواجه إسرائيل لأول مرة الهزيمة والفشل العسكرى وعلى هذا النحو رغم المواجهة غير المتكافئة والتى تحسب بالمعايير والمقاييس العسكرية لصالحها.
صحيح أن الشعب الفلسطينى فى غزة دفع ويدفع أثمانا فادحة وغالية بعد تدمير القطاع تدميرا شاملا ولم يعد صالحا للحياة وبعد استشهاد أكثر من 37 ألفا من المدنيين العزل أغلبهم أطفال ونساء وإصابة أكثر من 85 ألف غير آلاف المفقودين تحت الأنقاض، إلا أن هذه الأثمان الغالية هى أثمان الحرية وتحرير الأرض وإقامة الدولة عاجلا أو آجلا.
وبتلك التضحيات والأثمان الغالية فإن الشعب الفلسطينى فى غزة يكون شأنه شأن كل من سبقه من الشعوب العربية وشعوب العالم التي كانت ترزح تحت الاحتلال ونالت حريتها بالكفاح المسلح والمقاومة المشروعة لنيل استقلالها، ولعل الشعب الجزائرى هو المثل والنموذج الذى سقط منه مليون ونصف المليون شهيد حتى نال حريته واستقلاله، وكان وسيظل نموذجًا ماثلًا فى الذاكرة القومية.
...
تلك السطور كانت استعراضًا لكل من المشهد العربى والعالمى والفلسطينى والاسرائيلى فى عيد الأضحى المبارك بينما يتواصل العدوان وحرب الإبادة فى غزة، وحيث تبقى الحقيقة الغائبة أو المغيبة التى يغفلها أو يتغافل عنها العرب وهى أن مستقبل الأمن القومى العربى ليس فى مأمن، لذا لزم التنبيه والانتباه والتنويه.