أسامة أيوب يكتب : جولة تاريخية لشيخ الأزهر فى جنوب شرق آسيا
بقدر ما أكدت جولة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى جنوب شرق آسيا الأسبوع الماضى المكانة الرفيعة التى يحظى بها الأزهر وإمامه فى العالم الإسلامى، فإنها أكدت بنفس القدر أهمية ومحورية دور هذه الهيئة العلمية الإسلامية العالمية العريقة والتى تُوصف بأنها كعبة المسلمين الثانية والتى تُعد أهم القوى الناعمة لمصر فى الداخل والخارج.
هذه المكانة أكدتها وعكستها حفاوة الاستقبال الرسمى للإمام الأكبر خلال زياراته لكل من ماليزيا التى استقبله رئيسها وتايلاند التى استقبله ملكها وإندونيسيا التى استقبله رئيسها استقبالًا مهيبًا حسبما يجرى في استقبال رؤساء الدول والذى وصف زيارته والتى تعد الثالثة بالمهمة والملهمة للشعب الأندونيسى باعتبار أن الأزهر الشريف هو المرجعية الأولى لمسلمى إندونيسيا فى العلوم الشرعية واللغة العربية.
زيارات شيخ الأزهر لم تقتصر على الاستقبالات الرسمية من جانب قادتها، وإنما تضمنت لقاءات جماهيرية كان من بينها اللقاء الذى نظمه المركز الإسلامى فى العاصمة التايلاندية بانكوك بحضور آلاف المسلمين يتقدمهم رئيس هيئة كبار العلماء هناك، حيث حرص الإمام الأكبر على تأكيد أن القرآن الكريم لم يقتصر على إقرار السلام بين المسلمين فحسب بل كان صريحًا فى إقرار السلام بين المسلمين وغير المسلمين.
ولأن الإمام الأكبر هو أيضًا رئيس هيئة حكماء المسلمين فإنه لم يفته بل أحسبه استهدف خلال تلك الزيارات التأكيد على تأصيل ثقافة التعايش والحوار الحضارى بين مختلف الثقافات والشعوب فى العالم حسبما ورد فى القرآن الكريم "لتعارفوا" ومن ثم فإنه حرص أيضا على تأكيد سماحة الإسلام ووسطيته ونبذه للغلو والتطرف.
وكان لافتًا أنه رغم أعداد المنح الدراسية بالأزهر المقدمة لطلاب تلك الدول ونظرًا لشغف مسلميها بالدراسة الأزهرية فقد جاءت استجابة الإمام الأكبر لزيادة أعداد تلك المنح سنويًا.. تكريسًا للعلاقات مع المسلمين فى شرق آسيا الحريصين على تلقى علوم الإسلام فى الأزهر الشريف الذى يعد المرجعية الأولى فى تلك العلوم حسبما قال رئيس إندونيسيا في استقباله للإمام الأكبر.
...
ولقد جاء استقبال الإمام الأكبر لسفراء الدول العربية والإسلامية فى تايلاند بالغ الأهمية والدلالة.. تأكيدًا لدور الأزهر ومسئوليته الدينية والروحية، حيث أكد مسئوليتهم ودورهم فى التعريف بالقضية الفلسطينية وطالبهم بفضح انتهاكات الاحتلال التى يتعرض لها الأبرياء فى غزة، وبالتالى بيان الموقف العربي والإسلامى الداعم لحقوق الشعب الفلسطينى.
...
غير أنه من المُثير للدهشة أن التغطية الصحفية والإعلامية المصرية لجولة الإمام الأكبر بالغة الأهمية لم تكن بالقدر الكافى واللائق الذي يتناسب مع المكانة الرفيعة التي يحظى بها الأزهر الشريف في العام الإسلامى والتى تجلت خلال زياراته لدول جنوب شرق آسيا الثلاث، حيث اقتصر نشر أخبارها فى مكان من الصفحات صغير وغير معبِّر عن تلك المكانة أيضا.
لقد استدعت جولة الإمام الأكبر ومن ثمَّ مكانته ومكانة الأزهر الرفيعة فى مصر والعالم الإسلامى التطور التاريخى لمشيخة الأزهر منذ خمسينيات القرن الماضى حتى أواخر السبعينات، إذ كان من المفارقات المؤسفة أن شيخ الأزهر كان بدرجة نائب وزير فى الترتيب البروتوكولى للدولة، بل إنه كان يتبع وظيفيا وزير الأوقاف والذى أضيف إليه شئون الأزهر وحيث كان غالبا وربما دائما أقل درجة علمية من شيخ الأزهر الإمام الأكبر!
وفى هذا السياق يذكر أن إمام الدعاة الشيخ متولى الشعراوى لم يكن راضيا حسبما أوضح فى كثير من المناسبات عن استمرار هذا الوضع الشاذ الذى يعد مساسًا بقيمة ومكانة الأزهر فى مصر والعالم الإسلامى، ولذا فإنه عندما تولى منصب وزير الأوقاف وشئون الأزهر فى عهد الرئيس السادات استنكف أن يكون رئيسا لشيخ الأزهر الدكتور عبدالحليم محمود فى ذلك الوقت فكان يبادر بالذهاب إليه في مقر مشيخة الأزهر (كان اسمها وقتها إدارة الأزهر!) لكى يوقِّع على الأوراق المطلوب توقيعها من وزير الأوقاف، فكان ذلك المسلك من جانب الشعراوى برهانًا عمليًا وتصديقًا لرفضه لتبعية شيخ الأزهر لوزير الأوقاف.
هذا المسلك من جانب الشيخ الشعراوى والداعى للحفاظ علي مكانة الأزهر وإمامه الأكبر أثار الشبهات حوله باعتبار أنه يمهد لنفسه لكى يشغل منصب شيخ الأزهر، ولذا وحتى يبرئ نفسه من شبهة السعى للمشيخة فإنه بادر بخلع العمامة والزى الأزهرى بالكامل وارتدى طاقية بيضاء وجلبابا من تصميمه، فكان ذلك إعلانا واضحا وأكيدا عن تفرغه للدعوة وخواطره حول القرآن الكريم.
...
تاريخيا.. يذكر للرئيس السادات أنه رأى بحسه السياسى ضرورة ترفيع مكان ومكانة شيخ الأزهر في الترتيب البروتوكولى للدولة بعدما تواتر عن استقباله في الدول الإسلامية استقبال رؤساء الدول حسبما كان يحدث في باكستان وإندونيسيا على سبيل المثال، وقد يكون متأثرًا وموافقًا على رأى الشيخ الشعراوى أيضًا.
ولذا فقد طلب من البرلمان "مجلس الشعب" إصدار تشريع يحقق حفظ مكانة الأزهر وشيخه بدلا من منصب نائب وزير، ويُذكر أن مجلس الشعب أقر ترفيع المنصب إلى درجة وزير، غير أن الرئيس السادات قرر أن يكون شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء على أن يراعى ذلك في الترتيب البروتوكولى للدولة وهو الترتيب الذى جرت به التقاليد الرسمية حتى الآن حيث يجلس شيخ الأزهر فى الاجتماعات واللقاءات الرسمية فى الصف الأول بجوار رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، ويذكر أيضا أن أول شيخ أزهر بدرجة رئيس وزراء كان الدكتور عبدالرحمن بيصار.
...
ولقد كان مثيرًا للاستياء فى بداية حكم جماعة الإخوان أن يتجاهل الفريق الرئاسى للرئيس مرسى هذا الترتيب البروتوكولى عند أدائه للمرة الثانية اليمين الدستورية بجامعة القاهرة "حيث كان يتهرب من أدائه أمام المحكمة الدستورية حتى انصاع أخيرًا" حيث جاء مكان جلوس الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في صفوف متأخرة وليس فى الصف الأول في مسلك بالغ الإساءة للإمام الأكبر وللأزهر وللدولة كلها مع بداية حكم جماعة تتشدق بشعارات الإسلام وحسنًا فعل الدكتور أحمد الطيب وقتها بانسحابه فورًا ومعه مرافقوه من علماء الأزهر.
...
وأذكر أننى كتبت مقالى الأسبوعى في مجلة أكتوبر وقتها تحت عنوان: شيخ الأزهر.. مكانه ومكانته.. منتقدًا بشدة ذلك التصرف غير المحترم من الرئيس مرسى وفريقه الرئاسى الذى انتهك قواعد البروتوكول الرسمى للدولة في مساس مرفوض بمكانة الأزهر ومكانة شيخه ومكانه فى الصف الأول.
وأذكر أيضا أننى طالبت الرئيس مرسى عبر مجلة أكتوبر بضرورة الاعتذار شخصيا وفورا للإمام الأكبر بالذهاب إليه فى مشيخة الأزهر وتقديم الاعتذار له فى مكتبه، ورغم إدراك مرسى متأخرًا لفداحة ما حدث وأن التاريخ سيسجل أنه أول حاكم مصرى لا يوقر شيخ الأزهر، إلا أنه أخذته العزة بالإثم واكتفى بالاعتذار له تليفونيا، ووقتها كتبت أن ذلك لا يكفي ولا يمسح أثر الجريمة التى ارتكبت فى حق الإمام الأكبر والأزهر والدولة والشعب المصرى.
....
لا يبقى فى ختام هذه السطور سوى التأكيد على أن الأزهر الشريف.. جامعا وجامعة سيظل مثلما كان منذ نحو أحد عشر قرنا الهيئة العلمية الإسلامية الأولى فى العالم وسيظل المرجعية الأولى للعلوم الشرعية واللغة العربية فى العالم الإسلامى وفي مصر بالضرورة التى تفخر بأنها بلد الأزهر.
آخر الكلام
سيناريوهات إطلاق النار على ترامب
مقتل مطلق النار على الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والمرشح الرئاسى فى الانتخابات المقبلة على أيدى جهاز الخدمة السرية.. أغلق الباب علي معرفة حقيقة الحادث خاصة أنه لم يتم التحقق أو التعرف على دوافعه أو أيديولوجيته، بينما فتح الباب على مصراعيه أمام أكثر من احتمال وسيناريو.
هل كان الحادث محاولة اغتيال حقيقية ولكنها فشلت، أم أنه كان مشهدًا سينمائيًا على الطريقة الأمريكمية لجذب المزيد من التعاطف مع ترامب وهو ما تحقق بالفعل حسبما أظهرت استطلاعات الرأى مع ملاحظة أن ترامب لم يصب سوي بخدش فى أذنه اليسرى وبضع نقاط من الدماء، أم أن الحادث مدبر من حملة ترامب استباقا لمحاولة اغتياله من جانب الدولة العميقة ومن ثم إجهاضها.
كل السيناريوهات محتملة ففى أمريكا كل شىء ممكن.