أسامة أيوب يكتب : الصومال.. التاريخ والموقع الجغرافي الاستراتيجى والتهديدات الإثيوبية والدعم المصرى
لأن التطورات الخطيرة الأخيرة فى منطقة القرن الأفريقى المتمثلة فى المخططات والتوجهات الإثيوبية العدائية ضد دولة الصومال بدت تهديدًا خطيرًا لأمنها وسيادتها ووحدة أراضيها، بقدر ما تمثل تهديدًا فى نفس الوقت لأمن واستقرار تلك المنطقة الاستراتيجية فى أفريقيا ومن ثَمَّ الأمن القومى العربى الأفريقى والمصرى بالضرورة.
لذا فقد أعادت تلك التهديدات الإثيوبية الصومال إلى بؤرة الاهتمام الإقليمى والعربى والمصرى بعد أن ظلت لسنوات بل لعقود متوارية منسية غائبة عن أى اهتمام خلف حروب وصراعات داخلية ومواجهات مع الإرهاب.
المثير للدهشة حقًا هو غيبة الاهتمام العربى الكافى لسنوات طويلة بالصومال.. الدولة العربية التى انضمت إلى جامعة الدول العربية فور استقلالها فى ستينيات القرن الماضى، حيث لم تتغافل عن انتمائها العربى إلى جانب انتمائها الأفريقى، وفى هذا السياق أذكر أن الرئيس السودانى الأسبق جعفر نميرى خلال لقاء صحفى فى الخرطوم فى أواخر سبعينيات القرن الماضى قد لفت الانتباه إلى غياب الاهتمام العربى اللازم بتلك الدولة العربية الأفريقية التى تُعد بمثابة حلقة وصل بين العرب والأفارقة على خلفية موقعها الجغرافى الاستراتيجى على خليج عدن والمحيط الهندى، ومن ثمَّ فمن المهم عربيًا عدم التغافل عن أهمية ذلك الموقع.
...
وإذا كانت الصومال قد نجحت منذ سنوات فى استعادة الدولة ومؤسساتها واستقرارها إلا قليلًا بعد أن مرت بصعوبات اقتصادية وسط معاناة بالغة الشدة للشعب وبعد أن تعرضت الدولة للسقوط بالكامل بفعل الصراعات الداخلية والحروب مع الإرهاب، فإن إقدام جزء من الشمال على الانفصال عن الدولة الأم تحت اسم أرض الصومال "صومال لاند" ورغم أن هذا الإقليم المنفصل لا يحظى بأى شرعية أو اعتراف من أى دولة فى العالم، إلا أنه يمثل خطرًا وطنيًا وعدوانًا على سيادة الصومال ووحدة أراضيها، وهو الأمر الذى من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار فى الصومال والقرن الأفريقى والمنطقة كلها.
...
الخطر الأكبر الذى تعرضت له الصومال مؤخرًا كان إقدام حكومة أديس أبابا برئاسة رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد على الاعتراف بإقليم أرض الصومال واعتبارها دولة شرعية رغم عدم حصولها على أى اعتراف بشرعيتها من أى دولة فى العالم، ثم إن إثيوبيا فى تصعيد عدائى واستفزازى آخر أقامت علاقات دبلوماسية مع هذا الإقليم المنفصل عن الصومال وعيَّنت سفيرًا لها هناك، وهو المسلك الذى أثار استنكار واستهجان دول الاتحاد الأفريقى والذى مقره العاصمة الإثيوبية ذاتها مثلما أثار استنكار واعتراض الدولة العربية كافة باعتباره مخالفًا لميثاق الاتحاد الأفريقى والمواثيق والشرعية الدولية والأممية.
...
وإذا كان من بين دوافع وأهداف إثيوبيا بهذا التصعيد العدائى ضد الصومال واعترافها بإقليم "صومال لاند" هو رغبتها فى إيجاد منفذ بحرى لها بعد أن صارت دولة حبيسة بعد استقلال أريتريا عنها وهو الاستقلال الذى أفقد إثيوبيا منفذها على البحر الأحمر، فإنه لا يخفى أيضًا سعيها للهيمنة على منطقة القرن الأفريقى عبر "أرض الصومال" مع ملاحظة علاقتها الوثيقة مع دولة جيبوتى والتى منحتها حق استقلال موانيها لتعويض افتقادها لأى منفذ بحرى.
وفى هذا السياق فإنه لا يخفى أيضًا أن ذلك التصعيد الأثيوبي ضد الصومال وفى القرن الأفريقى يمثل توجهًا عدائيًا ضد مصر وأمنها القومى يُضاف إلى توجهها العدائى بخصوص سد النهضة الذى يُهدد الأمن المائى المصرى.
...
وعن أريتريا التى حبست أثيوبيا عن ساحل البحر الأحمر بعد استقلالها وتحررها من الاحتلال الأثيوبى فقد كان استقالها حدثًا وتحولًا كبيرًا ومهمًا فى القرن الأفريقى نالته أريتريا بعد سنوات من الكفاح السياسى والعسكرى من خلال عدة جبهات تحرر وطنى، غير أن المفاجأة كانت استئثار إحدى هذه الجبهات بإعلان الاستقلال والانفراد بالحكم وهى الجبهة التى كانت يرأسها أسياس أفورقى.
ولأنى كنت من خلال متابعتى الصحفية لأحداث وتطورات القرن الأفريقى ومن بينها حركات التحرر الوطنى، فقد كانت المفاجأة لى شخصيًا هى أن أهم تلك الجبهات وهى جبهة تحرير أريتريا والتى كانت لها توجهات عربية وتعتبر أريتريا دولة عربية بعد استقلالها- قد تم استبعادها لأسباب مريبة.
ومع انفراد جبهة أسياسي أفورقى الرئيس الحالى ومنذ الاستقلال فقد بدا واضحًا منذ اللحظة الأولى أنه يرفض الانضمام لجامعة الدول العربية واعتبار أريتريا دولة أفريقية فقط، رغم أن أول زيارة للعاصمة الأريترية أسمرة بعد استقلالها كانت من جانب الرئيس الأسبق حسنى مبارك لتهنئة الدولة الوليدة بالاستقلال.
ورغم أن العنصر العربى فى المكون الأريترى هو الغالب أو الأكثر على أقل تقدير، فإن الرئيس أفورقى برر رفضه الانضمام للجامعة العربية بدعوى النأى عن الهجوم والقضايا والخلافات العربية!!
...
وعن الصومال تاريخيًا فقد كانت خاضعة قبل استقلالها لاحتلال أوروبى ثلاثى.. بريطانى إيطالى فرنسى.. تقاسم أراضيها.. حيث كان هناك ما يُعرف بالصومال البريطانى، الصومال الإيطالى والصومال الفرنسى، وبانسحاب بريطانيا وإيطاليا جرى إعلان استقلال دولة الصومال الحالية، بينما ظل الصومال الفرنسى خاضعًا للاحتلال حتى انسحبت فرنسا من أراضى الصومال التى تحتلها والتى استقلت تحت اسم دولة "جيبوتى".
غير أنه بقى جزء مهم من الأراضى الصومالية تحت الاحتلال الإثيوبى وهو المعروف باسم الصومال الغربى أو "أوجادين" وأذكر أيضًا أننى أجريت مقابلة صحفية مع وفد جاء للقاهرة من هذا الإقليم برئاسة أحد قيادات تحرير أوجادين وهو عبدالله حسن محمود ومن المفارقات أن هذا القيادى شغل مقعد مندوب الصومال فى الجامعة العربية لاحقًا ولسنوات.
...
وخلال متابعتى الصحفية عبر مجلة أكتوبر طوال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى لقضايا القرن الأفريقى والصومال وأريتريا كان السفير عبدالله أدن سفير الصومال فى القاهرة ومندوبها فى الجامعة العربية من أهم الشخصيات الدبلوماسية التى تعاملت معها، مع ملاحظة أن اسم "آدن" فى الصومال يعنى "آدم" إذ تُقلب أو تنطق "الميم نونًا" تماما مثل "إلهان عمر" عضو الكونجرس الأمريكى ذات الأصل الصومالى.
وفى هذا السياق أذكر أن السفير عبدالله آدن والذى انتقل فيما بعد من منصب مدير الإدارة الأفريقية بالأمانة العامة لجامعة الدولة العربية.. كان شديد الاهتمام بالإعداد لزيارة الرئيس الأسبق حسنى مبارك للصومال، حيث لفت الانتباه إلى أنها أول زيارة لحاكم مصرى منذ زيارة الملكة حتشبسوت لبلاده قبل ألفى سنة والتي كانت تسمى "بلاد بونت"، ولذا فقد اعتبر الصوماليون هذه الزيارة زيارة تاريخية بكل المقاييس باعتبار أنها تعكس وتزيد من عمق العلاقات التاريخية بين مصر والصومال والتى تواصلت وتزايدت بعد استقلال الصومال، حيث أسهمت مصر بدرجة كبيرة فى دعمها سياسيا واقتصاديا وتعليميا من خلال بعثات المدرسين ومن خلال بعثات المدرسين ومن خلال بعثات الأزهر الشريف والذى يحظى بمكانة كبيرة لدى الصوماليين.
...
وفى هذه الأيام جاء حرص مصر.. قيادة وشعبا وحكومة على تأكيد دعمها للصومال.. سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا وعسكريا لمواجهة التهديدات التى تتعرض لها من جانب اثيوبيا مع تأكيدها على حرصها على وحدة الأراضى الصومالية فى مواجهة أى محاولات لاختراق هذه الوحدة وعلى السيادة.
...
إن تهديدات إثيويبا العدائية للصومال ومخططاتها للهيمنة على القرن الأفريقى.. تتماهى فى نفس الوقت مع الموقف العدائى من مصر فيما يتعلق بسد النهضة ورفضها توقيع اتفاق مُلزِّم يكفل حصول مصر على حصتها القانونية والتاريخية من مياه نهر النيل، وهو الأمر الذى يعد مخالفة للقانون والأعراف الدولية الخاصة بالأنهار عابرة الحدود.
لذا جاء التحرك المصرى الداعم للصومال حفاظًا على سيادتها ووحدة أراضيها وحفاظًا على الاستقرار والأمن فى القرن الأفريقى وحماية للأمن القومى العربى والمصرى.