أسامة أيوب يكتب : فى الاحتفال بانقضاء ٢٠٢١ والاحتفاء بقدوم ٢٠٢٢
تمشيًا مع التقاليد الكلاسيكية فى الإعلام والصحافة مع بداية سنة جديدة ووداع سنة منقضية.. أجدنى مدفوعًا لاستعراض أهم ما شهده العالم فى ٢٠٢١.. السنة التى انقضت قبل ساعات ثم استشراف التغيرات التى قد تشهدها السنة الجديدة 2022.
وما بين أحداث كانت فى مجملها سيئة والرجاء والأمل حيث تترقب البشرية كلها أن يكون العام الجديد أفضل.. إليكم هذه السطور..
لعله لا خلاف على أن سنة ٢٠٢١ المنقضية كانت سنة سيئة بكل المقاييس على البشرية كلها، بل إنها كانت واحدة من أسوأ السنين فى التاريخ الإنسانى الحديث، غير أنها لم تكن أسوأ من سابقتها (٢٠٢٠) التى يمكن القول بأنها كانت الأسوأ على الإطلاق، باعتبار أنها السنة التي شهدت بدايات جائحة «كورونا» التى ضربت سكان الكوكب وحصدت أرواح ملايين البشر فى أرجاء العالم وأصابت عشرات الملايين.
ومع أن السنة المنقضية كانت أخف وطأة من ٢٠٢٠ بالنظر إلى تراجع الإصابات والوفيات بفعل القيود التى فرضتها حكومات العالم والإجراءات الاحترازية والأهم بفعل اللقاحات، إلاَّ أن «كورونا» بمتحوراتها المتلاحقة لاتزال خطرًا مستمرًا حتى الآن.
ولذا فإن العالم حين يحتفى بقدوم السنة الجديدة 2022 فإنه لا يحتفل بتوديع سنة سيئة فقط بقدر ما يحتفل بانقضاء السنتين السابقتين معًا: آملاً أن تختفى الجائحة إلى غير رجعة في السنة الجديدة.
< < <
لقد كانت جائحة «كورونا» التى داهمت العالم منذ بدايات عام ٢٠٢٠ ولاتزال مستمرة هى أخطر وباء فيروسى شهدته البشرية منذ نحو قرن من الزمان، أى منذ وباء الأنفلونزا الإسبانية في أواخر العشرية الثانية من القرن الماضى، ورغم أنها حصدت أرواح الملايين وقتها، إلا أنها لم تكن بهذا الانتشار والتفشى الواسع فى العالم مثلما حدث مع «كورونا»، إذ لم تكن حركة الطيران والنقل والتنقل حول العالم على هذا النحو الحالى.
ومع ظهور اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» وتراجع أعداد الإصابات والوفيات نسبيًا فى العام الماضى، وبعد أن بدأ العالم يتطلع إلى اقتراب نهاية الجائحة، إلا أن ذلك الأمل سرعان ما تبدّد بعد عودة مؤشر الإصابة والوفيات إلى الصعود مرة أخرى خاصة فى دول أوروبا وأمريكا، وحيث بدأ التوجه نحو العودة إلى الإغلاق مرة أخرى وتشديد الإجراءات الاحترازية.
الجديد والخطير الذى بدّد آمال العالم فى قرب انتهاء الجائحة هو ظهور المتحور الجديد «أُميكرون» الذى انطلق من جنوب أفريقيا وتفشى في العالم، ورغم أن العلماء يؤكدون أنه أقل شراسة وفتكًا من المتحورات السابقة وآخرها «دلتا» إلا أن خطورته فى أنه أسرع انتشارًا وأكبر وبدرجات عالية جدًا تفوق انتشار كل المتحورات السابقة.
<<<
إن ما أحدثته جائحة «كورونا» من كوارث حول العالم خلال العامين المنقضيين لم تتوقف فقط عند الخسائر البشرية الفادحة والتى بلغت ملايين الوفيات وعشرات الملايين من الإصابات، وإنما امتدت تداعياتها إلى كل مناحى الحياة الإنسانية فوق الكوكب، حيث أصابت اقتصاديات دول العالم جميعها.. الغنية المتقدمة والفقيرة ذات الاقتصادات الضغيفة بأضرار بالغة تبدّت فى توقف الأنشطة الاقتصادية وتعطيل المصانع والشركات وحركة الطيران والنقل ومن ثم تراجع عوائد السياحة مما انعكس أيضًا علي أسواق المال والبورصات، فى نفس الوقت الذى زادت فيه معدلات البطالة حتى فى الدول الكبرى مع ملاحظة عدم قدرة الدول الفقيرة على دفع تعويضات للمضاربين اقتصادياً والمتعطلين عن العمل، والخلاصة أن «كورونا» عطّلت حركة الحياة فى العالم وعلى النحو الذى انعكس بدرجة غير مباشرة على الحالة النفسية المرضية التي أصابت الملايين بفعل الإغلاق وتقييد الحركة.
< <<
المثير أنه بينما كان العالم يواجه تداعيات جائحة «كورونا» طوال العامين الماضيين، فإنه كان أيضًا على موعد آخر مع كارثة تداعيات تغير المناخ بفعل الاحتباس الحرارى والتى تبدّت مظاهرها في تلك الكوارث الطبيعية التى شهدتها كثير من دول العالم في أوروبا وأمريكا وآسيا وكندا التي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق فى درجات الحرارة وصلت إلى نصف درجة الغليان «٥٠» درجة مئوية، والتي كان أخطرها الفيضانات العارمة والتى تواكبت مع الأمطار الغزيرة والسيول وذوبان جليد، بينما شهدت دول أخرى حالات جفاف شديد.
أخطار تغيُّر المناخ على الأرض لن تصيب البيئة فقط، بل إنها ستمتد إلى تهديد حياة وصحة الإنسان بفعل تزايد احتمالات الإصابة بالأمراض الفتاكة الخطيرة.
< < <
ورغم كل تلك الأخطار المحدقة بالبشرية فوق الكوكب، فإن الدول الصناعية الكبرى الموقعِّة على اتفاقية باريس للمناخ لاتزال غير ملتزمة بما تضمنته الاتفاقية من ضرورة خفض الانبعاثات الحرارية والالتزام بمعايير الأمان والسلامة والتوجه نحو استخدام الطاقة الخضراء.
ومن المعلوم أن كلا من أمريكا والصين مسئولتان عن أكثر من ٥٠٪ من عوادم الأنشطة الصناعية الضارة والمدمرة للبيئة، مع ملاحظة أن الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب كان قد انسحب من الاتفاقية والتى عاد إليها مجددًا الرئيس الحالى چو بايدن.
وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى التحذير الذى أطلقه رئيس الوزراء البريطانى چونسون بأن الحضارة الإنسانية الحالية مهددة بالانهيار تمامًا إذا استمرت معدلات الاحتباس الحرارى في العالم.
< <<
المثير أيضًا أنه بينما كانت شعوب العالم خلال السنة المنقضية وسابقتها تواجه أخطارها جائحة «كورونا» وتغيُّر المناخ وهى أكبر أخطار واجهتها البشرية ولاتزال، فإن الأزمات «النزاعات والصراعات والحروب الأهلية» لم تتوقف فى كثير من مناطق العالم، خاصة فى منطقتنا العربية للأسف الشديد، وحيث عانت وتعانى الشعوب من ويلات تلك الحروب والصراعات جنبًا إلى جنب مع ويلات وتداعيات «كورونا» وتغيُّر المناخ.
<<<
فى المنطقة العربية لاتزال الحرب الطويلة مستمرة ومشتعلة فى اليمن بين ميليشيات الحوثى المدعومة من إيران من جهة والحكومة الشرعية والتحالف السعودى الإماراتى من جهة أخرى، وحيث أودت الحرب بحياة الآلاف وشردت ملايين النازحين وحيث بات الأطفال مهددين بالموت بفعل المجاعة.
ووفقًا لكل التقديرات والتحليلات السياسية والعسكرية الدولية والإقليمية فإنه لا نهاية لتلك الحرب إلا بالوسائل السلمية، فهل يشهد العالم الجديد نهاية لما يعانيه اليمن التعيس حتى يعود اليمن السعيد وإن كانت تلك العودة فى ضوء ما جرى من دمار سوف تستغرق سنوات طويلة.
< < <
وفى سوريا لاتزال الأوضاع غير مستقرة، ولايزال الطريق مسدودًا أمام نهاية للأزمة السورية التى جرى ويجرى تداولها إقليميا ودوليًا وفى غياب بارقة أمل فى انفراجة قريبة.
<<<
أما العراق غير المستقر حتى الآن فلايزال على سطح صفيح ساخن ما بين مواجهة فلول الإرهاب وسطوة الميليشيات المتنازعة والخلافات والتجاذبات السياسية الحزبية والطائفية والتدخلات الدولية والإقليمية، بينما يبقى الرهان على بداية مرحلة جديدة من الاستقرار بعد تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات تمهيدًا لتشكيل حكومة جديدة رغم أن بعض التيارات لاتزال ترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات النهائية.
<<<
وفى ليبيا التي كانت قد اقتربت من إنهاء أزمتها السياسية بالانتخابات الرئاسية والتشريعية التى كان مقررًا إجراؤها فى الرابع والعشرين من ديسمبر الماضى، فإنها عادت مرة أخرى إلى طريق مسدود بعد تأجيل الانتخابات بسبب الخلافات بين الفرقاء والطعون علي بعض المرشحين، وهو الأمر الذى يعنى استمرار الأزمة إلى أجل غير معلوم وربما يصل الأمر إلى درجة حرب أهلية.
إن أزمة ليبيا سببها الأكبر أنها صارت مسرحًا لخلافات وصراعات ومصالح دول كبرى تتوزع عليها انتماءات القوى السياسية والقبلية الليبية.
<<<
وفى السودان بدا واضحًا أن الأزمة السياسية مرشحة للتصعيد والتعقيد بعد رفض قوى الحرية والتغيير للاتفاق السياسى الموقَّع بين قائد الجيش الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة والدكتور عبدالله حمدوك والذى يتجه لتقديم استقالته وقت كتابة هذه السطور، وهو الأمر الذى يعنى استمرار الأزمة وحيث بدا أن السودان مكتوب عليه أن يبقى فوق بركان.
<<<
وفى لبنان لاتزال أزمته السياسية والاقتصادية تزداد تعقيدا وتصعيدًا، فى الوقت الذى توقف فيه عمل الحكومة المعطَّلة عن الانعقاد حتى الآن بسبب امتناع وزراء حزب الله عن الحضور، ووسط الأزمة السياسية المعقدة والأوضاع الاقتصادية المعيشية المتردية يبقى الرهان على انفراجة بعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها فى منتصف مايو المقبل، بحسب ما أعلنه الرئيس ميشال عون هذا إن أجريت الانتخابات بالفعل.
<<<
دوليًا فإن ثمة أزمة مقلقة تنذر بحرب كبرى فى حالة تصعيدها بين كل من روسيا من جهة وأمريكا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبى من جهة بسبب أوكرانيا، وإن كان التوصل إلى حلول دبلوماسية سياسية هو الأقرب بالنظر إلى تداعيات تلك الحرب، وهو الأمر الذى تدرِّكه كل الأطراف.الأزمة الأخرى المقلقة والتي يترقب العالم وخاصة دول إقليم الشرق الأوسط التوصل إلى إنهائها، فهى أزمة الملف النووى الإيرانى التى بدأت جولة المفاوضات الكائنة بشأنها يوم الاثنين الماضى في العاصمة النمساوية «فيينا» فى مسعى لإحياء الاتفاق مرة أخرى، وحيث لاتزال الخلافات القائمة بين إيران من جهة وأمريكا ودول أوروبا من جهة أخرى تُنذر بفشل التوصل إلى اتفاق، بينما تضغط روسيا والصين لإنجاحها فى الوقت الذى يميل فيه الرئيس الأمريكى بايدن إلى الحلول الدبلوماسية بديلا للخيار العسكرى.
<<<
إن شعوب العالم حين تودِّع السنة المنقضية (٢٠٢١) فإنها تستقبل السنة الجديدة (٢٠٢٢) بالآمال فى أن تكون أفضل من سابقتها والأهم أن تشهد البشرية فيها نهاية لفيروس «كورونا» وبغير رجعة.