أسامة أيوب يكتب: ياسر عرفات الوحيد الذي نجا ثم مات مسمومًا
أشهر حوادث الطائرات ومصرع الرؤساء والقادة والمشاهير
حادثة سقوط وتحطم طائرة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى الذى لقى مصرعه ووزير خارجيته أمير حسين عبداللهيان وعدد من مرافقيه قبل أسبوعين.. استدعت للذاكرة أو بالأحرى ما يمكن للذاكرة أن تستدعيه حوادث سابقة أخرى مماثلة لرؤساء وقادة وشخصيات شهيرة خلال عقود سابقة.
لعل أولى تلك الحوادث كانت حادثة سقوط طائرة الرئيس العراقى الأسبق عبدالسلام عارف فى ستينيات القرن الماضى، حيث لقى مصرعه فى تلك الحادثة التى تباينت ملابساتها رغم أن شقيقه عبدالرحمن خلفه فى الرئاسة واستمر فى منصبه لفترة من الزمن حتى وقوع انقلاب برئاسة أحمد حسن البكر الذى سرعان ما انقلب عليه ابن شقيقته صدام حسين الذى كان يُوصف بالرجل القوى فى النظام البعثى العراقى والذى حكم بالحديد والنار والاستبداد لسنوات طويلة.
ورغم الثروات النفطية الهائلة والتى أسهمت فى إحداث نهضة عراقية فى مختلف المجالات وحيث امتلك العراق أحد أقوى الجيوش فى المنطقة، إلا أن صدام حسين استنفد كثيرا من قدرات بلاده الاقتصادية والعسكرية فى حربه مع إيران والتى استمرت ثمانى سنوات، ثم واصل ما يمكن وصفها بالحماقات عندما قام بغزو الكويت الدولة العربية الجارة طمعًا فى الاستحواذ على نفطها، وهو الغزو الذى أدانته القمة العربية التى دعا إليها الرئيس حسنى مبارك وهى الإدانة التى كانت بمثابة الغطاء العربى للتحالف الدولى والعربى الذى تشكَّل لتحرير الكويت فى أقل من سبعة أشهر، وحيث كان للجيش المصرى دور بارز ومهم فى هذا التحرير، بينما امتنعت مصر عن المشاركة فى تطوير حرب تحرير الكويت لغزو العراق ورفضت الاستجابة للتوجه الأمريكى – البريطانى.. اتساقًا مع ثوابتها القومية.
غير أن غزو الكويت كان القشة التى قصمت نظام صدام حسين، بل العراق ذاته بعد أن استشعر الغرب الأمريكى الأوروبى خاصة البريطانى القلق من تنامى قدرات العراق، وهو القلق الذي أججته توجهات وسياسات صدام حسين فى المنطقة والتى أدارها بحماقة ودون حكمة فكان غزو العراق واحتلاله وتحطم جيشه وقدراته والذى انتهى بإعدام صدام حسين فى مشهد مهين للعراق وشعبه وللأمة العربية كلها حتى وإن كان إعدامه عقابا مستحقا جراء استبداده وجرائمه وقتله للآلاف من معارضيه، إذ إن إعدامه لم يكن على يدى شعبه ولكن على أيدى الاحتلال الأمريكى، وتلك هى المفارقة المؤسفة والمهينة.
وفى نفس الوقت فقد كانت ولاتزال أخطر تداعيات غزو احتلال العراق وبعد ما ارتكبه الاحتلال الأمريكى والبريطانى من جرائم مشينة من تعذيب وقتل الآلاف من العراقيين هى أن الدولة العراقية باتت منقوصة السيادة ومخترقة ومقسّمة وغير مستقرة حتى الآن.
+++
وفى الذاكرة أيضًا مصرع جون جارانج قائد حركة التمرد فى جنوب السودان فى حادثة سقوط طائرة أثيرت حولها الكثير من الشبهات التى ترقى إلى تأكيد أنها كانت مؤامرة من داخل الحركة التى يقودها وأن مصرعه كان مُدبرًا.
جون جارانج الذى كان ضابطا فى الجيش السودانى الذى خلع حلته العسكرية وانتقل إلى الجنوب ليقود حركة تمرد ضد الحكومة المركزية تحت اسم حركة تحرير السودان.. كان يستهدف حكم السودان كله وليس انفصال الجنوب باعتبار أن من حق أهل الجنوب تداول السلطة مع أهل الشمال فى الخرطوم بحيث لا يظل حكم الدولة السودانية حكرا على الشماليين.
ولأن هذا التوجه من جانب جارانج لم يكن يلقى قبولا من جناح داخل الحركة كان يسعى لفصل جنوب السودان عن شماله وإقامة دولة مستقلة فى الجنوب، فإن ذلك كان دافعًا للتخلص منه بإسقاط طائرته.
وبمصرع جون جارانج تغيرت معادلات الصراع بين حكومة الخرطوم فى الشمال وحركة التمرد فى الجنوب بقيادة سلفاكير الذى كان الرجل الثانى في الحركة، ومن ثمَّ تعثرت مفاوضات ومساعى التوصل إلى سلام وإنهاء التمرد، حتى تم التوصل إلى ما عُرف باتفاق "نيفاشا" الذى حدد مهلة مدتها خمس سنوات يجرى خلالها تجربة استمرار وحدة السودان بين شماله وجنوبه.
وخلال تلك السنوات الخمس قرر الرئيس السودانى السابق عمر البشير تعيين سيلفاكير فى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية وهو المنصب الذى كان يشغله على عثمان طه والذي تنازل عن منصبه ليكون النائب الثانى لرئيس الجمهورية فى إجراء يستهدف إبداء حسن النية من جانب الخرطوم لدعم وحدة السودان بمشاركة فاعلة من الجنوب لتجنب الانفصال وتشجيع وطمأنة أهل الجنوب وخاصة حركة التمرد لاختيار البقاء داخل الدولة الأم السودان.
غير أن الاستفتاء الشعبى لأهل الجنوب فى نهاية سنوات المهلة الخمس تنفيذا لاتفاق نيفاشا أسفرت نتائجه عن اختيار الجنوبيين للانفصال عن الخرطوم والاستقلال تحت اسم دولة جنوب السودان برئاسة سيلفاكير الذى غادر منصب النائب الأول للرئيس السودانى عمر البشير وصار رئيس دولة جنوب السودان.
لذا يمكن القول بقدر كبير من الثقة أن مصرع جون جارانج فى حادث سقوط طائرته كان الخطوة السريعة نحو انفصال جنوب السودان الذى اقتطع قطعة كبيرة ومهمة استراتيجيا من أرض ودولة السودان ومن ثمَّ من مقدراته وثرواته الطبيعية والزراعية والنفطية، وعلى النحو الذى يعد كارثة قومية سودانية تفتح الباب علي مصراعيه نحو مزيد من تقسيم السودان وانفصال الغرب والشرق حسبما تلوح في الأفق في الوقت الراهن بوادر ذلك التقسيم.
+++
ومؤخرًا كانت حادثة سقوط بل إسقاط طائرة قائد مجموعة "فاجنر" وهى الميليشيات العسكرية التى شكلها الرئيس الروسى بوتين للقيام ببعض المهام والعمليات العسكرية، حيث بدا مصرعه فى تلك الحادثة المدبرة عقابا له على تمرده على الجيش الروسى والرئيس بوتين رغم أنه كان مقربا منه ويوصف بطباخ الرئيس خاصة بعد محاولة احتلاله للعاصمة موسكو.
+++
حتى الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات لم يسلم من تعرض طائرته لحادثة سقوط فى صحراء ليبيا، حيث ظلت مفقودة لنحو ثلاثة أيام مما أثار مخاوف من احتمالات تحطمها ومصرع عرفات، غير أن المفاجأة كانت العثور على الطائرة سليمة غير محطمة ورابضة على الأرض فى منطقة صحراوية بعد أن أصابها عطل فنى، بينما كان عرفات حيا جالسا بجوار الطائرة ولم يمسه سوء.
لكن من المفارقات فى حياة ياسر عرفات أنه الوحيد من بين من لقوا مصرعهم من القادة وكبار الشخصيات السياسية الذى نجا من الموت بعد سقوط طائرته، ورغم نجاته من محاولات اغتياله فقد مات مسمومًا بفعل مؤامرة بعد أن تم اختراق مقره فى رام الله ودس السم فى طعامه وشرابه، وحيث لم تفلح المحاولات الطبية بعد نقله إلى الخارج في شفائه وقضى نحبه خارج فلسطين وأعيد إلى رام الله لدفنه مرورا بالقاهرة، حيث كانت السيدة سوزان مبارك فى استقبال زوجته السيدة سهى عرفات أثناء توقف الطائرة في المطار لمواساتها وتقديم العزاء لها.
+++
وفى أوائل عام 1981 شهدت مصر حادثة سقوط طائرة عسكرية كانت تقل ثلاثة عشر من قيادات الجيش يتقدمهم وزير الدفاع المشير أحمد بدوى، وحيث كان ركوب هذا العدد الكبير من قيادات القوات المسلحة فى طائرة واحدة مخالفًا للقواعد والتعليمات العسكرية المعمول بها والمتعارف عليها.
ورغم أن الحادث وقع بسبب عطل فنى وتقنى وبفعل خطأ بشرى فإن مصرع واستشهاد وزير الدفاع وذلك العدد من قيادات الجيش أغضب الرئيس السادات بسبب تلك المخالفة للقواعد والأعراف العسكرية بقدر ما أحزنه وأحزن المصريين جميعا.
فى هذا الحادث لم يتطرق الشك على الإطلاق فى وجود مؤامرة داخل الجيش أو من جانب الرئيس السادات ذاته بحسب بعض الهمسات المكتومة من جانب بعض المشككين المروجين لنظرية المؤامرة وهو الأمر الذى لم يكن ممكنا تصوره أو تصديقه مطلقا، إذ كيف يتخلص السادات من قيادات جيشه أبطال حرب ونصر أكتوبر.
وتأكيدًا لذلك المؤكد كتب الأستاذ أنيس منصور رئيس تحرير مجلة أكتوبر فى ذلك الوقت يقول: ليسوا من المماليك ولا نحن فى عصر محمد على.
+++
وعن حوادث سقوط طائرات الرؤساء والقادة وبذكر الأستاذ أنيس منصور فقد نجا من الموت فى حادثة سقوط وتحطم طائرة مدنية في أوائل خمسينيات القرن الماضى ومصرع كل ركابها الذين كان من بينهم الممثلة المصرية الجميلة كاميليا، إذ إنه كان من المقرر أن يكون على متنها إلا أنه أجلّ سفره إلى الرحلة التالية.
وفى أواخر ستينيات القرن الماضى كان حادث إسقاط إسرائيل لطائرة مصرية مدنية قادمة من ليبيا إلى القاهرة ومصرع كل ركابها والذين كان من بينهم مذيعة التليفزيون الشابة الرقيقة والمتميزة سلوى حجازى.
+++
تلك كانت بعضا من أشهر حوادث طائرات الرؤساء والقادة والمشاهير والتى استدعتها ذاكرتى وليست كلها بكل تأكيد.