أسامة أيوب يكتب: قراءة للسباق الانتخابى الرئاسى الأمريكى بين بايدن وترامب
بعد أن حسمت الانتخابات التمهيدية بالحزب الجمهورى يوم الثلاثاء الماضى المعروف باسم الثلاثاء الكبير ترشيح الرئيس السابق دونالد ترامب بأغلبية ساحقة لخوض الانتخابات الرئاسية فى شهر نوفمبر المقبل أمام منافسه الرئيس الحالى چو بايدن المرشح الوحيد عن الحزب الديمقراطى فى واحدة من أعجب وأغرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ بينما يسعى بايدن للفوز بولاية ثانية رغم التراجع الكبير فى شعبيته فإن ترامب العائد بقوة ستكون عودته إلى البيت الأبيض مرة ثانية فى حالة فوزه أول وأكبر عودة سياسية فى التاريخ الأمريكى.
قراءة المشهد السياسى الانتخابى الأمريكى الراهن وقبل ثمانية أشهر من موعد إجراء الانتخابات فى الخريف المقبل تشير إلى أن بايدن تتضاءل فرص فوزه، إذ تواجهه عدة عراقيل وعقبات تعيق أو على الأقل تقلل احتمالات استمراره فى البيت الأبيض لولاية ثانية بعد تدهور شعبيته بين الناخبين وفى مقدمتهم ناخبو الحزب الديمقراطى حسبما أظهرت استطلاعات الرأى أن الغالبية العظمى من الشباب ٧٧٪ لن يصوّتوا له.
بينما تمثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة خلال ولايته عقبة كبرى أمام فوزه، حيث يرى الأمريكيون أنه لم يحقق وعوده التى قطعها على نفسه خلال حملته السابقة قبل أربع سنوات والتى كانت أحد أسباب فوزه.
<<<
ولأن غزة حاضرة بقوة فى المشهد الانتخابى السياسى فإن بايدن سيدفع ثمنا باهظا لدعمه غير المحدود عسكريا وسياسيا للعدوان الصهيونى البربرى الغاشم على الفلسطينيين العزل وانخراطه المباشر فى قتل أكثر من ٣٠ ألفاً من المدنيين والأطفال والنساء وفى حرب التجويع التى تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطينى في أبشع جرائم حرب تشهدها الإنسانية، وهو الأمر الذى أثار حنق وغضب الأمريكيين ضد بايدن وإدارته حسبما تبدى فى المظاهرات الحاشدة فى المدن الأمريكية وفى العاصمة واشنطن ذاتها رفضا للعدوان ولدعم إسرائيل ومطالبة بوقف العدوان وحرب التجويع ضد الأطفال الذين يواجهون الموت بسبب الافتقاد إلى الطعام والدواء والأمان.
وإذا كان الدعم للعدوان على غزة هو الأكبر حضورا فى المشهد، فإن الدعم العسكرى والمالى الكبير لأوكرانيا فى حربها مع روسيا لم يغب عن المشهد وعن الانتقاد الكبير لبايدن وإدارته بسبب توريط أمريكا فى هذه الحرب التى أصابت الاقتصاد الأمريكى بأضرار كبيرة كان لها أثرها بالضرورى على المواطن الأمريكى دافع الضرائب.
<<<
ثم إنه من غير الممكن إغفال دور اللوبى اليهودى الصهيونى الداعم بقوة لمجرم الحرب نتن ياهو، حيث سينحاز لصالح ترامب وسيدعمه بقوة للفوز على خلفية العلاقة الوثيقة بينهما من جهة وعلى خلفية العلاقة الاستراتيجية بين ترامب ونتن ياهو من جهة أخرى ورغم أن دور اللوبى اليهودى الصهيونى ليس الدور الحاسم الوحيد فى الانتخابات التى تحسمها عوامل واعتبارات أخرى، إلا أنه يبقى له نفوذه الطاغى وتأثيره القوى الذى لا يستهان به فى التأثير على مجريات ونتائج الانتخابات ليست الرئاسية فحسب وإنما أيضا الانتخابات النيابية، حيث كشفت صحيفة أمريكية كبرى أن اللوبى خصص مائة مليون دولار لدعم مرشحى التجديد النصفى للكونجرس الذى تتزامن انتخاباته مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولم يخف اللوبى أنه لن يدعم إلا المرشحين المؤيدين لإسرائيل ولعدوانها على غزة وأنه سيسقط أى مرشح لم يؤيد نتن ياهو أو أدان عدوانه على غزة حتى لو سرًا فى مجالس خاصة!!
<<<
المفارقة المثيرة هى انحياز اللوبى اليهودى ودعمه للرئيس السابق ترامب ضد الرئيس بايدن رغم كل ما قدمه بايدن من دعم غير محدود وغير مسبوق لإسرائيل فى عدوانها الوحشي على غزة وشعبها الأعزل، ورغم ما قدمه من دعم سياسى غير محدود أيضا وعرقلته لإصدار قرار من مجلس الأمن لوقف العدوان وايصال المساعدات الإنسانية الضرورية للشعب الفلسطينى المحاصر طوال الأشهر الخمسة السابقة باستخدام «الفيتو» ثلاث مرات، ورغم أن ما قدمه بايدن من دعم لإسرائيل هو الأكبر والذى لم يقدمه رئيس أمريكى سابق خاصة أن الدعم كان لحرب إبادة غير مسبوقة فى التاريخ الحديث.
السبب الحقيقى والوحيد لوقوف اللوبى اليهودى ضد بايدن يرجع إلى خلافه التكتيكى الذى لم يؤثر على العلاقة الاستراتيجية والدعم اللامحدود بين أمريكا وحليفتها الأولى إسرائيل.. مع نتن ياهو حول وقف إطلاق النار فى غزة ولو مؤقتا لأسابيع والذى رفضه نتن ياهو حتى لو كان ذلك لتبييض وجه أمريكا وبايدن وإدارته.
وفى هذا السياق فإن الرئيس السابق دونالد ترامب يبدو الأوفر حظًا للفوز في الانتخابات بحسب استطلاعات الرأى أيضا التى أظهرت أنه يحظى بشعبية كبيرة بين الأمريكيين بالنظر إلى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كانت أفضل كثيرا خلال ولايته الأولي مقارنة بولاية الرئيس بايدن خاصة أن اهتمام الناخب الأمريكى يتركز فى المقام الأول على الأمور الداخلية الحياتية بينما يأتى الاهتمام بالسياسة الخارجية فى مرتبة متأخرة إلا إذا تعلق الأمر بتداعيات التورط فى الحروب حسبما حدث فى الحرب الأوكرانية - الروسية وفى الحرب على غزة، مع ملاحظة أن ترامب حرص بانتهازية سياسية على التصريح بأنه لو كان رئيسا لأمريكا لما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية ولما حدثت عملية طوفان الأقصى، ورغم أنه تجنب خلال الشهور الماضية الحديث عن الحرب على غزة من قريب أو بعيد، إلا أنه سارع فور فوزه بترشيح الحزب الجمهورى له فى الانتخابات المقبلة إلي تأكيد دعمه اللامحدود لإسرائيل وتأييده لعدوانها على غزة ودعمه لنتن ياهو أيضا.
غير أن ثمة مخاوف لدى كثير من الأمريكيين فى حالة فوز ترامب المرجح حتى الآن بسبب تصريحاته العدائية بأنه لو عاد للرئاسة فسوف ينتقم من كل خصومه ويكون بذلك «الرئيس المنتقم» ولأول مرة فى تاريخ الرئاسة الأمريكية وهو الأمر الذى من شأنه إلحاق أكبر خطر بالديمقراطية حسبما يُحذّر كثير من السياسيين الأمريكيين وعلى النحو الذى ينال من مصداقية الخطاب السياسى المتواتر فى الأدبيات السياسية الأمريكية من أن الولايات المتحدة هى معقل الديمقراطية والحريات بل واحة الديمقراطية فى العالم.
<<<
ثم إنه بصرف النظر عن فرص الفوز المتاحة لكل من بايدن وترامب، فإن المقارنة بينهما كما يراها الخبراء والسياسيون الأمريكيون هى مقارنة بين السيئ والأسوأ بالنظر إلى العيوب الشخصية لكل منهما، إذ بينما لا تتوافر لدى بايدن المواصفات والمؤهلات الضرورية لتولي رئاسة أكبر وأقوى دولة في العالم سواء من حيث سنه الكبيرة «٨٢ سنة» حاليا ليكون أكبر رئيس سنا فى التاريخ الأمريكى ومن ثم افتقاده للياقة الصحية أو من حيث افتقاده اللياقة الذهنية والقدرة العقلية اللازمة لإدارة أمريكا حسبما تبدى كثيرا فى تلعثمه وخلطه بين أسماء الشخصيات وأسماء الرؤساء ونسيانه للكثير من التواريخ والأحداث.
وفى نفس الوقت فإن ترامب (٧٨ سنة) يعد كبير السن أيضا إذ يقل سنه عن بايدن بأربع سنوات فقط، وسوف يكون أيضا فى حالة فوزه أكبر رئيس أمريكى سنا، وإذا كان يحظى بلياقة صحية وجسدية وذهنية تفوق منافسه بايدن، إلا أنه وقع أيضا فى خلط للأسماء فى مواقف كثيرة مؤخرا وهو الأمر الذى يعنى أن لياقته وقدرته الصحية والذهنية معرّضة للتدهور خلال أربع سنوات قادمة.
الأخطر والأسوأ فى عيوب ترامب الشخصية هو أداؤه السياسى الشرس والعدوانى داخليا وخارجيا حسبما تبدى في ولايته الأولى إضافة إلى عنصريته الواضحة والمتطرفة ضد الأقليات والسود على نحو ما حدث خلال رئاسته الأولى فى حادثة اعتداء رجال الشرطة البيض على مواطن أسود.
<<<
وإذا كان من المقرر حتى الآن أن الانتخابات الرئاسية المقبلة سوف تجرى بين كل من بايدن وترامب إلا أنه قد تحدث مفاجأة خلال الفترة القادمة وقبيل إجراء الانتخابات ذلك أن الحزب الديمقراطى الذى يُدرك أن فرصة مرشحه بايدن تبدو ضعيفة للأسباب والاعتبارات سالفة الذكر قد يدفع بايدن للانسحاب من السباق الانتخابى حرصا على مصلحة الحزب ومن ثمَّ تقديم مرشح آخر، وهو الأمر الذى قد يستجيب له ويعلن انسحابه تحت مبرر أسباب صحية وبذلك يحفظ ماء وجهه ويجنِّب حزبه الهزيمة.
ثمة مفاجأة أخرى قد تحدث فى معسكر الحزب الجمهورى تحول بين ترشح ترامب وتعيق خوضه الانتخابات وذلك في حالة صدور حكم من المحكمة الفيدرالية العليا الأمريكية بمنعه من خوض الانتخابات لإدانته فى حادث اقتحام مبنى الكابيتول عشية إعلان فوز بايدن فى الانتخابات السابقة وهو الحكم الذى يستند فى حالة صدوره إلى مادة فى الدستور تحظر تولى أى شخص قام بأعمال تهدِّد الديمقراطية لأى منصب سياسى فى الدولة، ورغم أن ترامب يراهن حتى الآن على إفلاته من أى حكم قضائى يمنعه من خوض الانتخابات، قياسا على حكم أخير من المحكمة العليا فى إحدى الولايات برفض حكم محكمة أقل درجة لمنعه من خوض الانتخابات إلا أن ترامب الذى يواجه اتهامات كثيرة بالفساد لم تصدر بشأنها أحكام حتى الآن.. قد يخسر رهانه فى حالة إدانته فى حادث اقتحام الكونجرس على الأقل.
<<<
لذا قد تحدث المفاجأة فى أغرب وأعجب انتخابات رئاسية أمريكية، إذ قد تجرى فى غياب أحد المرشحين المتنافسين.. بايدن أو ترامب، وقد تحدث المفاجأة الأكبر إذا أجريت هذه الانتخابات فى غياب بايدن وترامب معًا وبين مرشحين اثنين آخرين غيرهما.
ومن ثمَّ فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى تجرى لأول مرة بين الرئيس الحالى والرئيس السابق تبقى محفوفة بالغموض.. وفى انتظار قادم الأيام.٠