أسامة أيوب يكتب : «حكاوى القهاوى».. النسخة الثانية والأصلية.. و«حكاوى» أخرى
من بين كل البرامج التليفزيونية الرمضانية التى لا تُعد ولا تحصى وعلى اختلافها كان برنامج »حكاوى القهاوى« في نسخته الثانية الجديدة هو الوحيد الذى جذبنى إلى مشاهدته ومتابعته طوال شهر رمضان الذى ودعنا أيامه ولياليه المباركة منذ أسبوع، إذ تصادفت إذاعته بعد دقائق من أداء صلاة الفجر وهو الوقت الذى مكننى من مشاهدته بالصدفة ثم متابعته يوميا.
«حكاوى القهاوى» الذى شاهدته وتابعته كان النسخة الثانية الجديدة المتجددة من البرنامج فى نسخته الأصلية الذى كان يُذاع على شاشة التليفزيون المصرى فى عصره الذهبى، ورغم تغيير كل فريق عمل البرنامج القديم، إلا أن النسخة الجديدة احتفظت فى مجملها بنفس روح النسخة الأصلية وحيث بدت امتدادًا متجددًا لها.
المفاجأة هى أن مقدمة النسخة الجديدة من البرنامج رشا الجمال فى أول أعمالها التليفزيونية أعادت إلى الذاكرة أداء صاحبة البرنامج القديم الإعلامية القديرة الراحلة سامية الاتربى، إذ بدت نسخة طبق الأصل سواء من حيث ملامح الوجه أو الأداء والصوت الدافئ المتميز، بل الملابس التى تظهر بها والتى تكاد تكون ذات الملابس التى كانت ترتديها سامية الاتربى.
المفاجأة الأكبر التى بددت العجب من المفاجأة الأولى هى أن رشا الجمال مذيعة النسخة الجديدة من »حكاوى القهاوي« هى ابنة الإعلامية الراحلة سامية الاتربى والتى تشبهها فى كل شىء فى تطابق واضح حتى بدت كأنها هى.
< < <
ومن المعلوم أن الراحلة سامية الاتربى إحدى ثلاث إعلاميات شقيقات الكبرى سهير الاتربى والتى تخصصت فى الشئون والبرامج السياسية، والصغرى عزة الاتربى والتي تخصصت فى برامج المنوعات، بينما كان اهتمام وتخصص سامية الاتربى وهي الوسطى بين الشقيقتين فى البرامج الثقافية والاجتماعية، حيث تميزت بأداء مهنى جاذب للمشاهدين بلغ ذروته فى برنامجها الأشهر »حكاوى القهاوى«.
وبحسب معلوماتى الخاصة فإن الثلاثى الاتربى من أبناء محافظة الدقهلية وتحديدًا من قرية اسمها «إخطاب» حيث تُعد عائلة الاتربى التى ينتمين إليها واحدة من أشهر عائلات القرية والمنصورة، وكنت شخصيًا فى طفولتى على معرفة بأحد أعمام الثلاثى الاتربى وأذكر أن اسمه خليل الاتربى إذ كان زميلا أو بالأحرى رئيسًا مباشرا لوالدى فى محافظة القاهرة عندما كان يشغل منصب وكيل وزارة لشئون التفتيش المالى والإدارى، ومازلت أحتفظ بصورة فوتوغرافية تجمعنى به فى أحد احتفالات المحافظة، وأذكر أن علاقة صداقة وثيقة ظلت تجمعه بوالدى حتى رحل قبل أن يرحل والدى.
ثمة مصادفة قدرية جمعتنى بعد ذلك بعائلة الاتربى عندما كنت أقدم برنامج «صالون دريم» على فضائية دريم منذ عام 2004 حتى عام 2006، إذ تصادف أن كان مخرج البرنامج هو خالد الاتربى، والذى أذكر له أداءه المهنى المتميز وأخلاقه الطيبة، وهو بالمناسبة متزوج من إحدى ابنتى الفنان القدير الراحل أبوبكر عزت والإعلامية والأديبة كوثر هيكل.
<<<
أما رشا الجمال ابنة سامية الاتربى فهى أيضًا ابنة أبوبكر الجمال والذى ينتمى إلى عائلة الجمال أشهر عائلات مدينة دمياط والتى ينتمى إليها أيضا رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان، ومن المصادفات القدرية أيضًا أننى تعرفت على أبوبكر الجمال وقت أن كان يشغل منصب محافظ دمياط فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، وحيث استن الرئيس السادات سنة جديدة فى تعيين المحافظين، حيث كان يختار محافظ كل من محافظة من أبنائها، إذ كان يرى أن ابن المحافظة يكون أعلم بشئونها، وفى هذا السياق اختار اللواء سعد الشربينى ابن المنصورة وضابط الشرطة المتميز محافظا للدقهلية وحيث عرفته شخصيًا إذ كان بالمصادفة خال زميلى وصديقى وزميل الدراسة في كلية الإعلام الكاتب الصحفى أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام الأسبق.
<<<
أما الإعلامية سهير الاتربى الشقيقة الكبرى للثلاثى الاتربى، فقد لا يعلم الكثيرون أنها كانت متزوجة من اللواء حسن أبوسعدة أحد قيادات حرب أكتوبر 1973 والذى عينه الرئيس السادات بعد ذلك سفيرًا لمصر فى العاصمة البريطانية فى فترة مهمة وفارقة من تاريخ مصر السياسى الحديث خلال معركة السلام والتحرير.
<<<
عودة إلى »حكاوى القهاوى« فى نسخته الثانية الجديدة ورغم الاختلاف النسبى مع النسخة الأصلية، حيث كانت سامية الاتربى تُقدم البرنامج من داخل المقاهى القديمة والشهيرة، بينما نقلت ابنتها رشا الجمال البرنامج خارج المقاهى بانتقالها وكاميرات البرنامج إلى أماكن تاريخية ومواقع قديمة، إلا أن المحتوى بقى كما هو باستعراض حكاوى عن الأحياء والمواقع والأحداث التاريخية والعادات والتقاليد سواء القديمة أو التى لازالت مستمرة حتى الآن من خلال شخصيات وضيوف تجرى معهم الحوارات بنفس أداء وأسلوب والدتها سامية الاتربى.
ورغم أن »حكاوى القهاوى« مصنف من ضمن البرامج الثقافية والاجتماعية، إلا أنه فى نسخته الأصلية والجديدة ينطوى محتواه على معلومات تاريخية عن فترات سابقة ومهمة فى التاريخ المصرى الحديث والقديم على حد سواء، ثم إنه لا يخلو أيضًا من السياسة وإن جاءت ضمنيًا وعلى هامش الحوارات.
<<<
«حكاوى القهاوى» فى نسخته الأصلية كان وجبة ثقافية دسمة قدمتها سامية الاتربى بامتياز مهنى وبسلاسة أداء وجزالة كلمات وأسلوب، وحيث بدا أداؤها أشبه بالسهل الممتنع، وهكذا فعلت ابنتها رشا الجمال فى النسخة الثانية من البرنامج.
<<<
الأمر اللافت والذى يُعد مدعاة للاحترام والإعجاب هو حرص صناع البرنامج في نسخته الجديدة على تقديم الشكر مكتوبا على لوحة فى بداية كل حلقة إلى من وصفهم بصُناع العمل الأصليين.. الإعلامية سامية الاتربى ويحيى تادرس ويحيى خليل معدى البرنامج والمخرج عمر أنور، وهو مسلك يُعلىّ قيم الوفاء والاحترام والامتنان لأجيال سابقة من الرواد الإعلاميين الذين قدموا عملا تليفزيونيا متميزا لايزال حاضرا فى ذاكرة المشاهدين، إذ إنه بالإضافة إلى تميز أداء سامية الاتربى المهنى، فقد تميز معدّ البرنامج القديم يحيى تادرس بأسلوب سهل وبكلمات رشيقة أقرب إلى الشعر من النثر وبإعداد محتوى تليفزيونى متميز ودسم، وأيضا باستضافة الشخصيات الضيوف الذين لديهم معلومات وحكاوى تستعرض فترات مهمة من تاريخ مصر الثقافى والأدبى والاجتماعى.
أما مخرج النسخة الأصلية عمر أنور فأعرفه شخصيا إذ إنه صديق وزميل دراسة ضمن خريجى الدفعة الأولى فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 1975، وهو من المخرجين المتميزين خاصة فى البرامج الثقافية، حيث ترأس ولسنوات طويلة قناة النيل الثقافية بالتليفزيون المصرى والتى شهدت تطويرا وتحديثا لافتا خلال رئاسته لها.. شهد بها قيادات وزارة الإعلام والتليفزيون.
<<<
اللافت أيضًا أن صناع النسخة الجديدة من «حكاوى القهاوى» والتى تنتجها شركة خاصة بداية من المذيعة الواعدة رشا الجمال ومعها المعد أحمد عطاالله والمخرج هيثم أبوعقرب.. قد حافظوا على روح النسخة الأصلية وإن اجتهدوا في التجديد النسبى بالانتقال إلى خارج المقاهى للحديث عن الوقائع التاريخية على أرض الواقع.
<<<
وإذا كان »حكاوى القهاوى« فى نسخته الأصلية واحدًا من أنجح البرامج التليفزيونية وأكثرها جذبًا وامتاعًا للمشاهدين، فإنى أحسب أن صناع النسخة الجديدة سوف يحافظون على ذلك التميز السابق من خلال حرصهم على الالتزام بنهجه ورشاقته، وإن لم يتضح هل سيتواصل عرض البرنامج بعد ذلك طوال السنة أم سيقتصر فقط على رمضان من كل عام.
<<<
قد أكون تطرقت فى حديثي عن «حكاوى القهاوى».. النسخة الأصلية والنسخة الجديدة إلى حكاوى أخرى لم تكن «حكاوى قهاوى» لكنى وجدتها ضرورية حتى يكتمل الحديث.
<<<
تلك السطور كانت شهادتى بوصفى مشاهدًا ثم بوصفى صحفيا وإعلاميًا، وأحسبها شهادة موضوعية بحق النسخة الأصلية من البرنامج وأكررها بحق النسخة الجديدة، خاصة أن رشا الجمال إعلامية واعدة أحيّت ذكرى والدتها الراحلة سامية الاتربى فى تأكيد للحقيقة العلمية حول توارث الچينات وفى تطبيق واضح للمثل الشعبى «ابن الوز عوام».