أسامة أيوب يكتب: سيناريو التهجير هو الخطر الأكبر المحدق بالقضية الفلسطينية

رغم الإحباط الذى تبدى على وجه مجرم الحرب نتن ياهو فى لقائه مع الرئيس دونالد ترامب فى البيت الأبيض الأسبوع الماضى الذى رفض استثناء واردات إسرائيل من قرار الرسوم الجمركية وبعد أن أعلن عن عقد مفاوضات مع إيران بشأن الملف النووى اليوم السبت فى سلطنة عمان، ثم عندما أكد قدرته على حل الخلاف الإسرائيلى - التركى حول سوريا، حيث اعتبر الإعلام الصهيونى أن زيارة نتن ياهو لواشنطن التى انتهت بسرعة كانت فاشلة..
..رغم إحباط نتن ياهو فيما يتعلق بتلك الملفات الثلاثة، إلا أنه عاد إلى تل أبيب محتفظا بالضوء الأخضر لمواصلة العدوان وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، بينما أشار ترامب باقتضاب إلى وقف الحرب بعد استعادة الرهائن ونزع سلاح حماس، وذلك هو المكسب الذى حظى به مجرم الحرب من زيارته، مع ملاحظة أن ترامب لم يفته تجديد الحديث عن نقل ´تهجيرª سكان غزة إلى مكان آخر.. زاعمًا أن عدة بلدان مستعدة لاستقبالهم!
<<<
ولأن نتن ياهو كان يعوّل كثيرا على موافقة ترامب على الإسراع بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، سواء ضربة أمريكية إسرائيلية مشتركة أو ضربة إسرائيلية منفردة بحماية أمريكية، فإن المفاجأة التى فجرها ترامب فى وجهه بإجراء مفاوضات مع إيران اليوم السبت قد ألجمته ولم يستطع إبداء رأى مخالف ولكنه فى محاولة لحفظ ماء وجهه أضاف: المهم ألا يُسمح لإيران بامتلاك السلاح النووى، ثم إنه فى محاولة لنفى فشل زيارته وفشله فى إقناع ترامب بتوجيه الضربة لجأ بعد عودته إلى التصريح بأنه فى حالة فشل المفاوضات أو لجوء إيران إلى إطالة أمدها فإن تفجير المنشآت النووية سيكون هو الحل ووفقا لما جرى مع ليبيا، زاعما أن ما جرى خلال الزيارة لم يتم إذاعته كله!
أما بخصوص سوريا وادعاء نتن ياهو بالقلق من نفوذ تركيا الذى حل محل النفوذ الإيرانى وعلى النحو الذى يُهدد أمن إسرائيل، فقد جاء حديث ترامب حاسمًا.. رافضا محاولة التسخين بتأكيد قدرته على تسوية الأمر خاصة فى ضوء علاقته الجيدة مع الرئيس أردوغان الذى يثق فيه ويحبه كثيرا، ولذا التزم نتن ياهو الصمت بل ظل حريصا طوال اللقاء على كيل المديح والإشادة بالرئيس ترامب ووصفه بأكبر صديق لإسرائيل.
ثم إنه فى سياق الطمع والقسم اليهودى الصهيونى في الإغداق الأمريكى على إسرائيل كان نتن ياهو يعوّل أيضا على العودة من واشنطن وقد حصل على استثناء من قرار الرسوم الجمركية لكن طلبه قوبل بالرفض، بل إن ترامب حرص على التذكير بالمليارات الكثيرة التى تقدمها واشنطن لإسرائيل وأنها الدولة التى تحصل علي أكبر قدر من المساعدات الأمريكية.
<<<
اللافت أن ترامب الذى قدّم نفسه للعالم بأنه صانع سلام حسبما أكد فى تعهداته قبل انتخابه بوقف الحروب، حيث شرع فى وقف الحرب الروسية الأوكرانية، وحيث اتجه إلى خيار المفاوضات مع إيران تجنبا للحرب، إلا أنه وعلى النقيض تماما كشف عن موقفه العدائى العنصرى بدعمه لحرب الإبادة التى يشنها نتن ياهو ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، إذ لم يشر بكلمة واحدة لاستنكار تلك الجريمة وقتل وحرق الأطفال والنساء، بل إنه لم يطلب أو يأمر نتن ياهو وهو الوحيد القادر فى العالم على إلزامه بوقف الإبادة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة لإنقاذ مليونى فلسطينى.. غالبيتهم أطفال لا يجدون طعاما أو كوب ماء نظيف.
ثم إنه من اللافت ومن المخزى أن ترامب رئيس أكبر دولة فى العالم تدعى حماية حقوق الإنسان صمت إزاء انتهاك نتن ياهو لاتفاق الهدنة الذى تم التوصل إليه وبضغط من جانب عشية وصوله إلى البيت الأبيض، وهو الاتفاق الذى التزمت به حماس وأسفر عن إطلاق أعداد الرهائن المتفق عليها فى المرحلة الأولى، بينما خرق نتن ياهو الاتفاق ورفض استكمال المرحلة الثانية واستأنف عدوانه وحرب الإبادة بوحشية فاقت ما قبل الاتفاق!
<<<
لقد بدا واضحا أن مجرم الحرب نتن ياهو ماض قدما فى مواصلة عدوانه وحرب الإبادة والتضحية بالأسرى الرهائن لدى حماس والذين يتهددهم خطر الموت جراء القصف الإسرائيلى، والتفسير الوحيد الذى يحظى بالإجماع داخل إسرائيل ولدى المعارضة هو أن نتن ياهو يواصل العدوان لأسباب سياسية شخصية تتعلق بحرصه على البقاء فى الحكم والتهرب من المحاكمة سواء عن مسئوليته من طوفان الأقصى وفشله فى الحرب على غزة أو عن جرائم الفساد المنظورة أمام المحكمة، إذ أنه فى كل الأحوال سوف تنتهى حياته السياسية للأبد.
<<<
إن قراءة مشهد لقاء البيت الأبيض الأسبوع الماضى تؤكد أن مجرم الحرب نتن ياهو لايزال محتفظا بالضوء الأخضر الأمريكى لمواصلة عدوانه الوحشى وحرب الإبادة فى غزة وتجويع شعبها وقتل وحرق المدنيين والصحفيين والطواقم الطبية أحياء وإعدام المسعفين ميدانيا وعلى النحو الذى بلغ ذروة الوحشية عشية زيارة مجرم الحرب لواشنطن، بينما بدا واضحا أن ترامب لا يعنيه سوى إطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس وإخراج المقاومة الفلسطينية من غزة، ولذا فإن أى تعويل حقيقى على أمريكا ترامب لوقف العدوان وحرب الإبادة والتجويع هو جرى وراء السراب.
وفى نفس الوقت فإن القراءة الدقيقة وبعيدا عن أى توهم للموقف الأمريكى فى ضوء حديث ترامب خلال اللقاء مع نتن ياهو تؤكد أنه ماض قدما ودون التفات أو اعتناء بالمبادرة العربية فى تنفيذ مقترحه أو مخططه لنقل سكان غزة خارجها والاستيلاء عليها بوضع اليد وتحويلها إلى مشروع سياحى استثمارى أمريكى وعلى النحو الذى يبدو معه أنه يستدعى إرثا استعماريا بعد عقود من نهاية الحقبة الاستعمارية فى المنطقة.
<<<
وحتى لو أن ترامب تراجع عن تحويل غزة إلى مشروع سياحى (ريفيرا الشرق) بحسب تصريحاته السابقة وذلك هو الأرجح، فإنه فى كل الأحوال سوف يدعم ضمها لإسرائيل مع ملاحظة انتقاده لحكومات إسرائيل قبل نتن ياهو التى خرجت من غزة وسلمتها لحماس.. متغافلا في تضليل عن أن غزة أرض فلسطينية وأن قوات الاحتلال انسحبت منها مضطرة تحت ضربات المقاومة المشروعة.
<<<
لذا فإن التعاطى العنصرى العدائى السافر من جانب الرئيس الأمريكى ترامب مع جرائم الحرب التى يرتكبها نتن ياهو فى غزة طوال ١٦ شهرا حيث يحظى بالحماية والدعم غير المسبوق سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا إنما يعنى أن الإدارة الأمريكية تحت رئاسة ترامب تشارك الكيان الصهيونى برئاسة مجرم الحرب نتن ياهو فى انتهاك القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى وكل المواثيق الأممية بما فى ذلك عرقلة الأمم المتحدة والمنظمات الأممية التابعة فى إدخال المساعدات الغذائية والإغاثة الإنسانية لإنقاذ مليونى فلسطينى من الموت جوعا وعطشا والحرمان من تلقى علاج الجرحى داخل المستشفيات التى يتم حرقها وحرق المرضى والصحفيين أحياء.
<<<
ثم إن الولايات المتحدة برئاسة ترامب سوف تقدم علي ارتكاب جريمة تطهير عرقى فى حالة تنفيذ خطة نقل سكان غزة إلى خارجها فى انتهاك أيضا للقانون الدولى وعلى نحو غير مسبوق من حيث إزالة شعب من فوق أرضه، وحيث سيكون ذلك وصمة عار سوف تلاحق ترامب وأمريكا عبر العصور.
الأمر الآخر أن ترامب يدعم ويرعى تنفيذ المخطط الصهيونى لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل والتي تمارس عدوانها على مدنها ومخيماتها بالتوازى مع غزة خاصة وأن ترامب يرى بحسب تصريحات سابقة أن إسرائيل مساحتها صغيرة جدا بالمقارنة مع الدول المجاورة وهو ما يعنى أن سيناريو إسرائيل الكبرى من النيل للفرات جاهز للتنفيذ تدريجيا فى قادم الأيام.
<<<
أما وصمة العار الأكبر فقد لحقت وسوف تلاحق المجتمع الدولى كله الذى وقف عاجزا عن لجم إسرائيل وإيقاف حرب الإبادة فى غزة وحيث عجزت الأمم المتحدة عن إدخال المساعدات الضرورية لإنقاذ الشعب الفلسطينى فى غزة التى تحولت إلى ساحة قتل بحسب وصف أمينها العام أنطونيو جوتيريش.
<<<
خلاصة القول هى أنه حتى لو نجحت جهود الوساطات الجارية حتى كتابة هذه السطور فى التوصل إلى هدنة مؤقتة فإن العدوان سيتواصل بعد إطلاق سراح الرهائن، كما أن تنفيذ سيناريو تهجير الفلسطينيين من غزة هو الخطر الأكبر المحدق بالشعب الفلسطينى والأمن القومى العربى، لذا لزم الانتباه.