أسامة أيوب يكتب : في استقبال سنة جديدة.. تأملات فى الزمن
لعل أطرف تعليق على الاحتفال باستقبال العام الجديد ٢٠٢٣ وانقضاء ٢٠٢٢ حدثنى عنه أحد الأصدقاء المتابعين لوسائل التواصل الاجتماعى هو تلك الصورة المتخيلة عن كائنات فضائية تتساءل فى دهشة وتعجُب عن سبب الاحتفالات الصاخبة فى الأرض وكانت الإجابة أن سكان الكوكب يحتفلون بإكمال دورته السنوية حول الشمس!، والحقيقة أن هذا التعليق برمزيته لا تخفي دلالته بشأن نسبية الزمن فى هذا الكون اللانهائى الذى تُمثل فيه الأرض نقطة بالغة الصغر والضآلة.
فى كوكب الأرض بدأ حساب الزمن منذ أن أنشأ الإنسان الحضارات القديمة بهدف تأريخ الأحداث وفقًا لتقويمات متعددة ومختلفة، وبمرور السنين كان التقويم الميلادى هو الأشهر والأغلب، وبعده التقويم الهجرى والمعمول به في الدول العربية والإسلامية وحيث اقتصر التعامل به على معرفة بدايات الشهور العربية المرتبطة بمناسبات وأعياد إسلامية فى مقدمتها شهر رمضان.. شهر الصوم وذو الحجة حيث تؤدى فيه شعيرة الحج وغيرها مثل نصف شعبان وليلة الإسراء والمعراج ورأس السنة الهجرية، مع ملاحظة أن كل التقويمات اتفقت على تحديد شهور السنة باثنى عشر شهرًا.
<<<
ومن المعلوم أن السنة وفقًا للتقويم الميلادى الذى بدأ بميلاد المسيح عليه السلام هى مجموع اثنى عشر شهرًا شمسيًا، لذا فإن عدد أيام السنة هو ٣٦٥ يومًآ ولأن هذا العدد من الأيام يقل قليلا عن زمن السنة الشمسية بما قيمته ربع يوم، فقد تم التوافق على استعاضته بزيادة يوم للسنة الميلادية كل أربع سنوات، حيث يكون شهر فبراير الذى يبلغ عدد أيامه ٢٨ يومًا كل أربع سنوات ٢٩ يومًا.
ومن المعلوم أيضًا أن هناك اختلافًا بين بداية التقويم الميلادى الغربى والتقويم الشرقى وذلك ما يُفسِّر احتفال المسيحيين الغربيين بعيد الميلاد يوم ٢٥ ديسمبر، بينما يحتفل المسيحيون الشرقيون بالعيد أى بيوم ميلاد المسيح يوم ٧ يناير بفارق يقترب من أسبوعين.<<<
أما التقويم الهجرى الذى يعتمد على الشهور القمرية بحسب ما كان معمولا به فى شبه الجزيرة العربية قبل نزول الإسلام، فإن عدد أيام السنة يبلغ ٣٥٥ يومًا بحسب دورة القمر وبأقل عشرة أيام عن أيام السنة الميلادية الشمسية، ولذا فإن كل ٣٣ سنة تقل سنة كاملة عن السنة الميلادية وكل قرن هجرى يقل ٣ سنوات عن القرن الميلادي.
العمل بالتقويم الهجرى يرجع الفضل فيه للخليفة الثانى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذى رأى ضرورة وضع هذا التقويم وفقًا للشهور القمرية العربية خاصة بعد اتساع الدولة الإسلامية لتسجل زمن الأحداث وتأريخها، ويذكر أن الصحابة الذين استشارهم حول السنة التى يبدأ بها التقويم توافقوا على اقتراحه بأن تكون سنة الهجرة النبوية الشريفة.
ثم جاء الدور على اختيار الشهر الذى تبدأ به السنة ومن بين عدة اختيارات بين شهر ربيع الأول بوصفه الشهر الذى ولد فيه وهاجر فيه وتوفي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أو شهر رمضان بوصفه شهر الصوم، حيث وافق الصحابة على رأى عُمر بأن يكون أول شهور السنة هو شهر المحرم باعتباره الشهر الذى يفيض فيه الحجاج عائدين إلى ديارهم.
<<<
وإلى جانب التقويم الميلادى والتقويم الهجرى فإن ثمة تقويمات أخرى لأمم وديانات وحضارات قديمة منها التقويم الفارسى والتقويم الصينى والتقويم العبرى وغيرها، حيث تزيد أعداد سنواتها التى بدأ حسابها وتأريخها قبل التقويمين الميلادى والهجرى، وأن يقتصر العمل بها لدى أصحابها فقط خاصة فى احتفالاتها التاريخية وأعيادها.
غير أن التقويم الميلادى ظل ومازال هو الوحيد المستخدم فى العالم ومنذ قرون بعيدة بالنظر إلى اتجاه بوصلة شعوب ودول العالم نحو الغرب الأوروبى الذى كان يُسيطر بنفوذه الاستعمارى على الشعوب حتى منتصف القرن الماضى، ثُم بالنظر إلى سيطرته على العالم حتى الآن بفعل تقدمه الصناعى والاقتصادى والعسكرى والعلمى والتكنولوجى ومن ثمَّ نفوذه السياسى المهيمن على إدارة شئون العالم.
<<<
لكن الأمر المؤكد هو أن كل تلك التقويمات وحسابات الزمن والسنين تبقى غير معبِّرة على الإطلاق عن بداية الزمن فى الأرض، إذ إنه من غير المعلوم ومن غير الممكن تحديد متى بدأت الحياة فوق الأرض بحساب السنوات، ولذا فإن كل التقويمات المعروفة ما هى إلا وسيلة تعسفية لحساب السنين وعددها في زمن قريب جدًا وحديث جدًا من عمر الحياة فوق الأرض أو من عُمر الكوكب ذاته.
<<<
حقيقة الأمر هى أن قدوم سنة جديدة لا يعنى وفقًا لحسابات البشر أنها ستكون فارقة في حياة الناس، إذ إنها مجرد إضافة إلى ما سبقها من سنين، غير أن استقرار التقليد الذى صار عرفًا للاحتفال بالعام الجديد، إنما يعكس رغبة فطرية فى التفاؤل بقدوم السنة الجديدة.. اعتقادًا بأنها ستكون أفضل من سابقتها، وهو اعتقاد يتصادم مع افتقاد الناس فى كل مناطق العالم لكل ما هو قديم والذى يصفونه بالزمن الجميل والذى يتحدثون عنه بكل الحنين ويتمنون استرجاعه.
<<<
فى هذه التأملات للزمن ومرور السنين، فإن انقضاء سنة لا يعنى انتقاص سنة من عُمر أى إنسان، إذ إن عمر الإنسان هو مجموع الأيام والشهور والسنين بل الساعات التى يعيشها بالفعل، أى أن عمره قد ينتهى فى أى وقت من السنة، أما انقضاء سنة وبدء أخرى فهو أمر يتعلق بمرور الزمن ولا يخص الإنسان.
<<<
وفى سياق هذه التأملات للزمن، فمن الملاحظ وبإجماع الناس أنه صار يمر سريعًا جدًا وبأسرع من سنوات سابقة وبما يفوق القدرة على استيعاب هذه السرعة، وحيث يتحدث الناس عن أن السنة باتت كالشهر، وهو أمر ليس له تفسير فلكي إذ إن حركة الشمس ثابتة لم تتغير وإن يمكن تفسيره بسبب سرعة إيقاع الحياة الحديثة، ثم إن له تفسيرا دينيا بمعنى انتزاع البركة من الوقت ضمن علامات أخرى كثيرة من علامات اقتراب يوم القيامة.
يبقى أخيرًا أن الزمن هو ذلك اللغز الكبير الغامض الذى يقف البشر منذ بدء الحياة فوق الأرض عاجزين عن استيعابه أو إيقافه وعاجزين بالضرورة عن معرفة عدد سنينه.