د. محمد فراج يكتب : جلاسجو.. قمة «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ المناخ العالمي (٢/١)
أجراس الإنذار تدوى فى قمة جلاسجو للتغيرات المناخية.. «كوكب الأرض فى خطر».. «البشرية فى مواجهة كارثة».. رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون يحذّر من أن الحضارة الإنسانية الحالية تواجه خطر انهيار سريع وشامل كالذى واجهته الحضارة الرومانية. ويقول فى خطابه الافتتاحى للقمة ـ بحضور أكثر من ١٢٠ زعيمًا عالميًا وممثلى أكثر من ١٩٠ دولة ــ «العالم أمام لحظة الحقيقة».. ويضيف «علينا التحرك حالا.. وما لم نتعامل بجدية مع التغير المناخى الآن، فسيكون قد فات الأوان على أطفالنا للقيام بذلك غدًا».. «وسيكون حكم الأجيال القادمة علينا قاسيا (......) ولن يسامحونا».
والحقيقة أن جونسون لا يبالغ، فالأرقام حول الآثار الكارثية للتغيرات المناخية السلبية تُشير إلى تفاقم خطير.. وكلها أرقام مأخوذة عن تقارير لمنظمات دولية رصينة وموثوق بها. وعلى سبيل المثال فإن تقريرا مطولا لوكالة «الأسوشيتدبرس» الأمريكية مأخوذا عن تقارير منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، يشير إلى أنه خلال العام الماضى (٢٠٢٠) وقعت حوالى ثمانية آلاف كارثة مناخية (٨ آلاف) راح ضحية لها أكثر من (٥٦٣ ألف/ خمسمائة وثلاثة وستين ألفا!).. وإلى (مائة ألف حالة وفاة) بسبب الحرارة المرتفعة فى ٧٣٢ مدينة حول العالم، وبديهى أن مدن العالم أكثر من ذلك بكثير، بينما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن حصيلة الوفيات السنوية فى العالم، بسبب التغيرات المناخية (ارتفاع الحرارة) ستصل إلى (٢٥٠ ألفا/ ربع مليون) كل عام خلال سنوات الثلاثينات.. (الأهرام - ١ نوفمبر ٢٠٢١).
كما يشير التقرير إلى تفاقم ظاهرة حرائق الغابات بسبب ارتفاع الحرارة في فصل الصيف، والتى شهدت منطقة البحر المتوسط هذا العام أمثلة كثيرة لها.. ويذكر التقرير أنه في الولايات المتحدة شملت حرائق الغابات (2.7 مليون فدان) المتوسط خلال الفترة من 1982 إلى 1992.. بينما تضاعفت إلى (7.5 مليون فدان سنوياً في الفترة من 2011 إلى 2020، وقس على ذلك في مختلف أنحاء العالم.
كما يشير التقرير إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري أدت إلى ذوبان كميات هائلة من الصفائح الجليدية في القطب الشمالي مما أدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار (9.5 سم/ تسعة سنتيمترات ونصف) في الفترة من 1992- 2020) ومعروف ما لهذا الارتفاع من تأثير كارثي في إغراق المدن الساحلية والأراضي الزراعية وغير الزراعية في المناطق المجاورة للسواحل، علماً بأن هذه الظاهرة تتفاقم بمعدلات أكبر خلال السنوات الأخيرة (الأهرام – 1نوفمبر نقلا عن الأسوشيتدبرس).
والأمثلة كثيرة مما يخص تفاقم ظواهر خطيرة كالأعاصير والفيضانات والسيول المدمرة، والجفاف والتصحر وغيرها من الكوارث المناخية المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحرارى.. وقد تحدثنا عن ذلك كله بقدر كاف من التفصيل فى مقالنا السابق (الأموال - ١ نوفمبر ٢٠٢١).
كوارث أفريقية
وإذا كانت الكوارث المناخية لا تستثنى منطقة في الكرة الأرضية من آثارها المدمرة، فإن القارة الأفريقية تعانى من مشكلات إضافية، يفاقم من تأثيرها أن مستوى النمو الاقتصادى المتواضع يجعل أغلب الدول الأفريقية أقل قُدرة على مواجهة تلك الآثار، وتبرز هنا بصورة خاصة كوارث السيول والفيضانات من جهة، والجفاف والتصحر من جهة أخرى.
ويشير تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية «التابعة للأمم المتحدة» بالتعاون مع الاتحاد الأفريقى، قبل أيام من انعقاد مؤتمر جلاسجو «كوب 26» إلى ظاهرة ذوبان القمم الثلجية لثلاثة جبال كبيرة فى المنطقة الاستوائية (كليمنجارو - فى تنزانيا وجبل كينيا فى كينيا وجبل بربنزرويس فى أوغندا) بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مما يجعل من المتوقع اختفاؤها تماما بحلول عام 2040 وما يرتبط بذلك من فيضانات تعقبها فترة من الجفاف والقحط، ومن ثمَّ حدوث مجاعات يعانى منها حوالى ١١٨ مليون نسمة فى المناطق المشار إليها والمجاورة لها.
ويشير التقرير إلى أن الآثار السلبية للتغيرات المناخية ستؤثر سلبًا بشدة على النمو الاقتصادى فى بلدان أفريقيا ضعيفة النمو أصلا، بما يؤدى إلى انخفاض الناتج المحلى الإجمالى بنسبة ٢ - ٣٪ سنويا بحلول منتصف القرن إذا لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة هذه الأوضاع، كما يشير التقرير إلى حاجة دول أفريقيا جنوبى الصحراء لإنفاق ما يتراوح بين ٣٠ - ٥٠ مليار دولار سنويا لمواجهة آثار التغير المناخى، وهو مبلغ يصعب تصور كيفية توفيره بالنسبة لهذه الدول الفقيرة ذات الاقتصاد الزراعى المتواضع (المصرى اليوم - 20 أكتوبر ٢٠٢١) كما يصعب تصور أن تُقدِّم الدول الغنية مساعدات كافية لمواجهة هذه الأوضاع القاسية، الأمر الذى يجعلنا نتوقع مزيدا من المعاناة لسكان هذه البلدان، وبالتالى زيادة التوعية الاقتصادية، غير الشرعية أساسا.
دعوة مصرية للتضامن فى مواجهة الخطر
إذا كانت الدول النامية عموما أقل قدرة على مواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، بحكم أوضاعها الاقتصادية، وإذا كانت الدول الصناعية الكبرى «والغنية بالطبع» هى المسئول الأول عن تفاقم الآثار السلبية للتغير المناخى، وإذا كانت هذه التداعيات السلبية الخطيرة تطال الجميع بلا استثناء، فإن بالضرورة أن تساهم الدول الصناعية الكبرى بنصيب وافر من الموارد الضرورية لمواجهة الآثار السلبية للاحتباس الحرارى، خاصة أن الدول الصناعية والغنية (أعضاء مجموعة العشرين) هى المسئولة عن أكثر من ٨٠٪ من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارى في الوقت الحالى. كما أنها مسئولة تاريخيًا عن نشأة هذه الظاهرة، بحكم أنها الدول التى شهدت ميلاد الثورة الصناعية وتطورها، بما صاحبها من استخدام واسع النطاق للفحم الحجرى، ثم للبترول، وما يتولد عنهما من انبعاثات كربونية، وكذلك عن انبعاثات غاز «الميثان» وغيره.
لهذا كان من المحاور الأساسية لخطاب الرئيس السيسى أمام المؤتمر التأكيد على ضرورة قيام الدول الصناعية الكبرى بتوفير مائة مليار دولار (١٠٠ مليار دولار) سنويًا لتمويل جهود ومشروعات الدول النامية لمواجهة الآثار السلبية للتغير المناخى، بما فى ذلك تمويل مشروعات الطاقة المتجددة. وأشار الرئيس السيسى فى هذا السياق إلي أنه بالرغم من عدم مسئولية القارة الأفريقية عن أزمة المناخ، فإن دولها تواجه التبعات الأكثر سلبية للظاهرة، وما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية، ومن ثم تدعو مصر إلى منح القارة الأفريقية معاملة خاصة فى إطار تنفيذ اتفاقية باريس للتغير المناخى (٢٠١٥) بالنظر للوضع الخاص للقارة، وما تواجهه من تحديات (الأهرام - المصرى اليوم - ٢ نوفمبر ٢٠٢١).
كما كرَّر الرئيس الإعراب عن تطلع مصر لاستضافة الدورة القادمة لمؤتمر المناخ (cop27) العام المقبل، مؤكداً أن مصر ستسعى خلال رئاستها إلى تعزيز العمل الدولى فى مجال مواجهة الآثار السلبية للتغير المناخى، للوصول إلي إنجاز أهداف اتفاق باريس، تحقيقًا لمصالح شعوب قارة أفريقيا وشعوب العالم أجمع.
والأمر المؤكد أن وفاء الدول الكبرى بالتزاماتها فى مجال دعم الدول النامية ماليًا (١٠٠ مليار دولار سنويا) وكذلك فنيًا وتكنولوجيًا هو شرط حاسم لنجاح جهود الدول النامية فى إنجاز الأهداف المطلوبة لمواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ. وبقدر التزام الدول الصناعية الكبري بالتزاماتها فى هذا الصدد بقدر ما ستكون درجة النجاح فى تحقيق الأهداف المرجوة لما فيه صالح كل شعوب العالم.
وللحديث بقية