د. محمد فراج يكتب : جلاسجو.. قمة «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ المناخ العالمى (٢ - ٢)
ضرورات تفرضها استضافة مصر لمؤتمر المناخ الدولى (cop26)
المتغيرات السلبية الخطيرة في أوضاع المناخ العالمى، كان من الطبيعى أن تنعكس فى أجواء قمة «جلاسجو» (كوب٢٦) وأن تسمها بقدر أكبر من الجدية، مقارنة بمؤتمرات دولية أخرى ناقشت المتغيرات المناخية، وكان آخرها قمة العشرين في روما، قبل يوم واحد من انطلاق قمة «جلاسجو»، وكانت التحذيرات الحادة التي جاءت فى كلمة رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون تعبيرًا واضحًا عن إدراك خطورة التغيرات المذكورة (راجع: الأموال - ٧ نوفمبر ٢٠٢١).
وكانت إعادة الاعتبار «لاتفاقية باريس للمناخ - ٢٠١٥» أحد الملامح الهامة لمناقشات قمة «جلاسجو» بعد أن وجه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب طعنة قاسية لاتفاقية باريس بإعلان انسحاب الولايات المتحدة منها في بداية ولايته «يناير ٢٠١٧»، وهو القرار الذى كانت له انعكاساته السلبية الكبيرة، بما أشاعه من تراخ في التزام دول العالم، وخاصة الدول الكبرى، بمقررات اتفاقية باريس خلال الأعوام الماضية.
ومن هذه الزاوية فإن إعلان الرئيس الأمريكى بايدن عودة بلاده للالتزام بالاتفاقية، وحرصه على حضور قمة جلاسجو المشاركة في صنع قراراتها، كان إصلاحا للخطيئة التاريخية التي ارتكبها ترامب، ومثَّل دفعة إيجابية لجهود مكافحة الآثار السلبية للتغير المناخى.
< <<
وبالإضافة إلى رد الاعتبار «لاتفاقية باريس ٢٠١٥» يجب الإشارة إلى إنجازين مهمين حققتهما قمة جلاسجو «١ - ١٢ نوفمبر» خلال أسبوعها الأول، وخاصة في اليومين الأولين اللذين شهدا حضور الرؤساء ورؤساء الحكومات.
الإنجاز الأول: يتمثل في الاتفاق على منع إزالة الغابات بحلول عام ٢٠٣٠ والذى وقعته نحو ١٠٠ دولة بها حوالي ٨٥٪ من مساحة الغابات في العالم، بما فيها البرازيل حيث توجد غابات حوض نهر الأمازون ـ أكبر مساحة للغابات في العالم، ودول حوض نهر الكونغو بغاباته الضخمة، وروسيا حيث توجد غابات «التايجا» السيبيرية الشاسعة، والصين وغيرها من الدول.
ومعروف أن الغابات تمثل «رئات للعالم»، حيث تقوم الأشجار بامتصاص غاز ثانى أكسيد الكربون ـ أخطر مسببات الاحتباس الحرارى ــ وإطلاق الأكسجين، ويؤدى قطع أشجار الغابات لاستخدام المساحة فى الزراعة أو لاستخدامها فى الصناعة أو بيعها فى الأسواق العالمية، ولا يتم تعويض الأشجار المقطوعة فى الغالبية الساحقة من الحالات، ونتيجة لذلك يتزايد الاحتباس الحرارى الذى يؤدى بدوره إلي زيادة حرائق الغابات، بما يصاحبه من انبعاثات كربونية.
لذلك فإن الاتفاق على منع إزالة الغابات بحلول عام ٢٠٣٠ يتسم بأهمية كبرى، كما تعهدت الدول الموقعة على الاتفاق بتخصيص ٢٠ مليار دولار للاستثمار في هذا المجال.
الإنجاز الثانى: يتصل بخفض انبعاثات غاز «الميثان» أحد أهم أسوأ مسببات الاحتباس الحرارى بنسبة ٣٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠، وقد تم طرح الاتفاق برعاية الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، ووقعته أكثر من ٩٠ دولة، إلاّ أن الهند والصين وروسيا رفضت توقيعه، وهى من الدول المنتجة الرئيسية لانبعاثات «الميثان» مما يفرض مواصلة الضغوط عليها لتوقيع الاتفاق. علمًا بأن الهند أعلنت أيضًا أنها لن تحقق أهداف اتفاقية باريس بشأن خفض الانبعاثات الكربونية إلاّ عام ٢٠٧٠! أى بعد التاريخ الذى تحدّده الاتفاقية بعشرين عاما!! ويزيد من سلبية هذا الموقف أن الهند تتحول في السنوات الأخيرة إلى واحدة من كبرى الدول الصناعية في العالم، وتحقق نسبة سنوية عالية للنمو الصناعى، والاقتصادى عموما كما أنها من كبار مستهلكى الفحم.
وحتى لحظة كتابة هذا المقال «١٠ نوفمبر» تتواصل اجتماعات ومناقشات لجان المؤتمر حول آليات تنفيذ بنود اتفاقية باريس للمناخ ٢٠١٥، ومشكلات التمويل والجداول الزمنية للتنفيذ وكذلك حول مشكلات تعزيز العمل المدنى في مجالات البيئة والمناخ، ودور وسائل الإعلام في رفع مستوى وعى المجتمعات بالقضايا المناخية والبيئية، بما يساهم في مكافحة الآثار السلبية لمظاهر السلوك الحكومى والاجتماعى ذات الآثار السلبية فى هذه المجالات.
< <<
وتبقي المشكلة الرئيسية أمام تنفيذ مقررات مؤتمر جلاسجو «وقبل اتفاقية باريس» هى في مدى التزام الدول والحكومات وخاصة الدول الصناعية الكبرى بما تم الاتفاق عليه فى مجال مكافحة الآثار السلبية لتغيُّر المناخ، وفي الاستثمارات الضخمة المطلوبة لتعظيم نسبة الطاقات النظيفة والمتجددة في مزيج الطاقة على المستوى العالمى «راجع بالتفصيل: الأموال ـ ٣١ أكتوبر و٧ نوفمبر» وبالطبع في وفاء الدول الصناعية الكبرى بالتزاماتها بتقديم ١٠٠ مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية على تنفيذ السياسات والشروط الضرورية في المجالات المشار إليها.
هيستيريا المدن الغارقة
ونجد من الضرورى هنا أن نتوقف أمام تحذيرات رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون بشأن إمكانية غرق ثلاث مدن عالمية «ميامى والإسكندرية وشنغهاى» والتى نقلتها وسائل الإعلام بصورة مبتسرة تؤدى إلى استنتاجات غير صحيحة، فقد ذكر جونسون أن المدن الثلاث يمكن أن تتعرض للغرق فى حالة ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار «أربع درجات مئوية» عن مستواها فى بداية الثورة الصناعية، بما يؤدى إلى ذوبان ثلوج القطب الشمالى وجزء من ثلوج القطب الجنوبى، ومن ثم ارتفاع مستوى سطح البحر بما يؤدى لإغراق تلك المدن.
ونكرر: فى حالة ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار أربع درجات مئوية.
والحال أن الاحتباس الحرارى ـ بكل ما يثيره من مشكلات وكوارث- قد أدى لارتفاع حرارة الأرض، حتى الآن، بأقل من درجتين مئويتين، ومطلوب- وفقًا لاتفاقية باريس- خفضه إلى (١.٥ درجة مئوية/ درجة ونصف درجة مئوية) أو أقل.. وهو ما يجرى العمل من أجل تحقيقه على المستوى الدولى، أى أن الوصول إلى «أربع درجات مئوية» فوق مستوى بداية الثورة الصناعية هو أمر مستبعد حدوثه في ظل الظروف الحالية والسياسات المتبعة، والجارى تطويرها، لكن التناول المبتسر والمتعجل جعل بعض وسائل الإعلام العالمية تتجاهل شرط «الأربع درجات مئوية» وتتحدث مباشرة عن خطر غرق المدن الثلاث كخطر داهم.. بينما أراد جونسون أن يوضِّح ضرورة مكافحة الآثار السلبية للتغير المناخى، وأن عدم مواجهتها، وتركها لتتفاقم بصورة منفلتة، لترتفع حرارة الأرض «بأربع درجات مئوية» يمكن أن يؤدى إلى غرق المدن الثلاث.
ووأضح أن السياسات المتبعة- والمستهدفة- لن تترك الأمور تصل إلى هذا الحد الخطير بل تعمل علي خفض درجة حرارة الأرض إلى مستوى 1.5 درجة مئوية السابق الإشارة إليه أو أقل.
ولكن هل يعنى هذا أن الخطر قليل على المدن والمناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر؟؟ الإجابة: لا قاطعة.. فقد أوضحت التقارير الدولية أن مستوى سطح البحر ارتفع خلال الفترة من (1992 - 2020) بمقدار (٩.٥سم/ تسعة سنتيمترات ونصف) ـ «الأهرام، ١ نوفمبر ٢٠٢١» مما أدى إلي إغراق بعض المناطق الساحلية، ومثل تهديداً بإغراق أجزاء من المدن الساحلية ذات المستوى المنخفض، وبابتلاع بعض الجزر في محيطات العالم، أى أن الخطر موجود وكبير منذ الآن.. ويستدعى إقامة حوائط لصد الأمواج وردم وتعلية بعض المناطق في بلدان مختلفة لمواجهة ظاهرة «النحر».
لكن الخطر «ليس داهمًا» بالنسبة للمدن الثلاث التى تحدث عنها جونسون، وربط خطر غرقها بارتفاع حرارة الأرض «بأربع درجات» وبالتالى فليس هناك ما يدعو لإثارة الذعر والهلع، وإن كان هناك ما يدعو لاتخاذ إجراءات وقائية، وبالطبع للإصرار على إنجاح الجهود الدولية الحالية والمستهدفة في مجال مواجهة الاحتباس الحرارى والمتغيرات المناخية والتى تمثل الضمانة الرئيسية لحماية الكوكب والبشرية من الآثار المدمرة لهذه الظواهر.
مصر تستعد لاستضافة (كوب ٢٧)
معروف أن الرئيس السيسى كان قد اقترح استضافة مصر لقمة المناخ القادمة (كوب ٢٧) العام المقبل (٢٠٢٢) وعقد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي اجتماعًا لبحث الاستعدادات اللازمة لعقد القمة بمدينة شرم الشيخ، حضره وزراء السياحة والتنمية الحلية والإسكان ومحافظ جنوب سيناء وعدد من مسئولى قطاع السياحة (المصرى اليوم، ٧ نوفمبر ٢٠٢١)، وأشار رئيس الوزراء إلى أن القمة من المتوقع أن يحضرها عدد كبير جدًا من رؤساء الدول والحكومات والمسئولين والشخصيات الدولية (بلغ عدد المشاركين في قمة جلاسجو ٢٥ ألفا، عدا الناشطين الذين نظموا فعاليات على هامش القمة» مؤكدًا أن الاستعداد سيكون «على أعلى مستوى في جميع الملفات التى تخص هذا الشأن»، (المصرى اليوم، ٧ نوفمبر).
ولسنا بحاجة للحديث عن المكاسب السياسية الهامة التى ستتحقق من خلال استضافة هذه القمة الدولية، كما أن القطاع السياحى من المتوقع أن يُحقق مكاسب كبيرة ليس من خلال الأعداد الضخمة من المشاركين فحسب، بل وأيضًا من خلال تسليط أضواء الإعلام العالمى علي مصر خلال القمة.
لكن من الضرورى هنا الإشارة إلى أن التركيز الإعلامى على مصر فى مثل هذه المناسبة هو «سلاح ذو حدين» إذ أمكن القول، فستغطى المؤتمر وسائل إعلام كثيرة من بلاد «غير صديقة» أو هى نفسها «غير صديقة» إن كانت بلادها صديقة. وستكون البلاد بطولها وعرضها مجالا لحركة ممثلى هذه الوسائل الإعلامية وسيكون هؤلاء مهتمين بتركيز اهتمامهم على إبراز أى ظواهر سلبية فى المجالات المتصلة بموضوع المؤتمر بالذات «المناخ والانبعاثات الكربونية والبيئة» بما فيها مشكلاتنا المزمنة مثل مقالب القمامة المنتشرة في أماكن كثيرة وحرق القمامة..الخ، ويقتضى هذا العمل بأقصى جدية لتحقيق أقصى إنجاز ممكن فى هذه المجالات، وهو ما يستحقه المصريون في جميع الأحوال، وما يتطلب جهودا ضخمة ومنظمة من جميع الجهات الرسمية المعنية، ومساندة شعبية واسعة يحتاج حفزها إلى جهد جاد ومكثف من جانب الإعلام لرفع مستوى وعى الجمهور بهذه القضايا إلى الدرجة التى تليق بحضارتنا العريقة، وهو أمر مطلوب في جميع الأحوال، ويزيده انعقاد المؤتمر في بلادنا إلحاحًا وأهمية.
مرحبًا بضيوف مصر..