أسامة أيوب يكتب: بعد حكم المحكمة الدستورية بشأن الإيجارات القديمة
ضرورة تهدئة مخاوف المستأجرين وإسراع البرلمان بإقرار القانون الجديد
لأن حُكم المحكمة الدستورية العليا الذى صدر مؤخرًا بشأن العلاقة بين المالك والمستأجر فى ظل قانون إيجار المساكن القديم قد أثار قلقًا مجتمعيًا واسعًا وعلى النحو الذى أحدث الكثير من الالتباس والغموض إزاء تنفيذ هذا الحكم الدستورى عند إصدار قانون جديد من البرلمان يُعيد تنظيم العلاقة الإيجارية على أساس جديد.
ورغم أن حكم المحكمة الدستورية العليا تضمن إقرار مبدأ التوازن فى العلاقة الإيجارية بين طرفيها، فإن الالتباس سببه مخاوف المواطنين مستأجرى المساكن وفقًا للقانون الحالى "الإيجار القديم" من أن يعنى تنفيذ الحكم الدستورى إنهاء العلاقة الإيجارية الحالية وبما يُتيح للمالك الحق فى طرد المستأجرين ومن ثم إجبارهم على إخلاء شقتهم السكنية ومواجهة المجهول.
هذه المخاوف التى تُخيّم على المشهد العقارى بعد صدور الحُكم الدستورى والذى أثار القلق المجتمعى بسبب ما يكتنفه من غموض حول تنفيذه من خلال إصدار قانون جديد من الضرورى إزالته لرفع الالتباس وتهدئة المخاوف على وجه السرعة بتوضيح الهدف من صدور الحكم ومن ثم طمأنة المواطنين من المستأجرين من خلال بيان حكومى وكذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وفضائيات.
ولأن الفلسفة القانونية التى استندت إليها المحكمة الدستورية فى إصدار حكمها هى ما أسمته إحداث توازن فى العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر في ظل القانون السارى حتى الآن "قانون الإيجار القديم" فمن المؤكد والذى يُعد من المعلوم بالضرورة بحسب منطوق الحكم أنه لا يعنى إنهاء العلاقة الإيجارية وطرد المستأجرين من مساكنهم، وهو المعنى الذى لم يتم توضيحه ولم يصل جيدًا إلى المواطنين ومن ثم أثار المخاوف.
...
ومن الواضح أن هذا التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر الذى تضمنه الحكم الدستورى يعنى إنصاف ملاك العقارات المؤجرة وفقًا لقانون الإيجار القديم بحيث يتم تعديل وتحريك القيمة الإيجارية التى ترجع إلى عقود مضت فزيادتها بنسب معقولة ومتدرجة وبما يتناسب مع الأسعار الحالية أو يقترب منها حسبما يتضح من روح ومجمل الحكم الدستورى والذى يتعين أن يصدر القانون الجديد متسقًا مع تلك الروح.
ولذا فإن القانون الجديد المزمع إقراره من البرلمان يتعين أن يراعى لإحداث ذلك التوازن عدم المبالغة فى زيادة القيمة الإيجارية وعلى نحو صادم.. قياسًا على أسعار الإيجارات الجديدة قبل سنوات أو على الأسعار الجنونية فى السنة الحالية.
...
واقع الأمر، لقد تأخر صدور حكم المحكمة الدستورية كثيرًا جدًا حتى صدر مؤخرًا بعد أن شهدت إيجارات الشقق السكنية خلال العام الحالى الموشك على الانقضاء (2024) تلك الارتفاعات الجنونية غير المعقولة وعلى النحو الذى ازدادت معه حسرة ملاك العقارات المؤجرة وفقًا للقانون القديم بعد خسارتهم خلال العقود السابقة جراء ثبات الإيجار وتأبيد العلاقة الايجارية.
...
ولقد كان لافتا تحرير العقود الإيجارية فى الأراضى الزراعية بقانون أصدره البرلمان في تسعينيات القرن الماضى، بينما تقاعس وقتها ومن بعده البرلمانات اللاحقة له على إصدار قانون مماثل في العقارات لا ينهى العلاقة الإيجارية بل على الأقل فى إقرار زيادة مناسبة فى الإيجارات، وهو الأمر الذى فسره البعض وقتها بأن غالبية المشرعين في البرلمان من ملاك الأراضى الزراعية بينما لم تكن لهم مصلحة فى إصدار قانون جديد لإيجارات العقارات ومن ثمَّ فقد انطوى موقف البرلمانات على تمييز واضح وغير عادل.
...
لقد كان تثبيت قيمة إيجار الشقق السكنية مع تأبيد العلاقة الإيجارية حتى بعد صدور قانون يتيح امتداد تلك العلاقة حتى الجيل الثانى فقط أي جيل أبناء المستأجرين.. أمرا غير جائز شرعا وفقًا للشريعة الإسلامية أو لأى شريعة دينية بقدر ما كان افتئاتًا على حقوق الملكية الخاصة مثلما كان أيضًا متعارضًا مع المعايير الاقتصادية والاستثمارية باعتبار أنه كان يكرّس مصادرة أصل من الأصول المالية والعقارية وتجميدها لآجال طويلة ممتدة لسنوات وعقود لا تنتهى إلا بهدم العقار.
...
ومع تطبيق قانون الإيجار الجديد الذى صدر منذ سنوات والذى يُحدد مدة العلاقة الإيجارية بسنوات محددة ما بين سنة واحدة وخمس سنوات فى الغالب مع زيادة القيمة الإيجارية سنويا بنسبة 10% يكون للمالك بعد المدة المحددة استرداد الشقة من المستأجر، فقد تبدى بكل وضوح مدى الظلم الواقع على ملاك العقارات المؤجرة وفقًا للقانون القديم الذين يتقاضون بضعة جنيهات معدودة ما بين 5 جنيهات و20 جنيها على الأكثر من مستأجرين يدفعون ما بين 500 جنيه وألف جنيه مقابل استهلاك الكهرباء، فى الوقت الذى يشكو فيه كثير من الملاك الذين يملكون عمارات فخمة وكبيرة من قلة الدخل وربما الفقر.
...
وفى هذا السياق ومن المفارقات الصادمة أن تكون قيمة إيجار شقة وفقًا للقانون القديم وفى أحد الأحياء الراقية مثل الزمالك وجاردن سيتى ومصر الجديدة ما بين 5 جنيهات أو سبعة جنيهات، أو حتى عشرة جنيهات وهى ذات القيمة الثابتة منذ أربعين أو خمسين سنة، بينما تبلغ قيمة إيجار شقة وفقًا لقانون الإيجار الجديد الصادر منذ سنوات فى نفس الحى بل فى نفس العمارة ما بين ألف جنيه و5 آلاف جنيه وزادت فى السنة الأخيرة بحسب الارتفاعات الجنونية إلى ما بين 15 ألف جنيه و25 ألف جنيه.
بل إنه فى سياق تلك المفارقات أيضًا أن كان ثمن شقة تمليك فى نفس الحى وربما فى نفس العمارة أكثر من نصف مليون جنيه فى السنوات الأخيرة بينما ارتفع الثمن فى السنة الأخيرة إلى ما بين ثلاثة ملايين جنيه وعشرة ملايين جنيه وأكثر!
...
ومن أجل ذلك فكان تعديل قانون الإيجارات القديمة أمرًا ضروريًا تحقيقًا للعدالة وصونًا للسلام الاجتماعى والاستقرار المجتمعى لإحداث التوازن فى العلاقة بين المالك والمستأجر حسبما أقرت المحكمة الدستورية العليا مؤخرا.
ويبقى ضروريا قبل إصدار القانون الجديد تنفيذًا للحكم الدستورى ثم عند تطبيقه مراعاة مقتضى الحال بحيث لا تتم زيادة القيمة الإيجارية بنسب متساوية فى كل الأحياء السكنية.. الراقية والشعبية أو مع كل المستأجرين على حد سواء حتى يأتى القانون المزمع إصداره متسقًا مع فلسفة الحكم الدستورى بإحداث التوازن على النحو الذى يحقق إنصاف الملاك بزيادة مقبولة ومتدرجة وصولًا إلى قيمة إيجارية عادلة أو أقرب إلى العدالة، وفى نفس الوقت يتحملها المستأجر وألا تكون فوق قدرته المالية ووفقًا لكل حى سكنى.
...
وفى نفس الوقت فإنه من الضرورى مع صدور القانون الجديد مراعاة حالات بعض فئات المستأجرين من ذوى الدخل المحدود وكبار السن وأصحاب المعاشات وذوى الهمم والأرامل واليتامى، بحيث تتحمل الدولة من خلال صندوق خاص الفارق بين قيمة الإيجار القديم وبين القيمة بعد الزيادة حتى لا يضار الملاك والمستأجرون من تلك الفئات.
...
ولأن الشيطان يكمن عادة فى التفاصيل، فإن إصدار القانون الجديد من الضرورى أن يسبقه تشكيل لجان فى كل حى سكنى وفى كل محافظة خاصة فى محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية لمعاينة العقارات والشقق السكنية وأسعار الإيجارات للاسترشاد بها فى تحديد قيمة الزيادة وزيادتها بالتدريج مع إجراء بحوث اجتماعية لتحديد الفئات المستحقة لدعم الدولة لها فى الزيادة المزمعة.
هذه الإجراءات الاسترشادية والبحثية وتقارير تلك اللجان من الضرورى البدء فيها فورًا لتكون جاهزة فى أسرع وقت ممكن لتقديمها للبرلمان قبل مناقشة مشروع القانون الجديد وإقراره تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية، وفى نفس الوقت فإن على البرلمان الإسراع فى إقرار القانون الجديد وقبل فض دورته الحالية.
...
ولحين إصدار القانون الجديد فإنه يبقى ضروريا إزالة الالتباس والغموض بشأن حُكم المحكمة الدستورية من خلال وسائل الإعلام حسبما أسلفت في السطور السابقة وطمأنة المواطنين المستأجرين بأنه لا إجبار على إخلاء مساكنهم، إذ إن القانون المُزمع إصداره لن ينهى العلاقة الإيجارية فى كل الأحوال.