د.محمد فراج يكتب : «قمة جلاسجو».. خطوة هامة لمواجهة الاحتباس الحرارى .. وأزمة الطاقة
تفاقم ظاهرة «الاحتباس الحرارى» وما يترتب عليها من تغيرات مناخية وكوارث طبيعية وبيئية، أمور دفعت قضايا تغير المناخ بقوة إلى صدارة اهتمام جميع الدول والشعوب وجعلتها واحدة من أهم قضايا العلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة كما دفعت الأمم المتحدة إلى تنظيم مؤتمر سنوى على مستوى القمة منذ عام (1994) تشارك فيه جميع دول العالم، ويحضره أغلب زعمائها وينعقد المؤتمر كل عام فى دول مختلفة (بالتناوب) تمثل إحدى مناطق العالم. وكانت (اتفاقية باريس للمناخ - 2015) الشهيرة من ثمار عمل هذه المؤتمرات بالغة الأهمية.
وتشهد مدينة جلاسجو البريطانية غداً (الاثنين 1 نوفمبر 2021) افتتاح أعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية (كوب - 26) بحضور زعماء أكثر من 120 من زعماء 197دولة.
مصر والقمة
ويجب الإشارة هنا إلى أن مصر مرشحة لاستضافة الدورة القادمة للمؤتمر (كوب - 27) كممثلة لقارة إفريقيا، وهى الدورة التى تنعقد العام المقبل (2022) . وكان الرئيس عبدالفتاح السياسى قد أعرب رسمياً عن اهتمام مصر باستضافة القمة ووجه دعوة بهذا الشأن (صفحة المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية - 20 سبتمبر 2021) كما شارك - عبر تقنية الفيديو كونفرانس - فى اجتماع رؤساء الدول والحكومات الذى انعقد على هامش أعمال الدورة (76) للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وجه الدعوة لعقد القمة القادمة فى مصر.
وشدد الرئيس السيسى فى كلمته باقتراح استضافة مصر للدورة 27 للقمة على مسئولية الدول الكبرى عن خفض الانبعاثات الكربونية. كما شدد على ضرورة التعامل بجدية مع آى إجراءات أحادية تساهم فى تفاقم تبعات تغير المناخ، وفى مقدمتها إقامة السدود على الأنهار الدولية دون اتفاق مع دول المصب على قواعد الملء والتشغيل.. وذلك فى إشارة واضحة للإجراءات الأحادية الإثيوبية تجاه النيل الأزرق، وهو ما سنعود إليه لاحقاً فى مقالنا.
والغريب أنه بالرغم من الأهمية البالغة لقضايا المناخ وانعكاساتها على بلادنا، والأهمية البالغة لمؤتمر جلاسجو.. والأهمية الأكبر للاقتراح المصرى باستضافة المؤتمر فى دورته القادمة (كوب - 27).. وللربط الذى أقامته كلمة الرئيس السيسى بين أجندة مؤتمر المناخ وقضية مصيرية بالنسبة لبلادنا كقضية (سد الخراب) أنه بالرغم من ذلك كله فإن الإعلام المصرى لا يبدى اهتماماً جدياً بتغطية هذه الموضوعات ذات الأهمية الحيوية البالغة.. بينما ينصرف جزء كبير من اهتمامه لتبادل موضوعات ثانوية، أو حتى تافهة كملابس الفنانات فى مهرجان الجونة، أو أخبار النصائح الشخصية لنجوم الفن والرياضة وغيرها من الموضوعات الهامشية التى يجرى صرف اهتمام المشاهدين والقراء إليها بإلحاح غريب.
الاحتباس الحرارى وأزمة الطاقة
ينعقد (مؤتمر جلاسجو) فى توقيت يشهد أزمة متفاقمة فى إمدادات الطاقة، ترتبط بنقص المعروض من الغاز الطبيعى والبترول وحتى الفحم الحجرى، بينما يؤدى التعافى الاقتصادى من آثار (الإغلاق) والركود الناتج عن أزمة تفشى وباء كورونا (كوفيد - 19) إلى زيادة كبيرة فى الطلب على مواد الطاقة، فضلاً عن الزيادة الموسمية الكبيرة المرتبطة بدخول الشتاء والحاجة إلى مزيد من الطاقة لأغراض التدفئة (راجع الأموال - 10 أكتوبر - و 17 أكتوبر 2021) حول أزمة الطاقة وأسعارها).. وهو الوضع الذى أدى إلى ارتفاع فلكى لأسعار الغاز الطبيعى، وإلى زيادة كبيرة فى أسعار البترول وصلت إلى أكثر من (85دوراً) للبرميل من خام برنت وارتفاع أسعار الفحم الحجرى بأكثر من (300٪) (المصرى اليوم - 28 أكتوبر 2021).
العودة إلى استخدام الفحم الحجرى (والمازوت) فى محطات توليد الطاقة فى بلدان صناعية كبرى - كانت قد أوقفت استخدامها يعنى مزيداً من الانبعاثات الكربونية وبالتالى تفاقم ظاهرة «الاحتباس الحرارى».. وهو تطور معاكس لأهداف كل الأطراف المهتمة بوقفه ومن ثم الانتقال إلى تخليص الانبعاثات الكربونية.. وبالتالى فإن هذه القضية ستكون مطروحة بإلحاح خاص على أجندة مؤتمر جلاسجو.
ومعروف أن الأجندة الدولية فى مجال مواجهة التغيرات المناخية تهدف إلى إبقاء الاشعاع فى درجات الحرارة على الكرة الأرضية عند مستوى لا يزيد بأكثر من (1،5 - درجة ونصف درجة مئوية) عما كانت عليه قبل بداية الثورة الصناعية.. بينما تؤدى الانبعاثات الكربونية إلى ارتفاعها بصورة أكبر، وربما يقترب من (2 درجة مئوية) وهو ما يؤدى إلى ذوبان ثلوج القطب الشمالى (والقطب الجنوبى بدرجة أقل) ومن ثم ارتفاع مستوى مياه البحار بما يهدد بإغراق المدن الساحلية. ودلتا الأنهار ، ويمثل خطراً كبيراً على استقرار التجمعات البشرية، وعلى النشاط الاقتصادى، ويتطلب استثمارات هائلة للحد منه، ولا تتحدث عن إيقافه.
ومن ناحية أخرى فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض يؤثر بالسلب على كميات الأمطار، ويفاقم من ظاهرتى الجفاف والتصحر، وبالتالى على الإنتاج الزراعى اللازم لتغذية البشر والحيوانات.
كما يزيد من حدوث الأعاصير والقيضانات المدمرة (فى مناطق محددة).. ويخل إخلالاً فادحاً، بالتوازن البيئى عموماً.
لذلك كله اتجهت الدول للحد من الانبعاثات الكربونية الناشئة عن استخدام الفحم الحجرى والمازوت لتوليد الطاقة الكهربائية، وللتوسع فى استخدام الغاز الطبيعى كمادة أقل تلويثاً للبيئة.. ثم لاستخدام المفاعلات النووية لتوليد الطاقة.
فضلاً عن الطاقة الكهرومائية كمصدر نظيف تماماً ورخيص ومتجدد.. ومن ثم إلى استخدام موارد الطاقة المتجددة (كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح).
ومعروف أيضاً أن مصادر الطاقة الأحفورية (كالفحم والبترول والغاز) هى مصادر ناضبة فى نهاية الأمر مهما تكن متاحة فى الوقت الحاضر.
وبالرغم من التطور الهائل فى إجراءات أمان المفاعلات النووية (وخاصة مفاعلات الجيل الثالث) فإن المخاوف من حوادثها الخطيرة (مثل ترى مايلز آيلاند فى أمريكا ، وتشيرنوبل فى الاتحاد السوفيتى السابق، وفوكوشيما فى اليابان مؤخراً) قد جعلت جماعات حماية البيئة وأحزاب الخضر تمارس ضغوطاً شديدة للحد من استخدامها، أو وقفه تماماً ورأينا كيف أن دولة كألمانيا أوقفت خلال السنوات الماضية ثلاث محطات نووية من سبع لديها (المصرى اليوم - 28 أكتوبر).
رد الاعتبار «للخيار النووى»!
غير أن النضوب المتزايد للطاقة الأحفورية، والتكلفة الباهظة لمصادر الطاقة المتجددة. والنظيفة (ألمانيا مثلاً أنفقت 580 مليار دولار على الاستثمار فى الطاقة الجديدة.. وهو مبلغ هائل) .. وكذلك الأزمات المتكررة فى مجال الامداد بالبترول والغاز، ومنها الأزمة الأخيرة، قد أعادت الاعتبار «للخيار النووى» إلى حد كبير بحيث نجد أن أكثر من (50 محطة للطاقة النووية) يجرى إنشاؤها فى مختلف أنحاء العالم فى الوقت الحالى، حسب أرقام الوكالة الدولية للطاقة النووية (المصرى اليوم - 28 أكتوبر) من بينها محطة «الضبعة» المصرية.. وهو اتجاه نتوقع أن يؤكده مؤتمر (جلاسجو) وخاصة فى ظل أزمة الطاقة الحالية، والحاجة الماسة لتقليل الانبعاثات الكربونية بما لها من آثار وخيمة فى مفاقمة ظاهرة «الاحتباس الحرارى» بأبعادها السابق الإشارة إليها، وعموماً فسوف يكون لنا عودة لإلقاء الضوء على مقررات مؤتمر جلاسجو بعد انتهائه (يستمر من 1 - 2 نوفمبر).
مصر .. وقضايا التغير المناخى
لايملك المراقب إلا ملاحظة أن هناك قصوراً واضحاً فى الاهتمام الإعلامى بقضايا التغير المناخى. وضعفا عاماً فى الوعى بأهميتها وانعكاسها على بلادنا ، وهذا أمر مؤسف بالفعل لأن مشكلة الاحتباس الحرارى وذوبان ثلوج القطب الشمالى ومن ثم ارتفاع منسوب مياه البحار - بما فيها البحر المتوسط - يمثل تهديداً خطيراً ليس للمدن والموانئ المصرية المطلة على ذلك البحر فحسب، بل وأيضاً لمساحات واسعة من شمال الدلتا التى تمثل جزءاً كبيراً من أكثر الأراضى الزراعية خصوبة فى مصر ولا يقف الأمر عند حد خط غرق الأراضى الزراعية القريبة من البحر المتوسط، بل يمتد إلى تأثر مساحات أخرى بارتفاع مستوى ملوحة التربة، ومن ثم تدهور إنتاجيتها بشدة.
ومن حسن الحظ أن الوعى الرسمى بهذه القضية أكبر بكثير من (الوعى الإعلامى والشعبى)..
ونعتقد أن موافقة (مؤتمر جلاسجو) على اقتراح الرئيس السيسى باستضافة الدورة القادمة للمؤتمر (كوب 27) من شأنها أن تمثل تعزيزاً لدور مصر فى الجهود الدولية لمواجهة تغيرات المناخ السلبية، وأن تسلط الضوء بشدة على الانعكاسات المحتملة للتغيرات المناخية على بلادنا. وأن تسهم زيادة المساعدات الدولية لمصر فى هذا المجال بالغ الأهمية، فضلاً عن إسهامها الكبير المتوقع فى دفع مستوى الوعى العام بأهمية هذه القضايا فى مصر.
ومن ناحية أخرى فإن الربط بين كافة التصرفات الأحادية الإثيوبية فى قضية (سد الخراب) وقضايا التغير المناخى ، هو ربط صحيح تماماً، لما يرتبط بتنفيذ المخططات الإثيوبية من تفاقم لمخاطر شح المياه واحتمالات الجفاف والتصحر فى مصر. ومن شأنه تسليط الضوء على هذه الحقيقة أن يسهم تعزيز مستوى الدعم الدولى لمصر وحقوقها فى مواجهة سياسة أديس أبابا العدوانية ضد بلادنا وحقوقها المائية.
لذلك كله يحق لنا أن نتطلع بأمل إلى استجابة المؤتمر للدعوة المصرية لعقد (كوب - 27) فى مصر.. ومن ثم إلى الإعداد الجيد لهذا المؤتمر الدولى الهام، الأمر الذى من شأنه أن يحقق مكاسب هامة لوطننا العزيز.
غداً .. قمة جلاسجو للتغيرات المناخية (كوب 27) الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأمم المتحدة السنوى لمواجهة التغيرات المناخية السلبية وفى مقدمتها (الاحتباس الحرارى).. والجفاف.. والتصحر.
ــ القمة بدأ تنظيمها منذ عام 1994.
ــ ومصر المرشح الأقوى لاستضافة القمة القادمة (2022).. ومخاطر (سد النهضة) بند رئيسى على أجندتها كنوع من التعريف بالقمة.