د.محمد فراج يكتب : صراع الديناصورات.. وإفلاس الديمقراطية الأمريكية
هل يدفع العرب تكلفة المعركة بين الديمقراطيين والجمهوريين؟
قبل أربعة شهور من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية يبدو المشهد الانتخابى الأمريكى مثيرا للدهشة والكثير من التساؤلات لدى المراقبين فى كل أنحاء العالم. فالولايات المتحدة لاتزال هى القوة العظمى الأولى فى العالم، بالرغم من كل التحديات القوية لهيمنتها التى تشهد تراجعا لا شك فيه، وبالتالى فإن رئيسها هو الرجل الأكثر نفوذا فى العالم، وشخصية لها تأثير بالغ الأهمية على مجريات العلاقات والأحداث الدولية، بالرغم من وجود شبكة معقدة من المؤسسات المؤثرة على عملية صنع القرار الأمريكى من الكونجرس بمجلسيه، إلى أجهزة المخابرات والأمن القومى ووزارة الدفاع “البنتاجون” والأحزاب واللوبيات ومراكز الأبحاث، الخ، الخ، والتى تعبّر كلها بأشكال مختلفة عن مصالح الاحتكارات المالية والصناعية والتجارية الأمريكية، وتدافع عن هذه المصالح سواء بالاستخدام المباشر للقوة العسكرية (أو التهديد باستخدامها – الردع) أو بالنفوذ السياسى والاقتصادى أو بالتأثير المخابراتى والإعلامى والثقافى.
ونظرا للأهمية الاستثنائية لمنصب الرئيس الأمريكى فمن الطبيعى أن تتعلق أنظار رجال السياسة والاقتصاد والمخابرات والإعلام فى كل أنحاء العالم بالمعركة الرئاسية الأمريكية.. ولهذا السبب نفسه فقد بدا مثيرا للدهشة والتساؤلات المشوبة بكثير من القلق أن تجرى المعركة من أجل مقعد الرئاسة فى الولايات المتحدة –حتى كتابة هذه السطور– بين رجلين أولهما “جو بايدن” تجاوز الثمانين وأصاب الوهب قواه الذهنية حتى بدا عليه الكثير من مظاهر خرف الشيخوخة، فهو ينسى أسماء البلدان والرؤساء وحتى الشخصيات السياسية الأمريكية!! ويمد يده لمصافحة أشخاص لا وجود لهم!! كما أصاب الوهن قواه البدنية لدرجة أنه يتعثر أثناء صعود أو نزول السلالم وحتى أثناء سيره.
أما الثانى الرئيس السابق دونالد ترامب فبالرغم من احتفاظه بلياقته البدنية والذهنية إلا أنه يطرق أبواب عامه الثمانين، وتلاحقه عشرات القضايا المتعلقة بالتحريض على العنف واقتحام الكونجرس –بعد سقوطه فى الانتخابات الأخيرة أمام بايدن وغيرها من القضايا المتعلقة بالذمة المالية، والفضائح الجنسية!! والتى يوجد احتمال لإدانته في بعضها، لدرجة أن وسائل الإعلام الأمريكية ناقشت احتمال ممارسته لمهام منصبه من السجن لبعض الوقت فى حالة فوزه بالرئاسة بالرغم من إدانته فى هذه القضية أو تلك!! والحقيقة أنه يبدو نوعا من صراع الديناصورات!
ديمقراطية مفلسة
والسؤال الذى يفرض نفسه هنا: هل عقمت أمريكا القوة العظمى الأولى فى العالم والتى يزيد عدد سكانها على 350 مليون نسمة، فلم تجد إلا هذين الرجلين المسنين، الملاحقين بالمشكلات -كل على طريقته– ليخوضا السباق الرئاسى ويتصدرا الحياة السياسية فيها؟؟!! وهل عقم الحزبان الكبيران فى أمريكا “الديمقراطى والجمهورى” وعجزا عن تقديم مرشحين جديرين بتمثيلهما غير بايدن وترامب؟؟!!
ومعروف أن الرؤساء الأمريكيين والمرشحين بالطبع لايمثلون أنفسهم بل أحزابهم –اللهم إلا إذا كانوا مستقلين وهؤلاء فرصهم فى النجاح ضئيلة للغاية، ولا يختار الحزبان الكبيرين مرشحيهم للرئاسة بناء على كفاءاتهم الشخصية بالدرجة الأولى، بل على علاقاتهم الوثيقة بقيادات الحزبين الكبيرين والجهاز التنفيذى فى كل منهما، وبالقوى صاحبة المصالح الاقتصادية الكبرى فى المجتمع، وبأجهزة الدولة العميقة “ترامب كان استثناء فى هذه النقطة ولا يزال”.. وتجرى انتخابات داخلية في كل حزب بدءا من المستويات المحلية بين المتنافسين للفوز بترشيح الحزب رسميا، وهو ما يتم إقراره فى مؤتمر حزبى عام قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية التى تجرى يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر كل أربع سنوات.
والأمر المؤكد أنه كان من الممكن العثور على مرشحين أكثر لياقة وقبولًا وإقناعا من بايدن وترامب بين المئات من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وحكام الولايات وغيرهم من رجال الدولة، لكن بالنسبة لترامب فإن شعبيته الكبيرة جعلت قيادات الحزب الجمهوري تعتبره المرشح “شبه الرسمى” للحزب، حتى قبل إقرار ترشيحه رسميًا فى مؤتمر عام للحزب، وذلك بعد اكتساحه للانتخابات الحزبية المحلية، ويبدو فى حكم المؤكد أنه سيفوز بالترشيح.
هل ينسحب بايدن من السباق؟
أما بالنسبة لبايدن فإن التقليد المتبع هو أن الرئيس الموجود في السلطة والراغب فى الترشح لولاية ثانية، يكون هو المرشح الذى يتم اختياره رسميا فى المؤتمر العام لحزبه، وبناء على ذلك فقد كان يجرى النظر إلى بايدن باعتباره المرشح الرسمى المقبل للحزب الديمقراطى حتى أيام قليلة مضت، وبالرغم من تدهور صحته الذهنية والبدنية إلا أن أداءه بالغ الضعف أمام ترامب –فى المناظرة التى جرت بينهما مؤخرا– قد أثارت تساؤلات جدية حول صواب التمسك به كمرشح للحزب الديمقراطى وخاصة بعد أن تعددت زلاته الذهنية وتعثراته البدنية فى الأسابيع الأخيرة.
وهو ما أدى إلى ظهور آراء داخل الحزب الديمقراطى تدعو لترشيح “كمالا هاريس” نائبة الرئيس أو “ميشيل أوباما” زوجة الرئيس الأسبق باراك أوباما أو أية شخصية مناسبة من الحزب الديمقراطى بدلا من بايدن، وبالرغم من أن “كاميلا هاريس” أعلنت أنها متمسكة بالترشيح كنائب لبايدن، وأن ميشيل أوباما أعلنت أكثر من مرة عدم رغبتها فى الترشح كما أعلن بايدن نفسه تمسكه بترشيح نفسه لولاية ثانية فإن التسريبات تشير إلى أن قيادات الحزب الديمقراطى قد بدأت بالفعل المناقشات حول اختيار مرشح بديل لبايدن “الحرة. كوم – 4/ 7/ 2024”.
ومع تصاعد الأصوات داخل الحزب الديمقراطى حول هذه المسألة وتسربها إلى الإعلام فإن احتمال انسحابه من السباق الرئاسى أو إجباره على الانسحاب يصبح وارداً، خاصة أن استطلاعات الرأى تشير إلى أن خسارته أمام ترامب تبدو فى حكم المؤكدة.. “الحرة. كوم 4/7” بكل ما لذلك من انعكاسات سلبية على فرض مرشحى الحزب الديمقراطى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس وحكام الولايات.
وما يجعلنا رجح احتمال اختيار الحزب الديمقراطى لمرشح بديل هو ما أشارت إليه بعض التقارير من أن المناظرة التى جرت بين بايدن وترامب قد جرت قبل الموعد عادة لعقد المناظرات بين المرشحين الرسميين بعد اختيار الحزبين لهما، أى قبل الانتخابات بأسابيع قليلة.
ويشير بعض المراقبين إلى أن موافقة قيادات الحزب الديمقراطى عليها كانت مقصودة وبمثابة فخ لبايدن لإظهار ضعفه قبل انعقاد المؤتمر الحزبى العام بوقت كاف، مما يمهد السبيل للضغط عليه من أجل إعلان انسحابه، وليختار الحزب مرشحا رسميا قادرا على خوض المنافسة مع ترامب.
الانتخابات الأمريكية والعرب.. والعالم
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام ثلاثة سيناريوهات لنتائج وآثار الانتخابات الأمريكية نظريا على الأقل..
الأول: بقاء بايدن مرشحا للديمقراطيين ونجاحه فى الانتخابات وهو الاحتمال الأضعف على الإطلاق.
السيناريو الثانى: ترشيح شخصية ديمقراطية غير بايدن وفوز المرشح الديمقراطى.
وفى الحالتين تظل السياسة الخارجية الامريكية كما هى، سواء فى منطقتنا –بما هى عليه من دعم شبه مطلق لإسرائيل وعداء لحقوق الشعب الفلسطينى –أو على الصعيد الدولى وخاصة فيما يتصل بدعم أمريكى لحلف الناتو واتجاه نحو التصعيد ضد روسيا فى الحرب الجارية في أوكرانيا، واتجاه لتصعيد سياسة احتواء الصين.
السيناريو الثالث: فوز ترامب بما يمثله من توجهات شعبوية وانعزالية فى السياسة الخارجية، ونزعات حمائية متطرفة فى العلاقات التجارية الدولية ودعم مطلق لإسرائيل، وفي هذه الحالة سيجرى تقليص الدعم الأمريكى لحلف الناتو ولمعركة الغرب ضد روسيا فى أوكرانيا.
كما سيجرى تصعيد الحرب التجارية ضد الصين والنزعة الحمائية ضد الشركاء التجاريين الآخرين بمن فيهم الحلفاء الأوروبيين.
أما فى المنطقة العربية فستشهد دعما مطلقا لإسرائيل وعدوانها على غزة والضفة الغربية وعداء مطلق للشعب الفلسطينى وقضيته، وضغوطا أشد على الدول العربية للتطبيع الشامل مع الكيان الصهيونى وعقد ما يسمى بالاتفاقيات الابراهيمية ولا يجب أن ننسى أن نقل السفارة الأمريكية فى اسرائيل إلى القدس، تم فى عهد ترامب، كما سنشهد تصعيدا أمريكيا ضد سوريا وإيران وحلفائهما، وخاصة حزب الله والحوثيين والفصائل المسلحة العراقية.
ولا يعنى هذا أن مواقف إدارة بايدن تجاه العرب وخاصة الفلسطينيين جيدة أو مقبولة أو تتسم بأى درجة من التوازن، فهى مواقف بالغة السوء والعدوانية، لكن مواقف إدارة بايدن ستكون أشد سوءا وأن خسائرنا ستكون أكبر إذا لم تسارع الدول العربية للخروج من حالة التخاذل والانبطاح الراهنة، ولم تستعد لمواجهة الضغوط المتصاعدة المتوقعة من إدارة ترامب حال فوزه بالرئاسة أو من جانب إدارة الديمقراطيين فى سعيها لمنافسة ترامب على دعم اللوبى الصهيوني.