أسامة أيوب يكتب : الارتفاع القياسى غير المسبوق فى درجات الحرارة.. إنذار وتحذير من خطر داهم على الكوكب
هذا الحر الشديد الذى يشهده العالم حاليًا ومنذ أكثر من أسبوعين، حيث سجلت درجات حرارة الجو معدلات قياسية غير مسبوقة فى المائة سنة الأخيرة، أى منذ بدء تسجيل درجات الحرارة.. لن يكون مجرد موجة استثنائية عابرة مثل ما كُنا نشهده سابقًا من موجات متقطعة تستمر يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر ولم تكن تبلغ هذا الارتفاع الكبير، إذ إن هذا الحر الشديد وبحسب تقارير الخبراء سوف يستمر طوال الصيف الحالى... بل لسنوات قادمة.
هذا الارتفاع القياسى فى درجات الحرارة والذى يوصف بالكارثى والتاريخى على الكوكب قد طال كل دول العالم.. ذات الأجواء الباردة وذات الأجواء الحارة على حد سواء، وحيث بلغت درجات الحرارة فى بعض منها ما يزيد على نصف درجة الغليان (٥٠ درجة مئوية) بل إنها وصلت في دولة الكويت إلى ٦٠ درجة مئوية.
<<<
هذا الارتفاع الجنونى فى درجات الحرارة ليس بفعل الطبيعة ولكنه وبإجماع خبراء المناخ فى العالم بفعل ونتيجة لحدة التغيرات المناخية فوق الكوكب جراء التزايد المستمر والخطير فى الانبعاثات الكربونية وعوادم الطاقة غير النظيفة (الأكفورية) التى تضاعف حجمها أضعافا مضاعفة منذ ربع القرن الأخير ووصلت فى السنوات الأخيرة إلى الذروة، وهو الأمر الذى يؤكد عبثية كل مؤتمرات المناخ المتعاقبة طوال قرنين والتى لم يتم تنفيذ مقرراتها وتوصياتها التى تحولت إلى حبر على ورق مع غيبة الإرادات السياسية للدول الصناعية الكبرى التى تتحمل المسئولية الأولى والكبرى بل الوحيدة عن تداعيات تغير المناخ بامتناعها عن اتخاذ الإجراءات اللازمة الضرورية للحد من الانبعاثات الكربونية المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحرارى الذى يحول بين خروج هذه الانبعاثات خارج الغلاف الجوى للأرض.
<<<
الأسوأ والأخطر هو أن الدول الصناعية الكبرى غربًا فى أمريكا وأوروبا وشرقا فى الصين والهند لاتزال ماضية قُدمًا بإصرار بل بسعار شديد وحرص على مكاسبها الاقتصادية فقط فى زيادة أنشطتها الصناعية باستخدام الطاقة غير النظيفة الرخيصة دون توقف ودون النظر إلى التداعيات الخطيرة على المناخ والبيئة وحياة شعوب العالم، ومن بينها شعوبها بالضرورة، مع ملاحظة أن الدول الفقيرة وذات الاقتصادات الضعيفة وفى مقدمتها دول القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية هى الأكثر تضررا من تداعيات التغيرات المناخية رغم أن إنتاجها من الانبعاثات الكربونية لا تزيد على ٤٪ من جملة إنتاج الدول الصناعية الكبرى.
<<<
الصادم القادم هو أن الارتفاع القياسى الكارثى فى درجات الحرارة سوف يستمر ويتواصل بل يتزايد فى السنوات المقبلة مع استمرار استخدام الطاقة غير النظيفة فى الأنشطة الصناعية مما يزيد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، وحيث من المرجح أن تصل حدة الظاهرة إلى الذروة فى عام ٢٠٥٠ بحسب تحذيرات الخبراء، وهو الأمر الذى من شأنه تعريض كوكب الأرض كله لخطر الهلاك والخراب على سطحه، ولذا فإن الأمر جد خطير مما يفرض على البشرية التكاتف لإنقاذ الكوكب والحياة فوقه.. حياة الحيوان والنبات والأهم حياة البشر.
<<<
ومتحدثا عن مصر التى أصابها ما أصاب العالم جراء تغيرات المناخ وإن كانت لا تتحمل مسئولية تُذكر من تلك التغيرات، فإن المصريين تعرضوا فى الأسبوعين الماضيين ولايزالون معرضين لأيام وليالى بالغة الصعوبة والعذاب جراء هذا الارتفاع الجنونى المتواصل فى درجات الحرارة غير المسبوق وحيث تحالفت معدلات الرطوبة المرتفعة جداً القادمة من البحر المتوسط مع درجات الحرارة المرتفعة جدًا فى زيادة المعاناة التى لم يعتدها المصريون فى تاريخهم الحديث، ثم كان من سوء الحظ أن أضاف انقطاع الكهرباء غير المتوقع والذى نسيه المصريون منذ سنوات عذابا آخر إلى عذاب الحر الشديد والرطوبة المرتفعة، وإن كان هذا الانقطاع فى طريقه إلى التوقف بحسب التصريحات الرسمية وقت كتابة هذه السطور.
<<<
وإذا كان هذا التغير المناخى الحاد بتداعياته المرتقبة سيطال مصر فى السنوات المقبلة فإن ذلك يتطلب بالضرورة أن يستعد المصريون وحكومتهم من الآن لاستقبال شهور صيف شديدة الحرارة وغير معتادة وربما بمعدلات أعلى من الصيف الحالى، وفى نفس الوقت فإن الشتاء فى السنوات المقبلة سيكون شديد البرودة وعلى العكس من المتوقع بأن يكون أقل برودة مقابل شدة حرارة الصيف، بل إن فصول السنة الأربعة.. الصيف والخريف والشتاء والربيع سوف تصير وبحسب خبراء المناخ فصلين اثنين فقط.. (صيف وشتاء)!! وحيث سيتغير وصف مناخ مصر إذ لن يكون الصيف حار جاف، بل سيكون شديد الحرارة مرتفع الرطوبة، ولن يكون الشتاء معتدلاً ممطراً، بل شديد البرودة غزير المطر..
<<<
مع هذا التغير الحاد القادم أجدنى مازلت أذكر مثلما يذكر جيلى السبعينى والأجيال السابقة من الأحياء أن درجات الحرارة فى أغلب أيام الصيف كانت محتملة رغم أننا لم نكن قد عرفنا أجهزة التكييف التى انتشرت لاحقا، خاصة مع انعدام أو قلة الرطوبة فى الجو باستثناء الأسبوع الثالث من شهر أغسطس حيث موسم فيضان النيل وحيث كان الأطفال فى سنوات الخمسينيات والستينيات وما قبلها بحسب شهادات الأجيال السابقة يصابون بطفح جلدى بسيط كان يُطلق عليه «حمو النيل» بينما كانت ليالى الصيف خالية من الرطوبة وكان يُطلق على أجوائها «نسمة صيف».
<<<
وبانتهاء فصل الصيف فى ذلك الزمن كانت نسمات «الهواء العليل» تبشر ببداية فصل الخريف وحيث كان المصريون يرتدون فى لياليه الملابس الثقيلة نسبياً أى الخريفية، وحيث كنا نفعل ذلك مع بداية العام الدراسى فى منتصف شهر سبتمبر وقبل بدء الفصل جغرافيا، ومازلت أذكر أن فصل الخريف كان ألطف فصول السنة فى مصر، والذى استحق أن يوصف بأنه ربيع مصر، إذ إن الربيع ارتبط بالعواصف الترابية والأجواء الساخنة والتى تنزع عنه صفة الربيع المعروفة فى العالم.
أما شتاء الخمسينيات والستينيات وحسبما عاصرتها فى سنوات الطفولة والصبا، فقد كانت شديدة البرودة وغزيرة الأمطار وحيث كانت الثلوج تتساقط على كثير من محافظات مصر بما فيها القاهرة وحيث كانت فى محافظات الساحل الشمالى والدقهلية والغربية هى الأعلى فى معدلات البرودة والأمطار، غير أن هذا المناخ الشتوى تغيّر كثيرا منذ السبعينيات وحتى الآن، وحيث صار أقل برودة وأقل أمطارا.
كل تلك الظواهر والسمات المناخية خلال فصول السنة فى مصر شهدت تغيرات كبيرة فى ربع القرن الأخير، وحيث صار الحر الشديد هو السمة السائدة وحيث صارت مصر تشهد فصلين اثنين فقط طوال السنة.. هى الصيف والشتاء وإن كان الصيف أطول.
<<<
الجديد فى مناخ مصر خاصة فى فصل الصيف الحالي وخلال السنوات القادمة أنه اقترب أو صار يشبه مناخ الدول الحارة مثل دول الخليج التى كان المصريون يشكون من درجات حرارتها شديدة الارتفاع، وفى هذا السياق أذكر أن الكاتب الصحفى الكبير الراحل الأستاذ كامل الزهيرى حكى لي أنه كان فى زيارة لدولة قطر بدعوة من وزير إعلامها وأرسل لزوجته الصحفية الراحلة خديجة قاسم خطاباً قال فيه إن درجة الحرارة في الدوحة ليست ٥٠ ولا ٦٠ ولا ٧٠ ولكنها رقم تليفون!
إنه لا خلاف على أن هذا الارتفاع القياسى في درجات الحرارة يمثل تحذيرًا وإنذارًا للبشرية بالخطر الداهم المحدق بالكوكب والحياة فوقه، إذ إنه سوف يستمر ويتواصل ويتزايد فى السنوات القادمة وبحسب تقدرات الخبراء، ومن ثمَّ فإنه لا مفر أمام دول العالم من أمرين..
أولا: الاستعداد من الآن لمواجهة هذا الارتفاع الكبير بكل وسائل الحماية من تداعياته على صحة وحياة الناس.
وثانيا: البدء سريعا وفورًا فى الالتزام بتنفيذ قرارات وتوصيات مؤتمرات المناخ المتعاقبة القاضية بتقليل الانبعاثات الكربونية وإنهاء ظاهرة الاحتباس الحرارى.. حفاظا على بقاء الحياة فوق الكوكب، وتلك مسئولية الدول الصناعية الكبرى فى المقام الأول بوصفها المسئول الأول عن التغيرات المناخية مع سبق الإصرار، لذا لزم التنويه والتنبيه والتحذير.