أسامة أيوب يكتب : نيران الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى تبقى مشتعلة فى غيبة الحل النهائى
رغم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
مع التصعيد في الضفة.. إسرائيل تقترب من مواجهة شاملة مع الشعب الفلسطينى
العار الأمريكى.. بايدن يؤيد العدوان الإسرائيلى ويصمت أمام قتل المدنيين والأطفال والنساء بالصواريخ!
إنهاء الانقسام الفلسطينى يفتح الطريق أمام مسار تسوية سلمية حتى وإن كانت لاتزال بعيدة المنال
بالتصعيد العسكرى الوحشى الذى أقدمت عليه قوات الاحتلال الصهيونى في الضفة الغربية ولايزال مستمرًا حتى كتابة هذه السطور غداة سريان الهدنة بعد الاتفاق على وقف إطلاق بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامى في غزة بوساطة مصرية، ومع توعد وزير الدفاع الإسرائيلى بقتل من يهددون أمن إسرائيل والذين وصفهم بالإرهابيين فى الضفة الغربية، فإن إسرائيل باتت تقترب من مواجهة شاملة مع الشعب الفلسطينى بأسره بحسب "تصريحات رئيس السلطة محمود عباس أبومازن".
هذا التصعيد الإسرائيلى في الضفة الغربية من شأنه أن ينعكس سلبًا بدرجة أو بأخرى على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حيث تبقي الهدنة هشة قابلة للخرق فى أى لحظة، خاصة بعد تهرُّب إسرائيل السريع من تنفيذ تعهداتها في اتفاق الهُدنة بالإفراج عن اثنين من القيادات الفلسطينية، حسبما أعلن ذلك جانتس وزير الدفاع مما يدفع حركة الجهاد إلى اعتبار الاتفاق لاغيًا ما لم يتم تنفيذ التعهدات خلال أسبوع حسبما حذَّر زياد النخالة رئيس الحركة عقب سريان الهدنة.
ثم إن هذا التصعيد في الضفة من مداهمات وهدم البيوت وقتل القيادات الميدانية حسبما جرى يوم الثلاثاء الماضى في نابلس ثم فى الخليل حين قامت قوات الاحتلال بقتل إبراهيم النابلسى قائد كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح واثنين من رفاقه بقذيفة صاروخية على المنزل الذى ظل محاصرًا داخله طوال ثلاث ساعات رافضًا الاستسلام وتسليم نفسه فى مسلك بالغ الخِسة، ثم حين قامت بعدها باغتيال شاب آخر..
هذا التصعيد فى الضفة الخاضعة لإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية وفقا لاتفاقات أوسلو والتى لم تلتزم بها إسرائيل من شأنه أن يعرِّض الرئيس أبو مازن للحرج الشديد وللغضب الشعبي الفلسطينى خاصة وأنه ملتزم بتفاهماته مع قوات الاحتلال ومن بينها التنسيق الأمني بينما تخلت عن تلك التفاهمات والتنسيق الأمني، وهو الأمر الذى دفع المتظاهرين الفلسطينيين إلى الهتاف بسقوط التنسيق الأمنى.
<<<
إن الكيان الصهيونى وبغباء الغرور وفي تغافل عن حركة التاريخ لا يدرك أن هذا القمع وهذا العنف الممنهج ضد الفلسطينيين بقتل الشباب ميدانيًا وقتل الأطفال والنساء وهدم البيوت وإطلاق الصواريخ على المدنيين العُزّل «بشجاعة الجبناء».. لن يحول بين هذا الشعب الصامد المقاوم الذى يُناضل ضد الاحتلال طوال أكثر من سبعة عقود وضد العصابات الصهيونية قبل عام ١٩٤٨ وبين الاستمرار في المقاومة المشروعة وفقًا للقانون الدولي ومرجعيات الشرعية الدولية والأممية، وحيث تأكد أنه كلما سقط شهداء كلما زاد إصراره على المقاومة حتى ينال حريته واستقلاله حسبما تؤكد تجارب الشعوب عبر التاريخ القديم والحديث.
<<<
هذا الصمود الفلسطينى النادر الذى سجله ويسجله التاريخ كل يوم تمثَّل جليًا فى أحدث صوره في الرسالة الصوتية التى سجلها الشهيد إبراهيم النابلسى وهو ينتظر الموت أثناء حصاره داخل منزله قبل إطلاق الصاروخ القاتل عليه، حيث أبدى ترحيبه بالاستشهاد ورفضه الاستسلام لقوات الاحتلال وحيث دعا الشباب الفلسطينى إلى الاستمرار فى المقاومة بعده.
ولقد تجلى هذا الصمود النادر أيضًا فى أروع وأمجد صوره مثلما تكرر كثيرًا قبل ذلك فى مشهد أم إبراهيم النابلسى بعد تشييع جنازته وفى كلماتها القوية التى أكدت بها فرحتها باستشهاد ابنها البطل الذى وصفته بأنه وحده استطاع أن يهز الكيان الصهيونى بعتاده وصواريخه.
<<<
أما ما جرى في غزة طوال ثلاثة أيام متتالية قبل وقف إطلاق النار في حرب غير متكافئة القوة شنتها قوات الاحتلال الصهيونى على القطاع مستهدفة قتل القادة العسكريين الميدانيين لحركة الجهاد، وما أسفر عنه هذا العدوان من هدم البيوت والبنايات واستشهاد العشرات من المدنيين بينهم أطفال ونساء وطفلة رضيعة، فإنه يستوجب وقفة عربية جماعية لمطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن والقوى العظمى وفى مقدمتها الولايات المتحدة بوصفها راعية عملية السلام المتوقفة منذ سنوات لإدانة إسرائيل وفتح تحقيق دولى لمحاسبتها على ما ارتكبته من جرائم حرب فى هذا العدوان.
< < <
هذه الوقفة العربية باتت ضرورية وحتمية فى هذا التوقيت حيث تراجعت وتتراجع القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمام العربى رغم التشدق بأنها قضية العرب المركزية، بينما تمضى إسرائيل قدمًا فى تنفيذ مخططاتها الاستيطانية فى الضفة لفرض سياسة الأمر الواقع فى الوقت الذى تواصل فيه حصار غزة برًا وبحرًا لتجويع سكانها بل أيضا قتلهم بالغارات الجوية وقصف الصواريخ بغرض إرهابهم والقضاء على المقاومة المشروعة التى تمارسها الفصائل فى القطاع.
هذه الوقفة العربية ضرورية أيضًا فى مواجهة ذلك الصمت المخزى من جانب المجتمع الدولي وفى مواجهة ذلك الانحياز العنصري من جانب القوى العظمى وخاصة أمريكا وأوروبا والذى تبدّى فى مبادرة الرئيس بايدن والخارجية البريطانية بتأييد إسرائيل في ممارسة حقها في الدفاع عن أمنها، وكأن إطلاق الصواريخ على البيوت وقتل المدنيين العزل وقتل الأطفال والنساء يحقق الدفاع عن أمن الصهاينة المحتلين.
<<<
حقيقة الأمر هى أن إقدام حكومة يائير لابيد المؤقتة فى تل أبيب على شن العدوان على غزة ومدن الضفة الغربية يعكس سعى «لابيد» إلى كسب شعبية فى الشارع الإسرائيلى الذى بات أغلبه يمينيًا متطرفًا شديد العداء للفلسطينيين لتحقيق الفوز فى انتخابات الكنيست المقرر إجراؤها فى أول نوفمبر المقبل حتي يتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة سابحًا فوق دماء الشعب الفلسطينى وهو بذلك يريد أن يثبت رغم أنه لم يأت من خلفية عسكرية كسابقيه أنه حقق ما لم تحققه الحكومات الأخرى.
<<<
ولعله من غير الممكن إغفال أن العدوان على غزة ومدن الضفة جاء بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس بايدن إلي تل أبيب ولقائه مع يائير لابيد، وهو الأمر الذى يعنى أن ثمة رائحة أمريكية تنبعث من هذا العدوان حسبما أكده بايدن من تأييده لما وصفه حق إسرائيل فى الدفاع عن أمنها ثم امتناعه عن إدانة ما ارتكبته إسرائيل من جرائم قتل الأطفال والنساء المدنيين بالصواريخ والتي تعد جرائم حرب بكل المقاييس وانتهاكا للقانون الدولي الذى ينص على حماية المدنيين تحت الاحتلال.
وفى الوقت نفسه فإنه من غير الممكن أيضا إغفال أن العدوان تم بعد لقاء بايدن مع «أبو مازن» وحيث أكد تعهده المخادع بحل الدولتين وهو تعهد يتعارض تماما مع إقدام إسرائيل على شن عدوانها ومع تأييد بايدن لهذا العدوان، ونفس الخداع مارسه لابيد مع «أبومازن» في لقاء جرى قبل العدوان وتأكيده على استمرار التفاهمات الأمنية المشتركة، بينما جاء العدوان على غزة في مسعى ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية الصهيونية لإثارة الفرقة وتكريس الانقسام بين الفلسطينيين في الضفة وغزة.
هذا المسعى لإثارة الفرقة والانقسام بين الفلسطينيين امتد أيضا إلى غزة ذاتها بين فصائل المقاومة فى القطاع خاصة بين حركتى الجهاد الإسلامى وحماس، وحيث كان لافتا غياب حماس عسكريا من المشهد أثناء العدوان الإسرائيلى علي مقار الجهاد العسكرية، بينما لم تقترب طائراتها على مقار حماس، وهو أمر له دلالته التي قد تعنى أن ثمة خلافات تحت السطح بين الحركتين وأن حماس تنحو منحى سياسيا مختلفا.
<<<
إن الحقيقة المؤكدة والثابتة هى أنه رغم وقف إطلاق النار فى غزة والذى سيبقى هشًا، فإن نيران الصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلي ستبقي مشتعلة متأججة دائما في غيبة مسار للتسوية السياسية والحل السلمي النهائى والدائم للقضية الفلسطينية عبر إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية وفق مرجعيات الشرعية الدولية والأممية والاتفاقات السابقة وعلي أساس قاعدة حل الدولتين الذي تؤيده وتوافق عليه نظريًا حتى الآن القوى الكبرى والولايات المتحدة وأوروبا وكل مكونات المجتمع الدولي، وحيث بات واضحًا أمام الجميع أن إقامة الدولة الفلسطينية هى السبيل الوحيدة لتحقيق الاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط بما فى ذلك أمن إسرائيل ذاتها التى يتعيّن عليها إدراك تلك الحقيقة بقراءة دقيقة لحقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا.
<<<
وفى المقابل فإنه لم يعد أمام الفلسطينيين بكافة فصائلهم وتوجهاتهم مفر من إنهاء الانقسام بين السلطة الوطنية فى رام الله بالضفة الغربية وفصائل المقاومة فى غزة وخاصة حماس والجهاد عبر اتفاق وطنى استراتيجى للتوحد في جبهة واحدة فى مسلك تاريخى ضرورى لإعلاء المصلحة الوطنية فوق الخلافات والصراعات على السلطة هي في حقيقتها سلطة وهمية غير حقيقية فى ظل الاحتلال.
<<<
إن إنهاء الانقسام وتوحيد الصف فى سُلطة واحدة هى السُلطة الوطنية المعبِّرة عن منظمة التحرير الفلسطينية الذى يعترف بها العالم كممثل شرعى وحيد للشعب الفلسطينى هو المسار السياسى الوطنى الذى يتعيَّن تحقيقه حتى يمكن من خلاله الدعوة لإعادة المفاوضات الخاصة بالتسوية النهائية للصراع تحت رعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة والقوي الكبرى وبدعم جاد عربى، دون أن يعنى ذلك إغفال حق الفلسطينيين المشروع فى المقاومة ما لم تتحقق التسوية والتى لابد من الإقرار بأنها لا تزال بعيدة المنال حتى الآن.