محمود العربي يكتب: ”توافر” السلع و”شُح” المستهلكين
السوق المصري الآن به وفرة من السلع سواء الغذائية أو الاستهلاكية لكن لا يوجد شراء إلا بالقدر الضروري جداً، هذا الامر فرضته المجريات العالمية المتمثلة في زيادة أسعار الطاقة والشحن وأزمة المناخ وخلل سلاسل الامداد من جهة، وضعف القوة الشرائية للمستهلك المصري من جهة أخري.
السوق المصري يعاني "ركود تضخمي"، أي هو التضخم المصحوب بالركود وهو حدث اقتصادي يتميز بارتفاع التضخم (أي ارتفاع الأسعار) وركود نمو الاقتصاد (أي تراجع معدلات النمو أو انكماش الاقتصاد)، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات البطالة، أو بمعني بسيط كما يقول التجار "البضاعة بتغلي علي الرف.. ومفيش زبون بيشتري"، وهذا الركود يخالف نظرية العرض والطلب التي تقضي بأنه كلما ارتفع الطلب زاد السعر، وكلما انخفض الطلب تراجع السعر، وهذا النوع يعد من الأوضاع الاقتصادية غير الجيدة في المجمل.
علميًا وعمليًا هذا وضع غير جيد في العموم.. لكن مع موجة التضخم العالمي ونقص السلع وتأثر سلاسل الإمداد وحالة الخوف من نقص السلع التي تواجه العالم فإن هذا الوضع بالسوق المصري يعتبر في صالحة و"رب ضارة نافعة".
الوضع آمن ومستقر ولا داع لحالة الهلع والخوف من نقص السلع بعد تصريحات الصين، التي تم نفيها، السوق المصري البضائع به متوفرة، لكن المواطن ليس لديه القدرة على الشراء.
تصريحات وزاة التموين والتجارة الداخلية التي أكدت أن السوق المصري سيشهد ارتفاعا للأسعار "واقعية"، نتيجة لأننا بلد يعتمد علي الاستيراد بنسبة تزيد عن 60% وبالتالي ارتفاعات الأسعار عالميا ستنعكس علينا محليا، لكن في الوقت نفسه هناك نقطة مضيئة تتمثل في وجود مخزون من السلع الاستراتيجية تكفي لأكثر من 6 شهور، وهذا الوقت هو ذورة الأزمة.. وبعدها ستأخذ الآزمة منحني الهبوط تدريجيًا، حتي تنتهي بشكل تام مع نهاية العام وفقا لتقديرات المتخصصين.
شعبة المستوردين بالغرف التجارية، أكدت الحديث ذاته حيث قالت إن المخازن متواجد بها بضائع تكفي الاستهلاك ولن يحدث نقص، لكن الأسعار سترتفع وفقا لكل سلعة علي حدة نتيجة لارتفاع الأسعار عالميا وتكلفة الفرصة البديلة من جهة، وإرتفاع أسعار الغاز الطبيعي للمصانع من جهة أخري.
كيف يتعامل المواطن مع هذه الازمة العالمية؟.. كما قولنا المواطن لا يتحتاج نصائح لأن الحالة الاقتصادية تجبره علي الضروريات فقط، وبالتالي لن يحدث في مصر هجوم وتهافت علي السلع مثلما حدث ويحدث في بعض الدول، نتيجة عدم وجود أموال في ظل محدودية الدخل، لكن قد يتجه المواطن إلي البدائل الأرخص، وفي المقابل علي التجار عدم المغالاة في الآرباح والاكتفاء بهامش ربح معقول.
ولكن يبقى السؤال الأهم ما هو دور الحكومة والمجتمع المدني؟ هنا يجب أن تتدخل الحكومة في حالة حدوث أي ارتفاع كبير وغير مبرر "نؤكد غير مبرر" لأي سلع بتحديد سعرها، وهذا التدخل لضبط السوق وفرض تسعير جبري وفقا لنص المادة 10 من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية التي تتيح لمجلس الوزراء التدخل بفرض سعر محدد لسلعة محددة في حالة إرتفاع سعرها بشكل غير مبرر، والتركيز علي دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وهذه المشروعات تُعد رمانة الميزان، حيث توفر فرص عمل كبيرة من جانب وتوفر سلاسل إمداد للصناعات الكبيرة، وبالتالي تقلص الاستيرد وتوفر العملة الصعبة من جانب، وتوفر بديل محلي للسلع والمستلزمات المستوردة التي شحت في الوقت الحالي تأثرًا بتبعيات أزمة نقص السلع والشحن العالمية، أما الأحزاب والمجتمع المدني فيجب أن يكون من ضمن دورها أن تكون بمثابة رقابة شعبية علي الجشع واستغلال الأزمات الذي قد يستغله البعض ويحتكر ويرفع أسعار بدون وجه حق أو بصور مبالغ فيها.