أسامه أيوب يكتب : فى مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة نتن ياهو بين خيارين كلاهما يهدد بقاءه فى السلطة

اشتراط نتن ياهو لنزع سلاح حماس.. يهدد بانهيار الاتفاق
العالم فى انتظار الرد العربى المصرى على مقترح ترامب لتهجير أهل غزة
رغم توقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤقتا فى الأيام الأخيرة عن تكرار طرح مقترحه العبثى وغير القانونى وغير الإنسانى لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن أو أى مكان آخر بادعاء التعاطف الكاذب معهم للحياة فى مكان أفضل بديلا للحياة المأساوية فى القطاع المدمر (مع ملاحظة أنه لم يشر إلى مسئولية اسرائيل وعدوانها الوحشى وحرب الإبادة والتدمير فى غزة)، إلا أن مجرم الحرب نتن ياهو لايزال مصمما على تنفيذ خطة التهجير إما قسرا وإما طوعا وفقا لخطة خبيثة باستمرار العدوان والإبادة والحصار والتجويع ومنع دخول المساعدات الإغاثية لدفع فلسطينيي غزة دفعا للخروج هربا اضطراريا من انعدام فرص الحياة.
ومع ذلك فإنه من الممكن التعويل على احتمال قوى بتراجع ترامب عن مقترح التهجير والضغط على إسرائيل للتراجع (خاصة أنه هو صاحب المقترح) بعد عاصفة الرفض العربي المطلق، شعبيًا ورسميًا للتهجير باعتباره تصفية للقضية الفلسطينية وإغلاقا للطريق أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا لمقررات الشرعية الأممية والدولية، وكذلك بعد رفض المجتمع الدولى وحكومات الدول الأوروبية (حلفاء أمريكا) للمقترح باعتباره انتهاكا للقانون الدولى والمواثيق الأخلاقية، والأهم بعد صمود الفلسطينيين والتمسك بالبقاء فى أرضهم.
احتمالات ترجيح تراجع ترامب عن مقترحه تتزايد فى انتظار الرد العربي الذي يجرى إعداده فى ضوء التصور المصري لإعادة إعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين على أرضها خلال عمليات الإعمار، حيث سيتم تقديم الرد العربى المصرى إلى ترامب فى صيغته النهائية بعد إقرارها فى القمة العربية التى تستضيفها القاهرة في الرابع من مارس المقبل والتى تأجل انعقادها الذى كان مقررا فى السابع والعشرين من فبراير الجارى دون الإعلان عن أسباب التأجيل بينما كان يتعين التعجيل بالنظر إلى الخطر الداهم المحدق بالقضية الفلسطينية وعلى ذلك النحو غير المسبوق فى تاريخها، إذ إن الخطر ليس على غزة فقط وإنما على مجمل القضية وعلى مستقبل الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك فى ضوء تصعيد العدوان طوال الأسابيع الماضية على مدن ومخيمات الضفة الغربية وتهجير سكان المخيمات من منازلهم بل هدم وتدمير غالبيتها وهو الأمر الذى يؤكد مضى إسرائيل قدما فى تنفيذ مخطط تهجير فلسطينيي الضفة وضمها للكيان بحسب الضوء الأخضر من ترامب.
...
هذا الخطر الداهم المحدق بالقضية الفلسطينية تؤكده تصريحات مجرم الحرب نتن ياهو المتكررة والمتغطرسة بأنه سوف يغير الشرق الأوسط، مثلما تؤكده خطة ترامب للتهجير بدعوى إحلال السلام فى المنطقة، بينما حقيقة الأمر هى أنه السبيل لفرض هيمنة إسرائيل على المنطقة بعد اغتصابها لما تبقى من فلسطين التاريخية، ومن ثم الانقضاض على مقررات الشرعية الدولية القاضية بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية العربية على أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب قرار التقسيم الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 وبحسب قرار مجلس الأمن رقم 424 القاضى بانسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها بالقوة فى يونيو 1967.
...
كل ما سبق من حيثيات تؤكد حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته وانسحاب إسرائيل من أرضه المحتلة هى السبيل لإحلال السلام فى المنطقة على العكس تماما من تصورات ومقترحات ترامب المشوشة والمضللة التى من شأنها تفجير الأوضاع فى الشرق الأوسط على حساب إحلال السلام، حيث لن تنعم المنطقة بالسلام ولن تنعم إسرائيل بالأمن إلا بإقامة الدولة الفلسطينية، إذ إن المقاومة سوف تتواصل ولن تتوقف حتى يزول الاحتلال، لأنها حركة تحرر وطنى وحقها مشروع فى التخلص من الاحتلال بحسب القانون الدولى والمواثيق الأممية، ولأنها عقيدة وطنية وفكرة متجذرة والأفكار لا تموت والدليل فى تجارب الشعوب التى قاومت الاحتلال فى تاريخنا المعاصر حتى نالت استقلالها وتحرير أرضها.
....
وعلى خلفية المخططات الإسرائيلية والمقترحات الترامبية وبالتزامن معها تأتى محاولات نتن ياهو ومساعيه لإفشال مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة وصفقة التبادل قبل أن تبدأ، وحقيقة الأمر أنه محاصر بين خيارين ضاغطين، كلاهما يهدد بقاءه فى رئاسة الحكومة بل فى الحياة السياسية كلها، إذ إن خيار المضى قدما فى تنفيذ بنود المرحلة الثانية من الاتفاق فإنه مطالب بوقف دائم لإطلاق النار (العدوان) فى غزة والانسحاب الكامل وهو ما يعنى هزيمته وفشله فى تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب بتدمير قدرات حماس والمقاومة والقضاء عليها نهائيا ثم تحرير الأسرى بالقوة العسكرية فى نفس الوقت الذي تعهد فيه وتوعد بتحقيق النصر المطلق!
أما خيار نتن ياهو الثانى فهو العودة إلى الحرب "العدوان" وفى هذه الحالة فإنه يضحى بحياة من تبقى من الأسرى الذين سيكونون معرضين للقتل تحت القصف على غزة مثلما قتل أسرى آخرون قبل الاتفاق، ومن ثم فإن هذا الخيار يهدد أيضا بقاءه فى السلطة، حيث سيزيد من حدة الانشقاقات الداخلية خاصة بعد التراشق بالاتهامات المتبادلة مع الأجهزة الأمنية ومع تصاعد ضغط أهالى الأسري عليه لاتمام صفقة التبادل فى أسرع وقت حتى يعودوا إلى بيوتهم أحياء وحيث لاتزال شوارع ومدن إسرائيل وخاصة فى تل أبيب تشهد مظاهرات آلاف الإسرائيليين التى تتهمه بالتضحية بحياة الأسرى لأسباب سياسية وشخصية، بينما يتعرض لانتقادات حادة من جانب المعارضة حسبما اتهمه زعيمها لابيد بتفكيك إسرائيل.
....
خطة نتن ياهو لإفشال مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق قبل أن تبدأ تعتمد على افتعال أزمات مع حماس بتنصله من استحقاقات المرحلة الأولى خاصة فيما يتعلق بإدخال المساعدات بالقدر الكافى المتفق عليه وبمنع إدخال الخيام والبيوت المتنقلة بحسب البروتوكول الإنسانى فى الاتفاق والأهم منع دخول المعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض والركام واستخراج الجثامين المدفونة تحتها وهو بذلك يستهدف دفع حماس إلى التوقف من جانبها عن تنفيذ بنود الاتفاق وهو الفخ الذى لم تقع فيه الحركة، حيث التزمت التزاما كاملا بما عليها من استحقاقات وبالجدول الزمنى للإفراج عن الأسرى بشهادة الوسطاء بينما يغض ترامب الطرف عن انتهاك إسرائيل للاتفاق.
فى سياق سعى نتن ياهو لإفشال مفاوضات المرحلة الثانية فإنه يلجأ إلى التضليل باستجداء التعاطف حيال الأسرى وتأجيج غضب المجتمع الإسرائيلى خاصة أهالى الأسرى وذلك بحسب تصريحه الخبيث وقت كتابة هذه السطور مساء الأربعاء الماضى عشية تسليم جثامين أربعة من الأسرى الذين قتلهم الجيش الإسرائيلى أثناء قصف غزة حيث وصف يوم الخميس بأنه يوم مؤلم وحزين فى إسرائيل، بل إنه زيادة فى التضليل اعتبر أن جثامين الأسرى تشير إلى "مع من نتعامل" فى محاولة لتحميل حماس المسئولية مع أنه هو الذي قتلهم بعد أن رفض وعرقل استئناف صفقة التبادل بحسب اتهام الأجهزة الأمنية له.
وفى سياق هذا المسعى أيضا استبعد رئيس الشاباك والموساد من المشاركة في مفاوضات المرحلة الثانية اللذين دأبا على معارضته، حيث دأب هو على اتهامهما بالعمل ضده مع ما يصفها بالدولة العميقة فى إسرائيل.. متشبها في ذلك بصديقه وأفضل صديق لإسرائيل الرئيس ترامب الذى دأب أيضا على اتهام الدولة العميقة بالعمل ضده.
...
لذا فإن ثمة شكوكًا كبيرة حتى الآن فى نجاح مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة وصفقة التبادل في ضوء الشروط التعجيزية التى حددها نتن ياهو والتى تقوض الاتفاق من الأساس وتفرغه من مضمونه المتفق عليه وأولها استبعاد حركة حماس من حكم غزة وهو شرط ينطوى على إملاء وتجاوزات للتوافق الفلسطينى على من يحكم ويدير القطاع باعتباره شأنا فلسطينيا وطنيا خالصا ومع ذلك فإن الحركة لا تعترض على ذلك شريطة عدم تولى حكم القطاع أى أطراف غير فلسطينية بحسب تصريح رئيس وفد الحركة فى التفاوض خليل الحية بأن حماس سوف تتعامل مع أى طرف خارجى يدير غزة باعتباره احتلالا شأنه فى ذلك شأن الاحتلال الاسرائيلى، أما الشرط الثانى والأخطر فهو نزع سلاح حماس وفصائل المقاومة وهو شرط لن تقبل به المقاومة إطلاقا، إذ إنه يعنى أن ما عجز نتن ياهو عن تحقيقه بالحرب والعدوان والقوة العسكرية يريد تحقيقه عبر المفاوضات، حيث تبدو حماس وقد انهزمت بينما الحقيقة أنها انتصرت واحتفظت بقوتها وقدراتها العسكرية والقتالية بل عوضت خسائرها وأضافت آلاف المقاتلين إلى صفوفها.
ولأن ترامب لن يلتزم باستحقاقات الاتفاق بانسحاب قوت الاحتلال الكامل من غزة وبوقف دائم لإطلاق النار (العدوان) وبضمانات دولية بحسب اشتراط حماس، فإن احتمالات فشل مفاوضات المرحلة الثانية تظل قائمة ومن ثم انهيار الاتفاق قبل اكتمال مراحله الثلاث.
...
وتبقى كل السيناريوهات مفتوحة ويبقى الخطر على مستقبل القضية والدولة الفلسطينية، وتبقى المقاومة متواصلة.
...
وفى انتظار ما تُسفر عنه التطورات فى قادم الأيام.. يبقى للحديث بقية..