ترامب يدفع المنطقة نحو حافة الهاوية
![أسامة أيوب](https://media.elamwal.com/img/25/02/15/262087.webp)
الرد العربى فى ضوء التصور المصرى.. البديل القانونى لمنع التهجير والتصعيد
فى لقاء البيت الأبيض.. ترامب افتقد اللياقة والملك عبدالله اتسم بالحكمة والحنكة
جاء تهديد الرئيس ترامب لحركة المقاومة حماس بإنهاء وقف إطلاق النار والجحيم ما لم تفرج عن «جميع» الأسرى ظهر «السبت» 15 فبراير الحالي، بمثابة ضوء أخضر تلقفه مجرم الحرب نتن ياهو لاستئناف العدوان على غزة وحرب الإبادة للشعب الفلسطينى ومن ثَمَّ التنصل من الاتفاق فى مرحلته الأولى وإفشال المرحلتين الثانية والثالثة وهو الهدف الذى يسعى إليه ويبيت النية لتحقيقه، مع ملاحظة أن ترامب صرح مع بدء سريان الاتفاق أنه لا يضمن استمراره!
تهديد ترامب الذى لقى هوى لدى نتن ياهو.. متعللا بقرار حماس بالتوقف عن الإفراج عن الأسرى تغافل عن سبب قرار حماس وهو انتهاك إسرائيل للاتفاق والتنصل من تنفيذ كل بنوده خاصة ما يتعلق بالبروتوكول الإنسانى وذلك بعرقلة دخول المساعدات الإغاثية بالكمية المتفق عليها وكذلك منع دخول البيوت المتحركة والخيام والمعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض والركام، بينما كانت دواعى الموضوع تقتضى من ترامب الراعى والضاغط لتوقيع الاتفاق أن يُطالب نتن ياهو بالالتزام بتنفيذ بنوده كاملة بدلا من ذلك التهديد لحماس بالجحيم وبدلا من التعاطى مع الطرفين بعين واحدة وبعدم عدالة.
ثُمَّ إن تهديد ترامب تزامن مع تكرار طرحه لمقترح تهجير الفلسطينيين إلى كل من مصر والأردن واللذين رفضا رفضًا مطلقًا ذلك المقترح الظالم.. رسميًا وشعبيًا مثلما يرفضه بالضرورة الفلسطينيون الصامدون المتمسكون بالبقاء فى أرضهم.. التاريخية والجغرافية.
اللافت أن مقترح ترامب الذي يتسم بعدم الواقعية وحيث ينطوى تنفيذه عمليًا على تفاصيل وتعقيدات كثيرة من شأنها أن تجعل تنفيذه على أرض الواقع بالغ الصعوبة، ولذا فقد بدا ترامب مشوشًا عندما يقترح التهجير إلى مصر والأردن ثم يقترح أى مكان آخر، وهذا الطرح المشوش يعكس بوضوح أن الهدف الحقيقى هو إخلاء غزة من الفلسطينيين بل أيضًا عدم عودتهم إليها للأبد.
<<<
ذروة الوقاحة والجنون أن ترامب قرر ومن جانبه ما أسماه استلام غزة وامتلاكها أى احتلالها وتحويلها إلى "ريفيرا" وتحويلها إلى مشروع سياحى استثمارى، وهو بذلك الطرح الاستعمارى البغيض وفي انتهاك للقانون الدولى يرتدى ثياب البلطجى ويتصرف كمقاول عقارات يستدل على أرض من أصحابها بالقوة لاستثمارها مع أنه لم يقل صراحة أنه وإسرائيل المستفيد الأول والوحيد من عوائد هذا المشروع الاستثمارى.
الخطير فى الأمر أن مقترح تهجير فلسطينيي غزة هو الفصل الأول فى مخطط تصفية القضية الفلسطينية، إذ إن الفصل الثانى سيكون تهجير فلسطينيي الضفة الغربية، والذى كشفه ترامب بإعلانه السماح لإسرائيل بفرض السيادة على الضفة الغربية أى ضمها وتهجير أهلها، وهو ما اتضح جليًا بتصعيد العدوان الوحشى الصهيونى على البلدات والمخيمات بالتزامن مع بدء سريان وقف إطلاق النار فى غزة، وحيث تشهد الضفة أعنف عمليات عسكرية لتهجير سكان المخيمات مثلما تشهد هدمًا للبيوت وتخريبًا للمرافق العامة والبنية التحتية وإعدامات ميدانية.
<<<
من الواضح أن مخطط تصفية القضية الفلسطينية برعاية الرئيس ترامب قد بدأ فعليًا فى تكرار لنكبة فلسطين الأولى عام ١٩٤٨ لاستكمال المخططات الصهيونية اليهودية القديمة المؤجل تنفيذها على مراحل لاغتصاب كل فلسطين التاريخية كمرحلة أولى لإقامة إسرائيل الكبرى المستندة إلي خرافات ونبوءات توراتية مزورة والتى تشمل كل فلسطين وسيناء المصرية وأجزاء من كل من الأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية.
هذا المخطط الصهيونى الذى يرعاه ترامب لوأد حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى ولمقررات الشرعية الأممية والدولية ومن بينها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧ بتقسيم فلسطين بين دولة يهودية ودولة فلسطينية عربية، وكذلك لقرار مجلس الأمن رقم ٤٢٤ عام ١٩٦٧ والقاضى بانسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها ومن بينها غزة والضفة الغربية والقدس، وحيث تؤكد كل تلك القرارات والمرجعيات واتفاقيات التسوية والتى أقرتها دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة ذاتها والتي تفرض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضى غزة والضفة الغربية.
<<<
غير أنه من المثير للاشمئزاز أن ترامب يروِّج لمقترح التهجير باعتباره الحل لإنهاء الصراع وحل القضية الفلسطينية من خارج الصندوق ومن غير المألوف وذلك بإنهاء القضية الفلسطينية ومصادرة حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، والأكثر إثارة للاشمئزاز أنه يعتبر تصفية القضية الفلسطينية واحتلال إسرائيل لكل فلسطين التاريخية هو السبيل لإحلال السلام فى المنطقة وهو بذلك يطالب باستحقاقه لجائزة نوبل للسلام!!
< < <
أكتب هذه السطور فجر الأربعاء الماضى عقب مشاهدة لقاء الرئيس ترامب والعاهل الأردنى الملك عبدالله فى الصالون الرئاسى بالبيت الأبيض والذى سبق الاجتماع المغلق، حيث كان لافتًا افتقاد ترامب لقواعد البروتوكول الدبلوماسى والسياسى واللياقة الرئاسية فى استقبال الملك عبدالله والذي من المفترض ووفقا للتقاليد الرئاسية الأمريكي مخصص للترحيب بالضيف والحديث فى العموميات، إلا أن ترامب وبكل غطرسة أعاد تكرار حديثه عن مقترح التهجير إلى مصر والأردن بل إنه أعاد حديثه عن قبول الدولتين للمقترح وحيث بدا وكأنه يملى أوامره على الملك الضيف.
غير أن حديث الملك عبدالله كان بالغ الحكمة والحنكة السياسية والدبلوماسية وجاء تعليقه على أسئلة الصحفيين التى استهدف ترامب بها إحراج الملك بشأن مقولة التهجير إلى الأردن بأنه يضع مصلحة الأردن وشعبه فوق كل اعتبار، ثم أضاف أن الدول العريبة سوف ترد على مقترح الرئيس ترامب فى ضوء التصور المصرى لحظة إعادة إعمار غزة مع بقاء الفلسطينيين على أرضها.
ثم إن الملك عبدالله أكد فى تصريحات صحفية عقب مباحثاته مع ترامب رفضه صراحة لمقترح التهجير، مع ملاحظة أن المباحثات لم يعقبها مؤتمر صحفي مشترك بحسب التقاليد الرئاسية الأمريكية في مثل هذه اللقاءات مع قادة الدول، ولعل ذلك ما دفع بالملك إلى الادلاء بتصريحاته إلى الصحفيين عقب اللقاء.
<<<
يبقى أنه مع التخوف من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار فى نهاية المُهلة التى حددها ترامب للإفراج عن الأسرى إلا أنه من المرجح أن تسفر جهود الوساطة المصرية والقطرية عن التوصل إلى التزام إسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق وكذلك التزام حماس بجدول الإفراج عن الأسرى، غير أنه يبقى التخوف من فشل المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق بفعل حرص نتن ياهو على إفشالهما والعودة لاستئناف العدوان تجنبًا لسقوط حكومته وانهيار الائتلاف فى ضوء تهديدات الوزيرين المتطرفين بن غفير وسمويترش لدفع نتن ياهو لاستمرار العدوان.
<<<
وإذا كانت الدول العربية المعنية والفاعلة تجرى حاليًا مشاورات واجتماعات تحضيرية للقمة العربية المقرر عقدها فى السابع والعشرين من شهر فبراير الجارى لإقرار الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، فإن التعجيل بعقد القمة فى موعد أقرب بات ضروريًا للإسراع بتقديم البديل الموضوعى والعادل لمقترح التهجير وتقديمه للرئيس ترامب وأيضا للمجتمع الدولى وفى المقدمة الاتحاد الأوروبي وعلى النحو الذى يؤدي إلى وأد مقترح التهجير، ومن ثَمَّ وأد تصفية القضية الفلسطينية وإقرار الحق فى إقامة الدولة المستقلة علي حدود يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، تنفيذا لـمُقررات الشرعية الأممية والدولية والتى أقرتها أمريكا ذاتها عبر الإدارات السابقة وكانت راعية لكل مفاوضات التسوية السلمية والسياسية للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى.
<<<
أخيرًا.. إن استمرار ترامب فى المُضى قُدمًا فى طرح مقترح ومخطط التهجير وضم الضفة لإسرائيل من شأنه تقويض مكتسبات السلام التى أرستها مصر قبل عقود على النحو الذى يدفع المنطقة كلها بما فيها إسرائيل نحو حافة الهاوية، ولذا تأتى أهمية التحرك العربى الجماعى العاجل لإنقاذ القضية الفلسطينية من خطر تاريخى داهم.. سبيلًا إلى دفع خطر آخر وأشمل يهدِّد مجمل الأمن القومى العربى..
وللحديث بقية..