أسامة أيوب فى توديع 2024.. سنة الأحزان العربية والعربدة الصهيونية

بينما يستعد العالم لتوديع سنة 2024 التى توشك على الرحيل بعد ساعات، فإن الأمة العربية كانت الأكثر تضررا طوال تلك السنة التى تعد واحدة من أسوأ السنوات التى شهدتها، إذ شهدت أقذر وأبشع عدوان صهيونى وحشى شنه مجرم الحرب نتن ياهو المطلوب اعتقاله بحكم المحكمة الدولية ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والذى كان امتدادا للعدوان الذى بدأ فى السابع من أكتوبر من العام الماضى 2023 ولم يتوقف حتى الآن.
ورغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلى ارتكب خلال ذلك العدوان أقذر حرب إبادة فى التاريخ الحديث ضد المدنيين الفلسطينيين فى غزة راح ضحيتها نحو 45 ألف ونحو 110 آلاف من الجرحى والمصابين أغلبهم من الأطفال والأطفال الرضع والنساء غير عدد غير معلوم من آلاف القتلى الذين مازالوا تحت الأنقاض رغم ذلك فإن المجتمع الدولى وقف متفرجا على حرب الإبادة والتدمير عاجزا عن إيقاف ذلك العدوان، فى نفس الوقت الذى تآمرت فيه الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس جو بايدن والدول الأوروبية الاستعمارية مع حكومة الكيان بتقديم الدعم غير المسبوق.. عسكريا وسياسيا وماليا لاستمرار حرب الإبادة وقتل الأطفال والنساء في غزة.
>>>
لقد بلغ التآمر الغربى الأمريكى الأوروبى ضد الشعب الفلسطينى الذى يواجه الحصار الكامل وتدمير البنية التحتية والمستشفيات إلى درجة تمرير الجريمة الإسرائيلية بمنع دخول المساعدات الإنسانية الإغاثية من الأغذية والأدوية والمستلزمات الطبية والوقود، حيث تعرض الفلسطينيون فى غزة لحرب تجويع إلى جانب القتل وحرب الإبادة، بينما لم تحرّك صرخات الأطفال الضمير الأمريكى والأوروبى لإيصال المساعدات وهى الحد الأدنى الذى كان يتعين إنسانيًا ووفقا للقوانين والمواثيق الدولية عدم تجاوزه.
أما عن مواقف الحكومات العربية والإسلامية جميعًا، فإن “فى الفم ماء” إذ بدت عاجزة مغلولة الأيدى عن أى تحرك جاد وفعال باستخدام بعض ما لديها من أوراق ضغط سواء لإيقاف العدوان وقتل الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين أو حتى على أقل تقدير لإجبار حكومة الكيان على إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
>>>
لقد بدا واضحا بل مؤكدا أن حكومة الكيان الصهيونى برئاسة مجرم الحرب نتن ياهو ماضية قدما فى إنفاذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية نهائيا عبر سيناريو تهجير الشعب الفلسطينى من غزة والضفة الغربية وبدعم كامل من الولايات المتحدة وهو الدعم الذى سيتزايد بعد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير المقبل فى بداية ولايته الرئاسية، حيث إنه تجرأ فى ولايته الأولى على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وهو أيضا من اعترف بضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى الكيان الصهيونى والاعتراف بأنها جزء من إسرائيل.
مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة تؤكده جريمة العدوان وحرب الإبادة وتدمير القطاع مثلما تؤكده الممارسات القمعية والاعتداءات من جانب جيش الاحتلال والمستوطنين ضد بلدات ومدن الضفة الغربية والشباب الفلسطينى الذى يتعرض للقتل والاعتقال يوميا من داخل منازلهم التى يجرى تدميرها وهدمها، والهدف هو إرهاب سكان الضفة الفلسطينيين ودفعهم دفعا للنزوح خارجها نحو الأردن، وعلى النحو الذى يعيد إلى الأذهان سيناريو خيار الأردن الذى طرحته إسرائيل قبل سنوات طويلة مضت كحل للقضية الفلسطينية!!
>>>
ومع تواصل العدوان الصهيونى وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى فى غزة وتدمير المنازل واعتقال وقتل الفلسطينيين فى الضفة.. جاء العدوان الصهيونى الآخر على الضاحية الجنوبية فى بيروت والذى امتد إلى العاصمة ذاتها بدعوى القضاء على حزب الله بوصفه إحدى جبهات الإسناد للمقاومة فى غزة بهدف تحقيق “أمن إسرائيل” وهو الشعار الصهيونى الزائف الذى يرتكب الكيان تحته كل الجرائم والاعتداءات ضد العرب وضد الفلسطينيين.
ولأن الهدف الصهيونى هو القضاء على أى مقاومة عربية وتدمير قدراتها العسكرية التى لا تقارن بأى حال بقدرات الجيش الإسرائيلى، فإن إسرائيل اغتالت إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس أثناء وجوده فى طهران، ثم اغتالت يحيى السنوار القائد العسكرى لحركة المقاومة حماس فى غزة وغيره من قيادات المقاومة ثم اغتالت حسن نصرالله زعيم حزب الله المقاوم فى جنوب لبنان مع غالبية قادته العسكريين.
>>>
لقد استهدفت حكومة مجرم الحرب نتن ياهو بتلك الاغتيالات إرهاب قيادات ورجال المقاومة ومن ثَمَّ اضعاف قدرات المقاومة سواء فى غزة وفى جنوب لبنان وصحيح أنها نجحت فى إرباك حزب الله بعد اغتيال نصرالله وغالبية القيادات العسكرية للحزب، لكن الحقيقة التى ستؤكدها الأيام المقبلة أنها لم ولن تنجح فى القضاء على المقاومة حتى يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية العربية، وفقا لمقررات الشرعية الدولية والقرارات الأممية.
>>>
وإذا كان العدوان الصهيونى على غزة ولبنان قد استحوذ على الاهتمام الإعلامى والسياسى دوليا وعربيا فإنه يتعين تركيز نفس الاهتمام على الكارثة الحياتية والمأساة الإنسانية التى يعيشها السودان للعام الثانى على التوالى جراء الحرب الأهلية بين الدولة السودانية الشرعية ممثلة فى الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وبين ميليشيات الدعم السريع المتمردة على الشرعية بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتى” راعى الإبل الذى منحه البشر رتبة الجنرال.
المخزي فى تلك الحرب هو أن حميدتى وميليشياته الإجرامية والتى تضم مرتزقة من خارج السودان قد ارتكبوا أبشع الجرائم ضد الشعب السودانى من قتل وتعذيب وتجويع وتهجير من القرى والمنازل، بينما الأكثر خزيا وعارا كان اغتصاب النساء والفتيات فى انتهاك للأخلاق والقيم السودانية الأصيلة لم يشهد السودانيون له مثيلا من قبل.
المؤسف والخطير فى هذه الحرب الأهلية هو أن قوى إقليمية تذكى ذلك الصراع والإضراب بتقديم الدعم اللوجستيى والعسكرى والمالى لميليشيات حميدتى الإرهابية المتمردة على الشرعية، وحيث بدا الهدف تقسيم السودان فعليا بعد أن قسمته الحرب الدائرة بين المناطق التى يسيطر عليها الجيش فى الشرق وبين التى يسيطر عليها الميليشيات فى العاصمة والغرب.
ولذا فإن ما يجرى فى السودان جد خطير عربيا وافريقيا، إذا ما أسفر هذا الصراع عن تقسيم السودان إلى دولتين وحيث سيكون ذلك هو التقسيم الثالث بعد انفصال جنوب السودان قبل عقدين عن السودان الأم، بل إنه قد يُسفر عن تفتيت السودان إلى دويلات وعلى النحو الذى يمثل تهديدا خطيرا لأمن دول المنطقة العربية والافريقية.
>>>
وأخيرا أبت سنة 2024 أن ترحل قبل أن تشهد المنطقة العربية تطورا مثيرا مع استيلاء فصائل المعارضة السورية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام على السلطة فى سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد وإنهاء حكم عائلة الأسد وطائفة العلويين النصيرية الذى طال لنحو ستة عقود، وبسقوط بشار الذى هرب إلى موسكو تكشفت الجرائم البشعة الوحشية التى ارتكبتها عائلة الأسد والطائفة العلوية ضد الشعب السورى من تعذيب وحشى وقتل وتمثيل بجثث القتلى وقمع وسجون.
ومع مظاهر الفرح والابتهاج من جانب جموع السوريين بعد التخلص من حكم عائلة الأسد، فإن بعض التحفظات والتخوفات التى ترددت عربيا جراء استيلاء فصائل المعارضة على حكم سوريا.. يتعين تأجيلها لحين اتضاح الصورة الكاملة خاصة فى ضوء تطمينات أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام فور سقوط بشار بأنه “فتح.. لا ثأر فيه ولا انتقام” ثم فى ضوء تأكيداته بعدم إقصاء أى طائفة أو فصيل وأن حكم سوريا سيقرره السوريون.
ولذا يبقى انتظار الأفعال بعد تلك الأقوال، مع ملاحظة أنه لن يكون هناك أسوأ من حكم عائلة الأسد وطائفة العلويين بحسب السوريين أنفسهم.
>>>
خلاصة القول: لقد كانت سنة 2024 سنة الأحزان العربية باستثناء إسقاط نظام بشار الأسد مثلما كانت سنة العربدة الإسرائيلية فى المنطقة.
وفى انتظار السنة الجديدة 2025.