د.محمد فراج يكتب: الغزو الإرهابى الجديد لسورية.. خطر فادح على الأمن القومى العربى (3)
إسقاط الأسد.. أم تدمير الدولة واستباحتها وتقسيمها؟!
عملية تدمير الدولة السورية والإعداد لتقسيمها تجرى على قدم وساق منذ سقوط نظام الأسد يوم الثامن من ديسمبر الجارى.. وهى عملية تتم تحت سمع العالم وبصره وتتوالى فصولها بسرعة مذهلة دون أن تحرك حتى الدول العربية ساكناً، بالرغم من العواقب الوخيمة التى تترتب عليها بالنسبة للأمن القومى العربى، اللهم إلا من بعض بيانات الاستنكار من جانب بعض الدول العربية - وليس كلها - بينما تبدو دول أخرى غافلة عن هذه العواقب الوخيمة، لتدمير وتقسيم الدولة التى تمثل البوابة الشمالية للمشرق العربى بأكمله، وخط الدفاع الأول عنه على امتداد تاريخ طويل !!
فبعد ساعات من إعلان سقوط النظام، بعد انسحاب وتفكك جيشه، كانت إسرائيل تستولى على أكثر من ثلاثمائة كم من المناطق الحدودية المجاورة لها، لتمدد القوات الصهيونية خلال الأيام القليلة التالية، وتحتل مساحات جديدة فى محافظة درعا الجنوبية، بعمق تسعة كيلو مترات حتى كتابة هذه السطور (صباح الخميس عشرين ديسمبر).
والأخطر من ذلك أن الدولة الصهيونية بدأت على الفور فى تدمير البنية التحتية للجيش السورى بصورة شاملة، من مراكز عسكرية وثكنات مطارات وموانئ ومخازن للسلاح بكل ما فيها من طائرات وصواريخ ودبابات وسفن حربية وأسلحة ثقيلة وغيرها، فضلاً عن المراكز البحثية ومقار المخابرات وكل ماله علاقة بالقدرة العسكرية للدولة. وهى عملية مستمرة حتى الآن بحيث أصبحت سورية دولة منزوعة السلاح. مجردة من كل قدرة دفاعية.
بينما تعلن السلطات الجديدة وسلطات هيئة تحرير الشام عن عدم وجود نية لديها فى الدخول فى أي عملية صراعية ضد إسرائيل، ولو حتى على المستوى الدبلوماسى بتقديم شكوى فى مجلس الأمن الدولى ضد ما يجرى للبلاد، وبغض النظر عن المصير المعروف لمثل هذه الشكاوى.
والأدهى من ذلك أن يتم الإعلان فى بناء قواتها على أفراد الفصائل الإرهابية التى قامت بإسقاط النظام، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة الإرهابية) وفصائل مثل الجيش التركستانى (الإيجور) والإرهابيين الشيشان والقادمين من آسيا الوسطى وغيرها.. ويعلن زعيم النصرة أبو محمد الجولانى أنه تجرى دراسة منح الجنسية السورية للأجانب من مقاتلى هذه الفصائل، والذين يبلغ عددهم عشرات الآلاف، أى أنه يجري الاستعداد لتشكيل جيش سورى رسمى يدخل الإرهابيون الأجانب رسمياً فى تشكيله!! بينما يقوم أعضاء هذه الفصائل بمهمة حفظ الأمن !! ليمثلوا نواة وزارة الداخلية الجديدة!!.
وبينما يقوم زعيم جبهة النصرة الإرهابية بإصدار البيانات والتصريحات باسم الدولة السورية (السلطة الجديدة) فقد تم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة محمد البشير رئيس وزراء الكيان الإرهابى فى محافظة إدلب، الذى كان مركز انطلاق الغزو الإرهابى لسورية، ويتم الإعلان عن تعليق الدستور والبرلمان، وتشكيل هيئات جديدة لقيادة الدولة السورية من زعماء وأعضاء الفصائل الإرهابية.
ومعروف للعالم كله أن هذه الفصائل كلها تخضع لسيطرة تركيا التى استولت على مساحات واسعة من الأراضى السورية، ولا تخفى أطماعها التوسعية فى مساحات أكبر من البلاد (راجع «الأموال» - 15 ديسمبر) ومختلف وسائل الإعلام التركية والعربية والعالمية، كما استولت القوات التركية والموالية لتركيا على مزيد من المناطق فى شمال سورية مثل مدينة منبج وتل رفعت، ويسعون للاستيلاء على مناطق جديدة.
كل هذه وقائع تجعل الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب يصرح بأن مفاتيح سورية توجد فى أيدى تركيا.
أما الأكراد ممثلون فى الإدارة الذاتية الكردية وقوات «قسد» فقد استولوا على أغلب المواقع التى كان النظام السورى يسيطر عليها فى شرق الفرات، وعززوا مواقعهم فى ظل حماية القوات الأمريكية الموجودة على الأراضى السورية فى هذه المناطق التى تنتج ثلثى إنتاج سورية من البترول والغاز وتسيطر على نحو ثلثى الأراضى الخصبة فى البلاد، والمنتجة للجزء الأكبر من القمح والمحاصيل الزراعية فيها.
وهكذا يدور السباق لتقسيم سورية بين تركيا وإسرائيل والأكراد، وإذا كانت أنقرة تسيطر على (سلطة الأمر الواقع) فى الجزء الأكبر من البلاد واستولت إسرائيل على جزء كبير من الجنوب الغربى لسورية، وأصحبت قواتها على مسافة خمسة وثلاثين كيلو متراً من دمشق، فإن الأكراد يتمتعون حتى الآن بحماية الولايات المتحدة ودعم إسرائيل السياسى والمعنوى، وتقول «حتى الآن» لأن سياسة إدارة ترامب الوشيكة الوصول إلى البيت الأبيض تجاه محاولات الأكراد الانفصالية لم تتضح بعد بصورة جلية.
ومن ناحية أخرى ترفع «داعش» رأسها فى شرق وجنوبى البلاد برعاية الولايات المتحدة التى تتيح لهم مركزاً كبيراً للتدريب فى قاعدة «التنت» وما حولها عن الملتقى الحدودى السورى - الأردنى - العراقى وتتحرك «داعش» بقدر كبير من الحرية فى بادية حمص وبادية دير الزور. وذلك بغض النظر عن التصريحات الأمريكية وقوات التحالف الغربى فى العراق بأن الهدف الأساسى من وجودها هو محاربة داعش والقضاء عليها.
وواضح أن تركيا هى الرابح الأكبر فى هذا السباق من أجل تدمير الدولة السورية وتقسيمها. فهى المسيطرة على جبهة النصرة المسيطرة على الجزء الأكبر من البلاد والتى تمثل سلطة الأمر الواقع فيها .. وهى التى تقود (النصرة) فى سياستها المتلونة، وتصريحات زعمائها وخاصة الجولانى حول نبذها للإرهاب واستعدادها للتعاون مع المعارضة المدنية لنظام الأسد وهى بدورها كانت خاضعة بصورة أساسية لأنقرة، وبدرجة أقل لبعض الدول الخليجية الغنية والدول الأوروبية الكبرى وخاصة بريطانيا كما أن تركيا هى التى تتولى بصفة أساسية الترويج للدعوة لرفع صفة الإرهاب عن هيئة تحرير الشام (النصرة) وغيرها من الفصائل الإرهابية، بحيث يتم الاعتراف بسلطتها، ورفع العقوبات الغربية والدولية عنها وهو ما يمثل مكسباً كبيراً لتركيا فى صراعها مع إسرائيل من أجل النفوذ فى الشرق الأوسط، وبحيث تصبح تركيا هى الوكيل الإقليمى للغرب فى المنطقة بدلاً من إسرائيل حسب تطلعات أردوغان، مستمدة فى ذلك إلى تجانسها مع الدول العربية من حيث اعتناق الدين الإسلامى، وإلى الروابط التاريخية بينها وبين عدد من الدول العربية التى كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية، وما هو رائج عن تركيا فى الغرب من تمثيلها للإسلام السياسى المعتدل» فضلاً عن كونها عضواً فى حلف «الناتو» وفاعلاً أساسياً فى تنفيذ السياسات الغربية فى المنطقة مشتركة فى ذلك مع إسرائيل.
أما الخاسرون الأكبر فى هذا الصراع حول سورية فهم الدول العربية التى ستحول سورية تحت حكم «النصرة» وبقية عملاء تركيا والغرب إلى مركز للتآمر والنشاط الإرهابى ضدهم، وبالطبع إيران التى خسرت نقاطاً كثيرة فى صراعها من أجل النفوذ فى المنطقة، وروسيا التى بدأت فى الانسحاب من قاعدتيها بالغتى الأهمية فى (حميميم) و(طرطوس) والتى سيتأثر بالسلب نفوذها فى الشرق الأوسط.
وهذه كلها أمور تستحق حديثاً تفصيلياً نأتى إليه فى مقالنا القادم بإدن الله.
وللحديث بقية