أسامة أيوب يكتب: الشرق الأوسط فوق بركان

إن ثمة قراءة واجبة وضرورية لما جرى ويجرى وما سوف يجرى فى الشرق الأوسط منذ طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر من العام الماضى، والذى يُعد حدثا فارقا فى تاريخ القضية الفلسطينية باعتبار أنه لفت أنظار المجتمع الدولى وشعوب العالم بوجه خاص إلى مظلومية الشعب الفلسطينى طوال نحو ثمانية عقود، رغم الأثمان الغالية التى دفعها سكان غزة طوال أربعة عشر شهرا من الأرواح والدماء فى مواجهة عدوان صهيونى وحشى وغادر وحرب إبادة وتجويع راح ضحيتها أكثر من ألف من المدنيين ما بين شهداء وجرحى أغلبهم أطفال ونساء.
هذه القراءة تؤكد بكل وضوح أن حكومة الكيان الصهيونى برئاسة مجرم الحرب نتن ياهو بدأت بالفعل تنفيذ مخططها لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا للاستيلاء على ما تبقى من فلسطين التاريخية وتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية ومن ثَّم إنهاء فكرة حل الدولتين التى بات واضحا أنها كانت خدعة روجت لها الولايات المتحدة والغرب الأوروبى وصدقها العرب والفلسطينيون بكل أسف ولم يُدركوا حقيقتها طوال العقود الماضية منذ اتفاقية أوسلو1، حتى كشفها مؤخرا نتن ياهو بالإعلان صراحة عن أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية.. متحديًا بذلك القرارات الأممية ومقررات الشرعية الدولية ومستندا بالضرورة إلى التأييد والدعم الأمريكى فى تنفيذ مخططه الصهيونى.
...
ولذا فإنه من المثير حقا أن التعاطى العربى الرسمى مع الكارثة الإنسانية فى غزة تركز على الحديث عن حل الدولتين لإنهاء الصراع، بينما كانت القضية ذات الأولوية القصوى والعاجلة هى وقف العدوان وحرب الإبادة لإنقاذ الشعب الفلسطينى من القتل والموت جوعا وإيصال المساعدات الإنسانية الإغاثية "الغذائية والطبية"، ثم يأتى الحديث لاحقا عن حل الدولتين مقترنا بممارسة أقصى الضغوط واستخدام أوراق الضغط العربية والإسلامية لإفشال مخطط القضية الفلسطينية استنادا إلى مقررات الشرعية الدولية والقرارات الأممية.
ولقد جاء العدوان الصهيونى على جنوب لبنان والذى امتد إلى العاصمة بيروت ذاتها بهدف القضاء على المقاومة متمثلة فى حزب الله واحتلال الجنوب بعد جرائم اغتيال زعيم الحزب حسن نصرالله وعشرات من قادته، ليؤكد أن المخطط الصهيونى لا يستهدف فلسطين فقط، خاصة أن نتن ياهو لم يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه بمبادرة أمريكية فرنسية عبر عشرات الخروقات مع استمرار قصف العديد من القرى فى الجنوب حتى الآن، مع استمرار احتلاله لبعض المناطق وهو ما يؤكد اعتزامه استمرار الحرب لفترة مقبلة.
وفى نفس الوقت فإنه من غير الممكن إغفال أن نتن ياهو ليس بعيدا عما جرى فى سوريا مؤخرا من تصعيد عسكرى بين الجيش وفصائل المعارضة بعد هجومها المفاجئ واجتياحها لثلاث مدن فى الشمال الغربى هى حلب وإدلب وحماة، وحيث بدا أن إشعال هذا الصراع فى هذا التوقيت مع انشغال روسيا وإيران أهم حلفاء النظام الداعمين له عسكريا إنما يستهدف ليس إسقاط بشار الأسد فقط، وإنما أيضا إسقاط الدولة السورية فى أتون حرب أهلية داخلية وفوضى تُسفر عن تقسيم سوريا، خاصة فى ظل وجود أمريكى وروسى وتركى وإيرانى والعديد من الميليشيات والفصائل المسلحة، مع ملاحظة أن ما يجرى فى سوريا هو نوع من الصراع الروسى - الأمريكى.
ومع استمرار التصعيد والصراع فى سوريا والذى قد يسفر عن حرب أهلية وفوضى داخلية وفى حالة سقوط نظام بشار الأسد واستيلاء الفصائل المسلحة والمعارضة على السلطة فى دمشق أو فى بعض أجزاء من الدولة، فإن نتن ياهو سوف يجد الذريعة للتدخل عسكريا والصيد فى الماء العكر خاصة بعد تصريحه بأنه لن يقف مكتوف الأيدى فى حالة استيلاء فصائل المعارضة على ما وصفها بالأسلحة الحساسة لدى الجيش السورى.
وبعد سوريا فإن الدور سوف يأتى بالضرورة على العراق لإشعال صراعات مسلحة داخلية فى ضوء توفر أسباب الاشتعال مع وجود ميليشيات إيرانية وفصائل عراقية مسلحة وقوات أمريكية، ومن ثَّم تكون الظروف مواتية لتدخل إسرائيلى عسكرى أيضا لمزيد من إشعال النيران فى المنطقة.
...
وتبقى إيران هى الهدف خارج المنطقة العربية لمجرم الحرب نتن ياهو لتوجيه الضربة الأخطر ضدها وهى غير كل الضربات السابقة، إذ يستهدف تدمير برنامجها النووى لمنعها من امتلاك الأسلحة النووية التى تنفرد إسرائيل بامتلاكها فى المنطقة، ومن المؤكد أن هذه الضربة سوف تتم بضوء أخضر من الولايات المتحدة، ومن ثَّم سوف تندلع أوسع حرب إقليمية يشهدها الشرق الأوسط تستهدف إسرائيل بها الانفراد بالسيادة على الإقليم والتى لو تحققت فسوف يشهد حقبة إسرائيلية غير مسبوقة فى التاريخ، غير أن هذه السيادة لن تتحقق لاعتبارات التوازنات الدولية الإقليمية وإن ظل الشرق الأوسط فى حالة عدم استقرار وصراعات عنيفة.
...
تنفيذ هذا المخطط الصهيونى بدأ نتن ياهو خطواته الأولى انتظارا لوصول ترامب للبيت الأبيض يوم 20 يناير المقبل الذى يعوّل عليه لإكماله بالنظر إلى التوافق الكامل بينهما فى العداء للعرب والمسلمين وحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية "حماس والجهاد وحزب الله" ومن ثَّم فإنه من المهم عربيا عدم إغفال بداية ولاية ترامب الثانية خاصة بعد تصريحه بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم.
ومع أنه من غير المعلوم حتى الآن ماذا يقصد ترامب بالجحيم فى الشرق الأوسط، وهل يقصد إيران فقط أم معها كل الدول العربية فى الإقليم، فإنه يبقى فى كل الأحوال عدم أخذ تصريحاته وأحاديثه على محمل الجد فى ضوء المعرفة السابقة بطبيعته الشخصية وتصريحاته المتغطرسة الهمجية خلال ولايته الأولى حيث إنه مولع بالتصريحات العنترية الهجومية الصادمة لمجرد الاستعراض، مع ملاحظة أنه محكوم فى كل الأحوال بالمصلحة العليا لأمريكا التى تفرض عليه وعلى المؤسسات الأمريكية عدم المساس بها أو الانخراط فى صراعات وحروب خارجية يتعين تجنبها فى ضوء تجارب فاشلة سابقة حسبما حدث فى أفغانستان وفيتنام وفى العراق أيضا.
...
وفى نفس الوقت فإن على العرب ألا يترقبوا خائفين مرتعدين وصول ترامب إلى البيت الأبيض فى انتظار أن ينفذ تهديداته بجحيم الشرق الأوسط وألا تكون مواقفهم رد فعل لكن من الضرورى أن يسبقها الفعل مع ملاحظة أنه لا أمريكا ولا ترامب على كل شىء قدير فى هذا العالم.
...
إن صحوة عربية حقيقية من خلال مواقف واستراتيجية موحدة باتت ضرورة وواجبا قوميا تاريخيا من الآن وقبل فوات الأوان لتجاوز غفوة وتغافل عقود طويلة مضت للتصدى لمخطط نتن ياهو الذى أعلنه ليس لتغيير الشرق الأوسط فقط، ولكن أيضا للتصدى للمشروع الصهيونى الخبيث الذى يستهدف إقامة إسرائيل الكبرى التى تضم كل فلسطين ولبنان والأردن وأجزاء من سوريا والعراق والسعودية وسيناء المصرية، مع ملاحظة أن هذا المشروع طويل الأجل تسعى إسرائيل لتنفيذه مهما طال الزمن، غير أن إرهاصات تنفيذ المشروع تبدت بوضوح خلال هذه الأيام مع إشعال النيران فى الشرق الأوسط الذى بات فوق بركان.