أسامة أيوب يكتب: حتى لا يعوّل العرب على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية
مع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم الأربعاء المقبل، حيث تقف الولايات المتحدة على أطراف أصابعها بعد أعنف وأسوأ حملات انتخابية.. انتظارًا لإعلان النتيجة سواء بفوز دونالد ترامب الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهورى أو كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطى ونائبة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، فإن العالم أيضًا.. الحكومات لا الشعوب (خاصة الحكومات الأوروبية التى تفضل فوز هاريس وهزيمة ترامب) من سيكون الرئيس القادم الذى سيقود العالم حسبما أشارت إلى ذلك كامالا فى آخر خطاب لها فى ختام حملتها عندما تعهدت ببذل كل جهدها للحفاظ على قيادة العالم فى حالة فوزها.
قيادة أمريكا للعالم أو بالأحرى انفرادها بقيادة العالم التى أشارت إليها كامالا هاريس وتعهدت بالحفاظ عليها تحققت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق فى بداية العقد الأخير من القرن الماضى الذى كان القوى العظمى الثانية فى مواجهة أمريكا، حيث صارت القطب العالمى الأوحد وعلى النحو الذى أحدث خللًا فى التوازن الدولى فى عالم أحادى القطب.
انفراد أمريكا لقيادة العالم فى العقود الأخيرة وباعتبار أنها القوى العظمى وبفعل أنها الأكبر والأقوى اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا ثم بفعل تبعية حلفائها الأوروبيين.. جعلها تمارس الهيمنة الغاشمة والاستعلاء على حكومات وشعوب العالم بل على الشرعية والقوانين الدولية حتى صارت الأمم المتحدة ومجلس الأمن ألعوبة فى يديها وتحت رحمتها ووفق هواها لانتهاج سياسة الكيل بمكيالين فى القضايا الدولية والصراعات الإقليمية وخاصة -بل على وجه الخصوص- الصراع العربى الفلسطينى – الإسرائيلى الذى يُعد نموذجا صارخا وشاهدا على الانحياز الأمريكى الأعمى غير النزيه للكيان الصهيوني وضد الحقوق العربية فى انتهاك فادح للشرعية الدولية والمقررات الأممية وعلى النحو الذى ينزع عنها صفة أكبر دولة ديمقراطية تتشدق بمبادئ الحرية والشرعية الدولية وحقوق الإنسان.
هذا النهج الأمريكى غير النزيه وغير العادل فى التعاطي مع الحقوق العربية والفلسطينية هو سياسة ثابتة ودائمة لكل الإدارات السابقة وسيبقى مع الإدارات اللاحقة ولا فارق بين الجمهوريين والديمقراطيين، فكلاهما سواء فى الانحياز الأعمى لإسرائيل تحت ضغط اللوبى اليهودى المتحكِّم فى الكونجرس وفى الإدارة خاصة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية وتحديدًا فى الحفاظ على تفوق إسرائيل عسكريا على كل الدول العربية ودعم مخططاتها ومشروعها الصهيونى في المنطقة، مع ملاحظة أن الاختلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين فى الشكل فقط، إذ يتسم أداء الديمقراطيين بالمراوغة وتغليف العداء للعرب بصياغة ملتوية وأكثر خبثًا، بينما يتسم أداء الجمهوريين بخطاب واضح فى العداء للعرب.
> > >
هذا النهج الأمريكى المعادى للحقوق العربية والفلسطينية الداعم للاحتلال الإسرائيلى قد تأكد جليا بدعم إدارة بايدن الحالية طوال أكثر من عام لحرب الإبادة والمجازر الوحشية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، حيث يشاهد العالم يوميا مقتل الأطفال والنساء أبشع قتل، وحيث تتواصل الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطينى فى مدن وبلدان الضفة الغربية وحيث يتواصل العدوان الوحشى على لبنان بأحدث القنابل الفتاكة منذ اغتيال حسن نصرالله أمين عام حزب الله وقيادات الصف الأول ثم اغتيال نائبه هاشم صفى الدين بعد أيام قليلة من خلافته لنصر الله.
> > >
هذه القراءة وهى ليست جديدة للسياسة الأمريكية المعادية للعرب وللحقوق الفلسطينية، تُعدّ ضرورية ومهمة ونحن فى العالم العربى نترقب نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ إنها لا تعنى شيئًا مهمًا لنا أو هكذا يتعين أن نتيقن من ذلك سواء فاز دونالد ترامب أو فازت كامالا هاريس، لأن أيهما لن يتخلى عن الدعم اللامحدود لإسرائيل لمواصلة عدوانها الوحشى على غزة وقتل الأطفال والنساء أو اغتصاب ما تبقى من الأراضى الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة تحقيقًا للمخطط الصهيونى فى مرحلته الأولى، ولأن أيهما لن يسلك مسلكًا عادلًا ونزيهًا تجاه حقق الشعب الفلسطينى.
> > >
وحتى لا ننسى فإن دونالد ترامب خلال ولايته الأولى هو الذى اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها فى احتفال دشنه بنفسه، وهو الذى اعترف بضم الجولان السورية المحتلة إلى دولة الكيان الصهيونى، وهو الذى حظر دخول المسلمين من عدة دول إلى أمريكا، وهو الذى فرض توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية على بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل.
وحتى لا ننسى أيضًا فإن الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن هو الذى أمد إسرائيل بأحدث الطائرات وآلاف الأطنان من القنابل الفتاكة التى قتلت الشعب الفلسطينى والأطفال والنساء فى غزة، ثم فى لبنان، وحيث ضرب الرقم القياسى فى إمداد إسرائيل بالسلاح وعشرات المليارات منذ قيام دولة الكيان.
وحتى لا ننسى أيضًا فإن المرشحة الجمهورية كامالا هاريس كانت نائبة بايدن والمسئولة الثانية فى إدارته ومن ثمَّ فهى شريك كامل له فى دعم إسرائيل فى عدوانها الوحشى على غزة، وفى قتل الأطفال والنساء ثم فى لبنان لاحقا.
> > >
وحتى لا ننسى فقد ظل ثلاثتهم.. بايدن وهاريس وترامب طوال عام من العدوان وحرب الإبادة يرددون تلك المقولة المضللة بأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وهى مقولة تنطوى على سفالة سياسية وخداع للعالم لتبرير عدوان إسرائيل الوحشى وقتل الأطفال والنساء وقمعها للفلسطينيين فى الضفة وانتهاكها للمقدسات الإسلامية فى القدس وفى مقدمتها المسجد الأقصى من قبل عملية طوفان الأقصى التى تستند إلى حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة المشروعة للاحتلال وحيث جاءت عملية الطوفان ردًا على تلك الممارسات الإسرائيلية التى تنتهك ثورات الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطينى فى إنهاء الاحتلال.
وتحت هذه المقولة المضللة تواصل العدوان الوحشى على غزة حتى الآن والذى بلغ ذروته يوم الثلاثاء الماضى ــ وقت كتابة هذه السطور ــ بمجازر راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد تحولت أجسادهم إلى أشلاء محترقة وممزقة وجرى دفنهم فى مقبرة جماعية فى إحدى الساحات بعد أن خلت غزة من أماكن للدفن.
> > >
المخزى فى سياق هذا التضليل الأمريكى والخطاب السياسى المنحاز للعدوان الإسرائيلى أنه بينما يصف ذلك العدوان الوحشى وتلك المجازر بأنها حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها رغم أنها دولة الاحتلال والعدوان فإنه ينكر على الشعب الفلسطينى حقه فى المقاومة المشروعة بحسب الشرعية والقوانين الدولية، بل يُنكر عليه الحق فى الدفاع عن نفسه فى مواجهة حرب الإبادة التى يبررها للكيان الصهيونى.. منتهى السفالة السياسية وانعدام العدالة والنزاهة من جانب أكبر دولة ديمقراطية فى العالم تدعى دعم حرية الشعوب فى تقرير مصيرها والانحياز للقانون الدولى ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة!
> > >
لقد سقطت أمريكا فى اختبار الحرية وحقوق الإنسان واحترام الشرعية والقوانين الدولية مثلما سقطت فى اختبار الديمقراطية حسبما تبدى فى مشهد الانتخابات الرئاسية على هذا النحو من تدنى لغة خطاب الحملات الانتخابية للمرشحين المتنافسين ترامب وهاريس، حيث تبادل الاثنان السباب الشتائم وبعبارات لاذعة ومهينة لا تليق بأكبر دولة ديمقراطية حسبما تتشدق، حيث بدا الهجوم المتبادل نوعا من “الردح” السياسى.
وبينما كان ترامب هو المبادر بذلك “الردح” والذى اتسم بالعنف والحدة والسخرية من منافسته، فقد جاء خطاب هاريس فى ردها عليه عاطفيا لجذب أصوات الناخبين المتأرجحين وحيث بدا نوعا من “السهوكة” بحسب التعبير المصرى الدارج، مع ملاحظة أن هذه “السهوكة” لا تعنى أنها ملاك بل غالبا ما تكون الغطاء الذى يخفى شيطانية كبيرة.
خلاصه القول أنه لا مصلحة حقيقية للعرب والفلسطينيين في فوز أي من المرشحين إذ لا جديد في الموقف الأمريكي الدائم المعادي للعرب والمنحاز لاسرائيل ومن ثم لا عدالة ترجى من الولايات المتحدة
هذه هي الحقيقه حتى لا يقول العرب والفلسطينيون كثيرا أو قليلًا على نتيجة الانتخابات الرئاسيه الامريكيه سواء فاز ترامب او فازت هاريس.