أسامة أيوب يكتب: قراءة فى مشهد استشهاد السنوار
على العكس تمامًا من رهانات مجرم الحرب نتن ياهو رئيس حكومة الكيان الصهيونى والرئيس الأمريكى الصهيونى (بحسب وصفه لنفسه) جو بايدن، فإن استشهاد القائد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» لن ينهى المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال اليهودى الغاصب، بل إنه وحسبما تبدّى جليًا بعد استشهاد السنوار سوف يزيدها إصرارا على مواصلة المقاومة رغم قلة الإمكانت والقدرات في مواجهة أكبر وأقوى ترسانة عسكرية فى المنطقة.
لقد جاءت مشاهد وصور اللحظات الأخيرة لاستشهاد السنوار التى بثها الجيش الإسرائيلى مرتديا ملابس القتال العسكرية.. جالسًا على كرسى فى أحد المنازل المهدمة والمهجورة بحي تل السلطان فى رفح جنوب غزة، لتكذب كل مزاعم وأكاذيب الكيان الصهيونى التى ادعت أنه يختبئ داخل الأنفاق ولا يشارك مقاتلى الحركة الاشتباك مع قوات الاحتلال.. هربا من القتل، مثلما كذبت مزاعم هروبه خارج غزة، حيث تأكد أنه رفض عروضا من دول الإقليم للخروج الآمن مع أسرته بعد الحصول على ضمانات إسرائيلية.
إن صور استشهاد السنوار أظهرت شجاعة وبسالة القائد الفلسطينى المقاوم الذى لم يفر ولم يهرب ولم يستسلم واستشهد وهو مقبل غير مدبر على حد تعبير بيانات حماس، بل لقد جاء مشهد رميه للعصا التى كانت فى إحدى يديه على الطائرة “الدرون” التى صورته لتؤكد أنه ظل يقاوم رغم إصابته فى اليد الأخرى رغم إدراكه أنه مفارق للحياة وحيث صارت هذه اللقطة مثلا يضرب سيضاف إلى الأمثال العربية الشهيرة للدلالة على عدم الاستسلام والمقاومة حتى الرمق الأخير، إذ سيقال فى استدعاء مثل ذلك الموقف: ورميت بعصا السنوار.
<<<
ثم إن مشاهد استشهاد السنوار التى تسرع الجيش فى بثها كشف أن اغتياله تم بالمصادفة ولم يكن مقصودًا، إذ لم يكن الجنود الصهاينة الذين ظلوا يطلقون مئات الأعيرة النارية عليه يعلمون أنه السنوار إلا بعد استدعاء دبابة أمام المنزل أطلقت عليه مدافعها ظنًا منهم أنه أحد مقاتلى حماس، إذ كانوا بحكم الجبن يخشون اقتحام المنزل.
لقد انقلب السحر على الساحر فى مشهد استشهاد السنوار البطولى حيث صار أسطورة فى الشجاعة والمقاومة وهو الأمر الذى أثار غضب وحقد مجرم الحرب نتن ياهو، وبدلًا من أن يكون اغتيال السنوار بداية مسار سياسى لوقف العدوان على غزة وإبرام صفقة تبادل الأسرى، فإن مجرم الحرب صعد من العدوان الوحشى علي المدنيين فى شمال غزة وحرقهم أحياء.
وفى نفس الوقت فإن تصعيد العدوان واجهته المقاومة بتصعيد عملياتها العسكرية والتصدى لقوات الاحتلال وتكبيدها خسائر فادحة فى المعدات والجنود والتى بلغت ذروتها عندما قام مقاتلو حماس بإعادة إطلاق صاروخ إسرائيلى لم ينفجر على دبابة صهيونية متوغلة، حيث أسفر عن تدميرها بمن فيها وعلى رأسهم لواء “درزى!” بالجيش الإسرائيلى.
<<<
ولأنه من المعلوم أن السنوار كان يتوقع اغتياله فى أى لحظة، بل إنه كان يتمنى استشهاده باعتباره ختام مسيرته النضالية الكبيرة التى قضى منها أكثر من عشرين سنة من عمره معتقلًا فى سجون إسرائيل خرج بعدها ليستأنف المقاومة ضد الاحتلال حتى استشهاده حيث ارتفع إلى أعلى مراتب البطولة والشجاعة وصار أسطورة فلسطينية وصارت عصاه أيقونة فلسطينية خاصة بعد أن قام أطفال غزة برفع العصي تقليدًا وتخليدًا لمشهد استشهاده وهو يلقى عصاه على الطائرة التى صورت المشهد.
<<<
إن اغتيال السنوار على ذلك النحو غير المقصود قبل التعرف عليه يعد فى حقيقة الأمر إحدى كرامات هذا القائد المسلم الشريف والصادق، إذ لو تعرف عليه جنود الاحتلال قبل قتله لكانوا اعتقلوه حيًا وأهانوه انتقامًا وحشيًا من جانبهم واحتفالًا بما يزعمون أنه انتصار على قائد المقاومة الذى أذل كبرياء الجيش الإسرائيلى فى عملية “طوفان الأقصى” فى السابع من أكتوبر من العام الماضى، غير أن المشيئة خيبت أمانيهم إكرامًا لهذا القائد وللمقاومة وجاء موته استشهادًا فى سبيل الله والدفاع عن الأرض المحتلة وضد الكيان اليهودى الصهيونى الإرهابي الغاصب، لذا فقد أثارت هذه النهاية البطولة الأسطورية المشرفة للسنوار والتى تسرع الجيش فى بث مشاهدها قبل التعرف عليه فى غضب الكيان الصهيونى، إذ جاءت هذه النهاية الاستشهادية على عكس ما تمنى مجرم الحرب نتن ياهو.
إن التاريخ العربى سيذكر السنوار فى أنصع صفحاته باعتباره قائد عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر من العام الماضى التى انطلقت ردا على الإرهاب الصهيونى وقمع واعتقال وقتل الفلسطينيين فى الضفة الغربية والاعتداء على المقدسات الإسلامية العربية فى القدس والمسجد الأقصى وردًا على جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين فى بلدات الضفة ثم ردًا على الحصار الإسرائيلى على غزة الذى دام لأكثر من ١٧ عامًا وهى العملية التى وصفها فى تصريح موضوعى وعادل أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة بأنها لم تأت من فراغ.
<<<
ثم إن السنوار الذى استشهد وهو مقبل غير مدبر وعلى هذا النحو البطولى الشجاع يكون قد سجل اسمه فى التاريخ الإنسانى إلى جوار قادة حركات التحرر الوطنى فى العالم، فى الوطن العربى وأفريقيا وأمريكا الجنوبية أمثال عمر المختار ونيلسون مانديلا وباتريس لومومبا وجيفارا وعبدالكريم الخطابى وعبدالقادر الجزائرى وغيرهم.
<<<
إذا كان الطريق لايزال طويلًا أمام المقاومة الفلسطينية لإنهاء الاحتلال الصهيونى، فإن الأمر المؤكد أنها لن تتوقف رغم كل الصعوبات التي تعترض طريق التحرر بفعل الدعم الأمريكى الغربى غير المحدود للكيان الصهيونى الذى بدا أنه الذراع الأمريكية العسكرية فى المنطقة، وسوف تتواصل المقاومة حتى وإن طال الزمن لأنها الخيار الفلسطينى الاستراتيجى.
اللافت المشين بعد استشهاد السنوار كان موقف الرئيس الأمريكى الصهيونى جو بايدن قبل أسابيع من نهاية ولايته ومغادرته للبيت الأبيض حاملًا معه العار لمشاركته فى قتل الأطفال والنساء فى غزة وتدميرها حيث احتفى بقتل السنوار واصفًا اغتياله بأنه تحقيق للعدالة بزعم أنه قتل المئات من الأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم.. متغافلا بسوء نية وكذبا عن قتل أطفال ونساء غزة وعن حرب الإبادة التي شنها ومازال يشنها مجرم الحرب نتن ياهو بالأسلحة أمريكية الصنع، وكأن قتل أطفال ونساء غزة هو العدالة!
أما الأشد أسفًا أن ترتفع أصوات عربية بالتشفي فى استشهاد السنوار ووصفه بالإرهابى ووصف المقاومة بالإرهاب فى نفس الوقت الذى ارتفعت فيه نفس الأصوات العربية برفض وصف السنوار بالشهيد وتنزع عنه درجة الشهادة التى استحقها عن جدارة وبالإجماع، بل إن هذه الأصوات تهاجم بعنف وبصلف من يترحمون عليه، وحيث بدت هذه الأصوات متماهية مع الكيان الصهيونى وضد المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال ومن ثم فإنها بدت مؤيدة لاغتيال قائد المقاومة فى غزة! ولذا فإن الخزى والعار سوف يلاحقان تلك الأصوات العربية النشاز الخارجة عن العروبة والإسلام.
<<<
الأكثر مدعاة للخزى والعار كان ذلك التقرير الحقير الذى أذاعته فضائية MBC للتشفى فى مقتل السنوار فى إغفال لوصف استشهاد، وحيث انطوى على إساءة لا تغتفر للمقاومة الفلسطينية بوصفها إرهابية وبوصف السنوار بالإرهابى، وحيث بدا تقريرًا صهيونيًا يذاع من قنوات التليفزيون الإسرائيلى حسبما شهد بذلك الصهاينة أنفسهم، ومن ثم فقد وصمت هذه الفضائية نفسها بالصهيونية ونزعت عن نفسها عروبتها، وحسنا فعلت هيئة الإعلام السعودية باعتذارها عن هذا التقرير الذى تم حذفه بينما لم تعتذر الفضائية عن هذا الخطأ الفادح!