د.محمد فراج يكتب: نجاح قمة «بريكس» هزيمة للهيمنة الأمريكية والغربية
خطوة جديدة نحو عالم متعدد الأقطاب
نجاح كبير حققته القمة السادسة عشرة لمجموعة “بريكس” التى انعقدت فى مدينة قازان الروسية (22– 24 أكتوبر الجارى) وهى القمة الأولى التى تحضرها مصر بصفتها عضوا فى المجموعة، بعد انضمامها إليها رسميا منذ بداية يناير من هذا العام، ومعروف أن المنظمة تأسست عام 2006 من خمس دول هى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، واكتسبت اسمها من الحروف الأولى لهذه الدول باللغة الإنجليزية “BRICS” وظلت عضويتها مقصورة على هذه الدول الخمس حتى أقرت قمة جوهانسبرج فى جنوب أفريقيا العام الماضى قبول خمسة أعضاء جدد بينها مصر بدءًا من 1 يناير 2024، والدول الأربع الأخرى هى السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا، كما تقدمت بطلبات للعضوية دول أخرى لها وزنها السياسى والاقتصادى المهم كالجزائر وتركيا واندونيسيا وماليزيا وغيرها.
وتنتج “بريكس” حوالى ثلاثين بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وتضم فى عضويتها أكثر من أربعين فى المائة من سكان العالم، حيث إن الصين والهند يبلغ سكان كل منهما أكثر من ألف وأربعمائة مليون نسمة، كما أن من بين أعضاء المجموعة ثلاث دول نووية هى روسيا والصين والهند.
وقد نشأت المجموعة تحت شعار رفض الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والعسكرية الأمريكية والغربية على العالم، والدعوة إلى إقامة نظام عالمى متعدد الأقطاب، تتمتع فيه كل الدول بفرص متكافئة لتحقيق التنمية وبعلاقات دولية أكثر عدالة وتحررًا من سطوة الدول الغربية الكبرى ومؤسسات التمويل الدولية الخاضعة لها، والتى تفرض أنماطا للعلاقات الاقتصادية والمالية تحقق مصالح الدول الغربية الكبرى على حساب بقية شعوب العالم التى تتعرض للنهب والاستغلال الاستعمارى فى ظل أوضاع التبعية.
حضور كبير وآلية جديدة
قمة قازان شهدت حضورًا كبيرًا بصورة لافتة للنظر، إذ شارك فيها أكثر من ثلاثين رئيسًا ورئيس حكومة ومسئولًا رفيع المستوى، فضلًا عن قادة منظمات دولية وإقليمية يتقدمهم أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة وبعد انتهاء قمة رؤساء بريكس يومى 22 و23 أكتوبر انعقدت قمة أوسع “الخميس 24 أكتوبر” حملت اسم قمة “بريكس+ /بريكس بلاس” حضرها بصفة رسمية رؤساء دول المجموعة، بالإضافة إلى رؤساء وممثلى الدول الشريكة والمتقدمة بطلبات العضوية لم يتم البت فيها لسبب أو لآخر، من أبرزهم مثلا الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو والرئيس الكازاخى توكابيت، والأوزبكى شوكت ميرضباين وغيرهم، وقد أكد هؤلاء الرؤساء دعمهم للمجموعة وتوجهاتها، بما فى ذلك مقررات قمة رؤساء بريكس المتمثلة فى إعلان قازان كما عبروا عن مواقف بلادهم من مختلف القضايا الدولية، والتى تنسجم عمومًا مع مواقف بريكس والجوانب السياسية والاقتصادية “لإعلان قازان” وصيغة “بريكس+” للمجموعة وشركائها وأصدقائها هى آلية جديدة تتيح مشاركة أوسع وأكثر قربا للشركاء من الدول الراغبة فى التعاون بصورة أوثق مع “بريكس” والمشاركة فى أنشطتها، وعلى سبيل المثال فإن دولة مثل تركيا هى عضو فى حلف شمال الأطلنطى “الناتو” بينما تقضى قواعد العضوية “بريكس” بعدم قبول الدول الأعضاء فى ذلك الحلف باعتباره أداة رئيسية للهيمنة الغربية، إلا أن مواقف تركيا تحت قيادة أردوغان تجعلها بمثابة “الشريك المخالف” للناتو والدول الغربية الكبرى، فيما يتصل بعدد كبير من قضايا العلاقات الدولية ومواقف أردوغان هى أقرب لمواقف “بريكس” فى مسألة رفض الهيمنة وأغلب القضايا عمومًا، وهنا تبدو صيغة “بريكس+” مناسبة للتعاون الوثيق مع تركيا، وهذا مجرد مثال.
وهناك دول أخرى يمكن ألا تكون ظروفها الاقتصادية أو ملابسات علاقاتها مع الغرب ومؤسسات التمويل الدولية ملائمة لانضمامها رسميا لـ”بريكس”، بينما تمثل صيغة “بريكس+” الأوسع والأكثر مرونة صيغة مناسبة لتحقيق تعاون أكثر وثوقًا بدون عضوية المجموعة بالضرورة.
انتصار سياسى لروسيا
والواقع أن هذا الحضور الدولى الواسع لقمة قازان بالإضافة إلى التوافق الواضح فى الآراء سواء فى القمة الأساسية أو قمة “بريكس+” يمثل انتصارا سياسيا كبيرا لروسيا، التى جرت القمة فى ظل حملة سياسية وإعلامية أمريكية وغربية شرسة ضدها، ودعوات مستمرة لحصارها وعزلها، على خلفية المواجهة الشاملة المحتدمة بينها وبين “الناتو” والغرب فى أوكرانيا، علمًا بأن جدول أعمال القمة ومقرراتها فى إعلان قازان تدور كلها فى إطار مواجهة الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأمريكية والغربية فى العالم
إعلان قازان
تضمن “إعلان قازان” الصادر عن القمة السادسة عشرة لـ”بريكس” بنودا اقتصادية ومالية وسياسية عديدة من أهمها فى المجال الاقتصادى والمالى:
1 – إجراء إصلاحات جوهرية فى صندوق النقد والبنك الدوليين تتيح لدول الأسوق الصاعدة والدول النامية دورا أكبر فى إدارة أعمالها، وخاصة صندوق النقد الدولى بما يسمح بتحقيق مصالح هذه الدول ووضع حد لهيمنة الدول الغربية الكبرى على هاتين المؤسستين.
2 – العمل على إنشاء آلية جديدة للمدفوعات والتسويات الدولية فى إطار “بريكس” بعيد عن منظومة سويفت تحمل اسم “بريكس كلير” وتتيح لدول المجموعة تسوية مدفوعاتها بعيدا عن هيمنة وتحكم “سويفت”.
3 – تشجيع التوسع فى التجارة بين دول المجموعة باستخدام العملات الوطنية، ونجد من الضرورى هنا أن نشير إلى أن هذا لا يعنى الامتناع عن استخدام الدولار أو اليورو أو غيرهما من العملات الغربية “الصعبة” التى لاتزال تسيطر على الأسواق العالمية، لكن التبادل بالعملات الوطنية يؤدى إلى تقليص الاعتماد على الدولار واليورو والعملات الغربية بصورة تدريجية وهذا فى حد ذاته أمر إيجابى وبالغ الأهمية.
كما يجب الإشارة إلى أن حدد قبول أى دولة للعملات الوطنية للدول الأخرى يرتبط بما يمكن لهذه العملات شراؤه فى أسواق الدول الأخرى، وعلى سبيل المثال فإن دولة كمصر أو غيرها لا تستطيع الدفع إلى دولة أخرى بالعملة الوطنية إلا بمقدار ما تستطيع تصديره من السلع والخدمات إلى هذه الدولة، ومع ذلك فإن التبادل بالعملة الوطنية يقلل تدريجيا من حاجة تلك الدول للاعتماد على الدولار فى تجارتها، وبالتالى فإنه يقلص هيمنة الدولار والعملات الغربية على الأسواق.
4 – تشجيع توسيع نطاق عمل بنك التنمية الجديد التابع لـ”بريكس” وتوسيع مشاركات الدول الأعضاء فيه، بحيث يكون “بنكا متعدد الأطراف” وقادرا علي تمويل مزيد من الاستثمارات فى دول المجموعة.
5 – تشجيع إقامة مشروعات لوجستية جديدة من الطرق والموانئ وغيرها تربط بين دول المجموعة.
6 – دعم المبادرة الروسية لإنشاء بورصة جديدة للقمح والحبوب وتوسِّع هذه الفكرة مستقبلا لإنشاء بورصات جديدة للحاصلات الزراعية والمعادن وغيرها بما يمنع احتكار البورصات الغربية “بورصة شيكاغو للقمح مثلا” ويتيح وجود توازن فى الأسواق والتحكم فى تقلبات الأسعار.
ثانيا: أما فى المجال السياسى والاستراتيجى فمن أهم هذه المقررات:
1 – تعزيز نظام منع الانتشار النووى وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط
2 – دعم مطلب انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة ضمن حدود الرابع من يونيو 1967.
3 – وقف العدوان الإسرائيلى على الشعبين الفلسطينى واللبنانى
4 – الاحترام غير المشروط لسيادة سوريا وحماية استقلالها وسلامة أراضيها.
.. وهناك قرارات أخرى عديدة هامة تتصل بحماية المناخ وإقامة مركز للإنذار المبكر من الأوبئة والتعاون فى مواجهتها، وبالتنمية البشرية وغيرها من القضايا الهامة.
والحقيقة أن القمة السادسة عشرة للبريكس تمثل خطوة هامة للأمام فى تطور نشاط المنظمة، كما أن مواقف القمة تجاه القضايا العربية إيجايبة بصورة واضحة.
ماذا تكسب مصر؟
انضمام مصر إلى “بريكس” يُتيح لها المشاركة فى نشاط مجموعة دولية بالغة الأهمية، تُمثل أهم التكتلات الفاعلة فى عملية بناء عالم جديد متعدد الأقطاب، متحرِّر من هيمنة القطب الواحد بكل سلبياتها التى لا تحتاج إلى الحديث عنها. الأمر الذى يعزِّز مكانة مصر الدولية، كما يتيح هذا الانضمام لمصر الاستفادة من الآليات الاقتصادية الجديدة التى تعمل المجموعة على إقامتها.
وعلى المدى القصير فإن نقطة واحدة مثل تشجيع التبادل بالعملات المحلية سيتيح لمصر تخفيف الضغط على مواردها الدولارية بصورة جيدة، فضلا عن تنشيط تجارتها الخارجية، ويكفى أن نُشير إلى البيان الصحفى الصادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول “بريكس” والذى يوضح أن حجم التبادل التجارى بين مصر ودول البريكس زاد من 26.2 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 إلى 30.2 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجارى (2024)، كما زادت الصادرات المصرية إلى دول البريكس من 5.3 مليار دولار إلى 5.7 مليار دولار خلال نفس الفترة، وبنسبة 7% وهذه خطوة أولى، والمستقبل أفضل بإذن الله..