أسامة أيوب يكتب: العرب فى مواجهة خطر نكبة ثانية
بعدوانه الوحشى المتواصل منذ أسابيع على الضاحية الجنوبية لبيروت والذى امتد إلى العاصمة اللبنانية ذاتها بينما لايزال يواصل العدوان على غزة والذى ازداد وحشية فى الأيام الأخيرة، فإنه يؤكد المؤكد أنه ماضٍ قدما فى تنفيذ مخططه الذى أعلن عنه صراحة لتغيير الشرق الأوسط ومن ثم فإنه يسعى بتلك العربدة فى المنطقة المدعومة من الولايات المتحدة لإشعال حرب إقليمية واسعة بدت بوادرها منذ عام بالعدوان على غزة واقترب وقوعها بالعدوان على لبنان.
ولأن مخطط إشعال حرب إقليمية شاملة لن يتحقق إلا بجر إيران إليها، فإن نتن ياهو يستعد لتوجيه ضربة عسكرية ضدها لاتزال قيد البحث مع إدارة الرئيس الأمريكى بايدن، والذى يرجوه!! ألا تتضمن الضربة المنشآت النفطية أو النووية حتى لا تتأثر إمدادات وأسعار النفط فى العالم وحتى لا تُقدّم طهران برد قوى سوف يستدعى بالضرورة تدخلا أمريكيا وهو التدخل الذى يستهدفه نتن ياهو لجر واشنطن إلى حرب إيران سواء فازت هاريس أو ترامب.
<<<
إن الدعم العسكرى الأمريكى لإسرائيل في عدوانها على لبنان بأطنان من القنابل الفتاكة التي تخترق الجدر المحصنة تحت الأرض والتى قتلت حسن نصرالله وقيادات حزب الله وتدمر المبانى فى الضاحية وفى بيروت ومقتل المدنيين اللبنانيين بوحشية وبشاعة.. هذا الدعم الأمريكى لمجرم الحرب نتن ياهو يؤكد أن واشنطن شريك كامل للكيان الصهيونى فى العدوان وفى حرب الإبادة وقتل المدنيين فى لبنان وفلسطين.
ورغم نجاح القوات الصهيونية فى إلحاق خسائر كبيرة لحزب الله بعد تدمير الكثير من قدراته العسكرية وقتل عدد كبير من قياداته وكوادره العسكرية من الصفين الأول والثانى إلا أن الحزب الذى شكل قيادة جماعية لايزال يقاوم ببسالة منقطعة النظير ضد قوة صهيونية غاشمة لديها أحدث الأسلحة والطائرات، حيث ألحق خسائر فادحة بإسرائيل عبر المسيرات والصواريخ التى نجحت فى خداع واختراق أنظمة الدفاع الصهيونية.
غير أن نتن ياهو مستمر فى عدوانه جوًّا وبرًّا رغم خسائره ورغم الذعر فى الداخل الإسرائيلى خاصة فى حيفا وتل أبيب جراء هجمات مسيرات وصواريخ حزب الله، وحيث بدا أنه يستهدف بالفعل احتلال جنوب لبنان والبقاء فيه طويلا، وهو الأمر الذى أكده مطالبته لقوات الأمم المتحدة “اليونيفيل” بالانسحاب من أماكنها بعد أن تعرضت لاعتداءات من القوات الإسرائيلية، حيث اعتبرها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش جرائم حرب.
<<<
ولأن نتن ياهو ماض قدما في عربدته العدوانية دون أن يجد من يوقفه من المجتمع الدولى ولا من المنظمة الأممية والتى ينتهك بصفاقة كل مقرراتها وكل مناشداتها رغم أن الرئيس الفرنسى ماكرون نبهه أو بالأحرى وبخه فى تصريح لم يكن متوقعا من رئيس فرنسى إلى أن دولة إسرائيل تأسست بقرار من الأمم المتحدة، ولأن العدوان مع معاناة أكثر من مليون لبنانى اضطروا للنزوح فى غيبة أوضاع معيشية إنسانية، فإن لبنان وشعبه يواجه خطرا داهما قد يتحول إلى كارثة حقيقية قد تستمر تداعياتها لسنوات قادمة.
وإذا كان الشعب الفلسطينى الأعزل في غزة قد سجل رقمًا قياسيًا في التاريخ الإنسانى الحديث للصمود والشجاعة والتمسك بالأرض في مواجهة عدوان صهيونى وحشى وحرب إبادة حقيرة وتجويع وحصار وقتل بكل خسة للأطفال والنساء وكبار السن منذ ما يزيد على العام.
وإذا كانت حركة المقاومة الإسلامية حماس ومعها حركة الجهاد قد سجلت أيضا بسالة وشجاعة وبطولة غير مسبوقة فى مواجهة العدوان الصهيونى المدعوم سياسيا وماليا وعسكريا من الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاؤها من الدول الغربية الاستعمارية، فإن القراءة السياسية الموضوعية لكل ما جرى فى غزة تتطلب ضبط وتصحيح المصطلحات المتداولة دوليا وإقليميا بل عربيًا أيضًا، ذلك أن وصف العدوان الوحشى على شعب أعزل وقتل الأطفال والنساء بالحرب يعد مغايرًا للحقيقة، إذ إن الوصف الصحيح هو العدوان، باعتبار أن الحرب تكون بين دولتين لكل منهما جيش، بينما ما جرى هو عدوان من جانب جيش الاحتلال الصهيونى بما لديه من ترسانة عسكرية هى الأكبر في المنطقة ضد حركة مقاومة سنية سلاحها بدائى تمارس حق المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، ثم إن هذا العدوان امتد وبضراوة ضد المدنيين العُزل بعد أن عجز أمام رجال المقاومة.
ثم إن الدعوات الدولية والأممية والعربية لما أسمته وقف إطلاق النار فى غزة كانت أيضا غير معبرة عن حقيقة العدوان، إذ ساوت بين العدو الصهيونى وبين المقاومة وبين الشعب الأعزل الذى يتعرض للقتل والتشريد، مع ملاحظة أن مجرم الحرب نتن ياهو هو الذى ظل يرفض كل مبادرات وقف إطلاق النار “العدوان” ومن بينها وأهمها قرار مجلس الأمن ثم مبادرة الرئيس بايدن المتواطئ مع نتن ياهو.
ثم إنه من السفالة السياسية والتضليل الغربى أن تصف أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون حركة المقاومة بالإرهاب ويجرى تصفيتها كمنظمة إرهابية فى إنكار وانتهاك لمبادئ القانون الدولى والشرعية الأممية التى تقر حق الشعب الفلسطينى المشروع فى مقاومة الاحتلال.
فى سياق هذه السفالة السياسية والتضليل القانونى والتاريخى تتغافل أمريكا عن إرهاب الدولة الذى يمارسه الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى طوال ثمانية عقود، وتتغافل أيضا عن أن العصابات الإرهابية الصهيونية التى مارست الإرهاب ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض منذ عشرينيات القرن الماضى وهى التى أقامت هذا الكيان الغاصب المحتل.
إن الحقيقة التى بات ضروريا ألا يغفل عنها العرب جميعًا والتى تأكدت ألف مرة هى أن الولايات المتحدة هى راعية الإرهاب الصهيونى والاحتلال الإسرائيلى، وهى التى تمارس سياسة الكذب والخداع بالحديث عن حل الدولتين، إذ إنها تدعم المخطط الصهيونى بالاستيلاء على كل ما تبقى من فلسطين التاريخية لإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات والتى تشمل الأردن وأجزاء من سوريا ولبنان والسعودية وسيناء حتى وإن طال الزمن.
القراءة الموضوعية لمشهد العدوان علي غزة ولبنان تقتضى الانتباه بدقة وبصراحة إلى تطورات القتال على أرض الواقع، إذ إنه مع كل مشاعر الفخر والاعتزاز بالقتال البطولى الشجاع الذى يرقى إلى درجة المعجزة الحربية لحركات المقاومة فى معارك غير متكافئة بأى مقياس عسكرى، ولأن الشرعية الدولية الأممية عاجزة عجزًا مخزيا عن وقف العربدة الوحشية الصهيونية وحماية الشعبين الفلسطينى واللبنانى من مجازر وحشية غير مسبوقة منذ غزوات المغول والتتار، ولأن التعويل على المجتمع الدولى نوع من الوهم، ولأن انتظار أى تحرك أممى لوقف العدوان فى ظل الهيمنة الأمريكية الغاشمة على العالم وحمايتها للكيان الصهيونى، فإن الأمر المرجح أن تضيع القضية الفلسطينية وأن يواجه لبنان خطر احتلال أراضيه.
<<<
الحقيقة الأخرى وسط العجز العربى الجماعى عن أى تحرك فاعل هى أن الأمة العربية على مشارف نكبة جديدة ثانية بعد نكبة عام 1948، وإذا كانت النكبة الأولى قد أضاعت نصف فلسطين ولم تحرر النصف الثانى، فإن النكبة المرتقبة سوف تضيع معها كل فلسطين، ولا عزاء للجامعة العربية.
الأخطر أن النكبة الثانية لن تسفر عن ضياع كل فلسطين التاريخية، بل قد تمتد وفقا للمشروع الصهيونى المدعوم من الغرب الأمريكى الأوروبى إلى أجزاء من خريطة المشرق العربى، وحيث بات الأمن القومى العربى كله فى خطر داهم ولو بعد عقود، وهو الأمر الذى يتعين أن يتحسب له العرب جميعًا من خلال استراتيجية جماعية قوية، فإن تغافل العرب وأهملوا فسوف يكون حساب التاريخ والأجيال القادمة قاسيا.
إنه جهاد.. نصر أو استشهاد
اغتيال السنوار لن يوقف المقاومة
باغتيال القائد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة حماس.. حسبما أذاعت هيئة البث الإسرائيلية عصر يوم الخميس الماضى وقت إعداد صفحات «الأموال» للطبع، فإن مجرم الحرب نتن ياهو.. سوف يعتبر ذلك نصراً ظل مستعصياً تحقيقه طوال عام من العدوان على غزة، ومن ثم فإنه لم يعد لديه مبرر أمام المواطنين الإسرائيليين وخاصة أهالى الرهائن للاستمرار فى الحرب حيث جاء الوقت لاستعادة الرهائن فى إطار صفقة تبادل.
وفى نفس الوقت فإن الرواية الإسرائيلية عن مقتل السنوار فى اشتباك مع جنود الاحتلال.. بدت كاذبة وغير حقيقية إذ إنه كان بين جنوده من مقاتلى الحركة فى منزل بحى السلطان فى رفح بجنوب القطاع حيث تعرض المنزل لقصف طائرة مسيرة استشهد بعدها هو ومن معه، أى أن اغتياله الغادر كان غير مقصود ولم يكن فى معركة مع جنود الاحتلال، أما الصور التى نشرتها إسرائيل لجثة السنوار المشوهة فقد جاء نشرها مخالفاً للتقاليد والأعراف الإعلامية المحترمة. حيث أكدت وحشية الكيان الصهيونى بقدر ما عكست حالة التشفى والحقد لدى مجرم الحرب «نتن ياهو» ووزير دفاعه «جالانت» الذى استخدم فى تعليقه على اغتيال السنوار آية مزورة من التوراة تمجد قتله وقتل الأغيار من اليهود، ورغم امتناع حركة حماس، حتى كتابة هذه السطور، عن إصدار بيان بشأن الاغتيال إلا أن الصورة المنشورة إضافة لتحليل الـ “DNA” التي تحتفظ بها إسرائيل للسنوار عندما كان معقتلاً فى سجونها يؤكدان أنه قد استشهد بالفعل.
السؤال الآن.. ماذا بعد اغتيال السنوار؟ الذى خلف إسماعيل هنية فى رئاسة المكتب السياسى لحماس بعد اغتياله فى طهران قبل أسابيع، الإجابة المؤكدة ووفقاً لأدبيات المقاومة الفلسطينية.. هي أن حماس لديها ألف سنوار، ومن ثم فإن المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الصهيونى المدعوم أمريكياً مستمرة رغم الضربات التى تلقتها الحركة.
يبقى أخيراً أن استشهاد السنوار حقق شعار المقاومة الذى يردده «أبوعبيدة».. «إنه جهاد.. نصر أو استشهاد».
<< آخر الكلام <<
عن حديث السيد أحمد أبوالغيط أمين عام جامعة الدول العربية
الأسبوع الماضي على فضائية “صدى البلد”.. لا تعليق!