أسامة أيوب يكتب : من التصعيد العسكرى ضد حزب الله ولبنان.. هل يتحقق مسعى نتنياهو لإشعال حرب إقليمية؟
المخططات الصهيونية لإقامة إسرائيل الكُبرى.. خطر داهم محدق بالأمة العربية
بينما يتواصل العدوان الصهيونى الوحشى على قطاع غزة الذي سيكمل العام الأسبوع المقبل فى أبشع حرب إبادة فى التاريخ الحديث ضد الشعب الفلسطينى الأعزل.. أسفرت عن استشهاد وإصابة نحو ١٥٠ ألفًا من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء، وحيث يعانى فلسطينيو القطاع جراء حرب التجويع والحصار والتدمير الشامل فى انتهاك لمبادئ القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى وسط العجز المخزى للمجتمع الدولى والدعم السياسى والمالى والعسكرى غير المحدود من جانب الولايات المتحدة ومعها دول الغرب الأوروبى الاستعمارية.
وبينما امتد ذلك العدوان الصهيونى على غزة إلى الضفة الغربية المحتلة متمثلًا في اقتحامات وحصار المدن والبلدات وفي قتل واعتقال المدنيين من جانب قوات الاحتلال وحيث تصاعدت اعتداءات المستوطنين اليهود على القرى وأهلها بكل وحشية، وهو الأمر الذى يؤكد أن الكيان الصهيونى ماض قدمًا فى مخطط تهويد الضفة الغربية تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، حيث يكون الفلسطينيون أمام خيارين، وثالثهما القتل.. إما التهجير القسرى أو يتحولوا إلى مجرد سكان من الدرجة الثالثة يعيشون تحت وطأة وبطش الاحتلال فوق أراضيهم دون أى حقوق مدنية وإنسانية.
<<<
لذا فإن حل الدولتين الذى تتحدث عنه الولايات المتحدة عبر كل الإدارات الحالية والسابقة يظل وهمًا وتضليلًا أمريكيًا، بل أوروبيا أيضا لاستهلاك الوقت وللتغطية على المخطط الصهيونى الذي كشف عنه مجرم الحرب نتن ياهو بكل وضوح وغطرسة عندما أكد وتعهد بأنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة فى المستقبل القريب أو البعيد، وهو الأمر الذي تتفق فيه كل قيادات الكيان مع نتن ياهو حتى الذين يتظاهرون بعدم الممانعة في إقامتها مستقبلًا عبر مفاوضات.
ثم إنه بافتراض موافقة إسرائيل تحت الضغوط الدولية والأمريكية وهو افتراض بعيد، فإن ما تبقى من الأراضى في الضفة الغربية بعد ابتلاع المستوطنات غير الشرعية لأجزاء كبيرة منها هو بضعة أجزاء متناثرة غير متصلة وعلى النحو الذى لا يصلح لإقامة دولة حقيقية متصلة الأطراف، ولذا فإنه من المثير الحديث عن دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية التى تعتبرها إسرائيل عاصمتها الأبدية بدعم أمريكى دائم ومتواصل خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى ولاية ترامب.
<<<
ولقد جاء التصعيد الاسرائيلى بالعدوان الذي بدأ الأسبوع الماضى على لبنان وجنوبه تأكيدًا لسعى مجرم الحرب نتن ياهو نحو توسيع الصراع وجر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، بدأها بالتصعيد ضد حزب الله بتلك الغارات الجوية الكثيفة والتى امتد قصفها إلى العاصمة اللبنانية بيروت.
ورغم ادعاء نتن ياهو وحكومته المتطرفة بأن الغارات تستهدف تدمير قدرات حزب الله العسكرية وقياداته فقط، إلا أنها أسفرت عن مقتل أعدد كبيرة من المدنيين، بينما نجح العدوان فى قتل أهم قيادات الحزب العسكريين وآخرهم محمد قبيس قائد منظومة الصواريخ.
<<<
العدوان العسكرى الصهيونى على حزب الله فى جنوب لبنان سبقه عدوان آخر بالغ الخسَّة باختراق أجهزة الاتصال "البيجر" والأجهزة اللاسلكية التى يستخدمها مقاتلو حزب الله وتفجيرها الذى أسفر عن مقتل المئات وإصابة نحو ألفين آخرين من مقاتلى الحزب والمدنيين اللبنانيين، وحيث كانت الإصابات جراء الانفجار بالغة البشاعة، إذ فقد الكثيرون أياديهم وأرجلهم وعيونهم.
اختراق أجهزة الاتصالات لدى حزب الله وتفجيرها كان ضربة مؤلمة غير مسبوقة في تاريخ الصراع والمواجهات بين الحزب وإسرائيل حسبما اعترف بذلك حسن نصر الله أمين عام الحزب فى خطابه عقب تلك التفجيرات.
تلك الضربة المؤلمة التى تلقاها حزب الله باختراق اسرائيل لأجهزة اتصالاته وتفجيرها تؤكد دون أدنى شك أنه لا يتعرض لاختراق استخباراتى تكنولوجى إسرائيلى ربما يكون بمساعدة أمريكية فقط وإنما لاختراق بشرى أيضا من داخله من خلال عملاء، وفى الحالتين فإن هذا الاختراق بالغ الخطورة ويستلزم مراجعة دقيقة لهياكل الحزب.
<<<
ولأنه من المؤكد أن قدرات إسرائيل العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية تفوق قدرات حزب الله بكثير، فإن محاولات الحزب للرد على الاعتداءات الصهيونية أو ردعها تبدو حتى الآن غير متكافئة، وهذا التفوق الإسرائيلى من شأنه أن يثير المخاوف من تداعيات العدوان الإسرائيلى على جنوب لبنان، الذى شهد نزوح مئات الآلاف بل على لبنان كله خاصة في حالة إقدام نتن ياهو إلى تصعيد الحرب بريًا ومن ثمَّ غزو جنوب لبنان واحتلاله رغم الخسائر التى سيتكبدها الجيش الإسرائيلى خلال المواجهات البرية مع مقاتلى الحزب والتى سوف يزعم أنها ضربة للحفاظ على أمن إسرائيل.
وفى نفس الوقت فإن من المؤكد أيضا أن خسائر حزب الله سوف تكون بالغة الفداحة، بل إنها سوف تمتد إلى لبنان كله فى ظل أوضاع ذلك البلد المنكوب اقتصاديا وسياسيا، حيث لايزال بدون رئيس جمهورية أو حكومة دائمة، إذ يدير شئونه حكومة تصريف أعمال برئاسة الرئيس ميقاتى وبدون صلاحيات حقيقية.
إن التصعيد الاسرائيلى الجارى حاليا ضد لبنان وحزب الله في الجنوب مع تواصل العدوان على غزة منذ نحو عام كامل ومع العدوان على الضفة إنما يؤكد جدية مسعى نتن ياهو نحو إشعال حرب إقليمية واسعة وجر إيران الداعم لأذرعها فى المنطقة وفى مقدمتها حزب الله إلى الحرب وإن كانت حكومة طهران مازالت متحفظة حتى الآن على الانجرار إلى الحرب خاصة أنها لم تستجب لمطلب حزب الله مؤخرا بالمشاركة فى الحرب ضد إسرائيل لتخفيف الضغط عليه، حيث أجابت على ذلك المطلب بأن الوقت غير مناسب!! تماما مثلما رأت أن الوقت غير مناسب للرد على انتهاك سيادتها واغتيال إسماعيل هنية على أراضيها وهو في ضيافتها!!
إن التصعيد الإسرائيلى في لبنان وجنوبه وضد حزب الله حتى كتابه هذه السطور وما سبقه من حرب إبادة وتدمير وتجويع وتشريد للمدنيين الفلسطينيين في غزة وما جرى ويجرى فى الضفة الغربية ليس سوى الفصل الأول من المخططات الصهيونية الاستراتيجية التى تستهدف المنطقة العربية كلها والتى كشف عنها نتن ياهو مؤخرا عندما أعلن بكل صفاقة وغطرسة أنه سوف يغيِّر الشرق الأوسط.
المخططات الصهيونية الاستراتيجية تتضمن اقتطاع واحتلال أجزاء من دول المنطقة وضمها للكيان لإقامة إسرائيل الكبرى (ذلك الحلم الصهيونى القديم) التى تضم أجزاء من الأردن والعراق وسوريا وكل لبنان والخليج العربى والسعودية وشبه جزيرة سيناء حتى تتحقق دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات بحسب الشعار المرفوع فى الكنيست الإسرائيلى وبحسب الخريطة التى رفعها نتن ياهو من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى مثل هذه الأيام من العام الماضى.
ورغم أن هذا الحلم الإسرائيلى والمخطط الصهيونى يبدو بعيد المنال، بل إنه قد يصير مجرد أضغاث أحلام صهيونية وفقًا لثوابت التاريخ وحقائق الجغرافيا إلا أنه يتعين أن يبقي هاجسا خطيرا يثير مخاوف الأمة العربية حتى لا يتحول الحلم الصهيونى إلى كابوس عربي مؤلم، ذلك أن اليهود الصهاينة لديهم القدرة والصبر على تنفيذ مخططاتهم حتى وإن طال الزمن حسبما حدث فى اغتصاب فلسطين الذى بدأ الإعداد والتخطيط لتنفيذه منذ المؤتمر الصهيونى فى مدينة "بازل" السويدية عام ١٨٩٧ مرورًا بوعد بلفور عام ١٩١٧ وصولًا إلى إقامة الدولة فى عام ١٩٤٨.
<<<
إن خطر المخططات الصهيونية التوسعية لا يهدد ما تبقى من فلسطين ولا لبنان وحدهما، ولكن ذلك الخطر يهدِّد العرب جميعا وفقا لمخطط إقامة إسرائيل الكبرى، لذا بات ضروريا وقوميا أن يتنبه العرب جميعًا من الآن وقبل فوات الأوان، ولذا أيضًا لزم التنويه.