أيمن عدلي يكتب : هوس الترند .. هل أصبح سلاحًا ذا حدين؟
في عصر السوشيال ميديا الذي نعيشه اليوم، لم يعد النجاح مرتبطًا فقط بما يقدمه الفرد من جودة المحتوى أو القيمة الحقيقية ، بل أصبحت المعايير مختلفة، وتحوّلت الأنظار إلى مصطلح جديد أضحى شغل الناس الشاغل "الترند".
لقد بات "الترند" هوسًا يلاحق الجميع، من صغار المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي، إلى الشركات الكبرى وحتى الشخصيات العامة والإعلاميين ، لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: هل هذا الهوس يخدم المجتمع، أم أنه يساهم في تدميره؟
الترند: إيجابياته وسلبياته
لا شك أن الترند يمكن أن يكون وسيلة فعالة لإيصال الرسائل، سواء كانت تسويقية، اجتماعية أو حتى سياسية ،فعندما يتحول موضوع معين إلى ترند، فإنه يصل إلى ملايين الأشخاص في غضون دقائق، وهو ما قد يساعد على رفع الوعي حول قضايا مهمة ، على سبيل المثال بعض الحملات التوعوية حول حقوق الإنسان، الصحة العقلية أو الكوارث الإنسانية كانت تنتشر بسرعة وتحقق أهدافها بفضل الترند.
لكن في المقابل، هناك جانب مظلم لهذا الهوس ، فالترند لا يعكس دائمًا القضايا المهمة أو المفيدة للمجتمع ، بل أصبحنا نرى مواضيع سطحية، وأحيانًا ضارة، تتصدر المشهد وتستهلك عقول الناس ووقتهم. والأسوأ من ذلك، أن العديد من الأشخاص، في سعيهم وراء الشهرة السريعة أو كسب المتابعين، يلجأون إلى طرق غير أخلاقية أو مثيرة للجدل فقط ليركبوا موجة الترند.
الإعلام والبحث عن الترند
الإعلام التقليدي، الذي كان يعتبر يومًا ما المصدر الأساسي للأخبار والمعلومات الموثوقة، لم يسلم هو الآخر من هذا الهوس ، العديد من المؤسسات الإعلامية أصبحت تسعى بشكل محموم وراء الترندات حتى وإن كانت هذه الترندات غير ذات قيمة، فقط لجذب الجمهور وزيادة نسب المشاهدة أو القراءات.
وبدلاً من التركيز على المحتوى الذي يثري الفكر ويقدم فائدة حقيقية، أصبحنا نرى عناوين مثيرة، ومحتوى سطحي يهدف فقط إلى ركوب الموجة ، هذا التوجه لا يضر فقط بسمعة الإعلام، بل يُضعف دوره في توجيه الرأي العام وبناء مجتمع واعٍ.
الشخصيات العامة ومطاردة الترند
الشخصيات العامة، سواء كانوا مشاهير أو سياسيين، أصبحوا هم الآخرون ضحية لهذا الهوس. فالكثير منهم يسعى لإبقاء اسمه دائمًا في دائرة الضوء بأي ثمن، حتى وإن كان ذلك على حساب القيم أو الأخلاق ، لا يهم إن كان الأمر يتعلق بفضيحة أو تصرف مثير للجدل، المهم أن يتم الحديث عنهم، ويتم تداول أسمائهم في كل مكان.
هل يمكننا الخروج من هذا الهوس؟
الحل ليس سهلًا، لأننا نعيش في عصر يعتمد بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ، لكن يجب أن نبدأ بالوعي بخطورة هذا الهوس ، يجب علينا أن نتوقف قليلاً ونتساءل: هل كل ما يتصدر الترند يستحق الاهتمام؟ وهل نحن نساهم في تعزيز هذا الهوس بطرق غير مباشرة؟
المجتمع بحاجة إلى محتوى يعكس الواقع ويطرح القضايا الحقيقية ، كما أن الإعلام يجب أن يعود لدوره الأساسي في تقديم المعلومات الموثوقة والتحليل العميق، بدلاً من اللهاث وراء الترندات السطحية.
في النهاية، الترند ليس دائمًا أمرًا سيئًا ، لكن عندما يتحول إلى هوس فإنه يصبح سلاحًا ذا حدين قد يرفع من شأن قضايا مهمة، وقد يسقطنا في فخ السطحية والانحدار الفكري ، فالترند ليس الهدف، بل يجب أن يكون الوسيلة التي نخدم بها المجتمع، ونرتقي بفكره وثقافته.