د محمد فراج يكتب: انسحاب بايدن يفتح أبواب الأمل للديمقراطيين
كان واضحا منذ فترة غير قصيرة أن خروج "جو بايدن" من السباق الرئاسى الأمريكى هو أمر لا مفر منه، على ضوء التراجع الواضح فى قواه الذهنية والبدنية بصورة أصبحت موضوعًا دائمًا لحديث وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، لدرجة أن بعض المراقبين أشار إلى أن المناظرة التى جرت بينه وبين المرشح الآخر والرئيس السابق ترامب مؤخرا والتى كان أداء بايدن فيها شديد الضعف هى خطوة وافق عليها فريق بايدن عمدا لإظهار ضعفه قبل انعقاد المؤتمر الوطنى للحزب الديمقراطى وحسم موضوع انسحابه من السباق الرئاسى قبل انعقاد المؤتمر، بينما المعروف أن المناظرات بين المرشحين لا يجرى عقدها إلا بعد ترشيح كليهما من جانب المؤتمر الوطنى لحزبه. ومعروف أن مؤتمر الحزب الديمقراطى سينعقد فى شهر أغسطس القادم.
والحقيقة أن عنصر الوقت كان يضغط بشدة على زعماء الحزب الديمقراطى، لأن استمرار بايدن كمرشح للحزب كان يعنى خسائر جديدة كل يوم، بسبب أداء بايدن الانتخابى الضعيف وتكرار زلاته وتعثره، بينما تقترب الانتخابات وجاء فشله فى المناظرة مع ترامب، ثم ارتفاع شعبية الأخير بشدة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التى تعرض لها ليجعل من حسم وضع بايدن مسألة ملحة وعاجلة، زاد من إلحاحها إطلاق اسم بوتين على الرئيس الأوكرانى زيلينسكى فى ختام قمة الناتو الأخيرة فى واشنطن، فبدأت الأصوات تتعالى بصورة تتزايد من جانب شيوخ ونواب وقيادات فى الحزب الديمقراطى بضرورة تنحية بايدن، كما بدأ المتبرعون لحملته الانتخابية يعلنون أنهم سيسحبون تبرعاتهم إذا استمر كمرشح للحزب ولم يجد بايدن أمامه مفرا من الانسحاب.
الإجماع السريع بين قيادات الحزب الديمقراطى على اختيار كامالا هاريس نائبة بايدن كمرشحة للحزب وإعلان الأخيرة خلال يومين فقط من انسحاب بايدن عن حصولها على تأييد أغلبية المندوبين إلى المؤتمر الوطنى للديمقراطيين، أمران يشيران بوضوح إلى أن قرار تنحية بايدن لم يكن وليد الساعة، بل كان محل بحث بين قيادات الحزب الديمقراطى منذ فترة غير قصيرة، وقد لقى القرار ترحيبا كبيرا بين مانحى التبرعات لحملة الحزب الذين تدفقت تبرعاتهم بعشرات الملايين من الدولارات خلال يومين.. والحقيقة أن الأمر يبدو كما لو كان انقلاب قصر ضد بايدن، جرى ترتيبه فى هدوء وصمت ليتم القيام به فى الوقت المناسب أي حينما تتوافر ذرائعه، وتعبير انقلاب قصر هنا يتعلق بتنحية بايدن عن السباق الانتخابى لتجديد ولايته وليس بتنحيته عن السلطة بالطبع، فمن الواضح أن الحزب الديمقراطي بما لديه من نفوذ هائل فى الكونجرس وأجهزة الدولة العميقة والمجتمع الأمريكى عموما ليس من مصلحته تنحية بايدن بسبب عجزه عن القيام بمهمات الرئيس خاصة وأن الفترة المتبقية من ولايته لا تزيد على ستة أشهر، كما أنه يمارس الحكم من خلال شبكة مؤسسات ضخمة وقوية قادرة على ضبط حركته وقراراته.
لهذا تعتقد أن الدعوات التى انطلقت من معسكر ترامب لعزل بايدن بدعوى عجزه عن ممارسة مهام الحكم هى محاولة لاستقمار ضعف أداء بايدن انتخابيا، لكنها لن تكون موضوعا لمعركة سياسية أساسية.
هاريس ضد ترامب
المرشح الجمهورى والرئيس السابق ترامب سارع بإعلان ابتهاجه بخروج بايدن من السباق الرئاسى مؤكدا أن هزيمة هاريس ستكون أسهل من هزيمة بايدن.. ورأينا أن هذا استنتاج متسرع إن لم يكن خاطئا. فالحقيقة أن بايدن – بالرغم من الانجازات الاقتصادية الهامة لإدارته وخاصة فى مجال السيطرة على التضخم وتقليص البطالة وزيادة فرص العمل، ومتوسطات الأجور – كان قد أصبح يمثل عبئا على الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطى بسبب تراجع لياقته الذهنية والبدنية وبالتالى فإن خروجه من السباق الرئاسى سيكون أفضل بالنسبة لحزبه الذى يستطيع أن يقدم انجازاته للناخبين فى جميع الأحوال كما أن هاريس تدخل المعركة الاتخابية وهى تحمل رصيدها من المشاركة فى تحقيق هذه الانجازات باعتبارها نائبة للرئيس من جهة وباعتبارها من قيادات الحزب الديمقراطى من جهة أخرى.
كما أنها تخوض المعركة الانتخابية وهى تحظى بالتفاف قوى حولها من قيادات الحزب الديمقراطى لم يكن يتمتع بها بايدن بسبب الشكوك فى لياقته الذهنية والبدنية وإذا نجحت هى وقيادات الديمقراطيين فى اختيار مرشح مناسب لمنصب نائب الرئيس وليس هناك ما يحول دون ذلك، فإن هذا سيساعد فى تعزيز وحدة الحزب الديمقراطى.
أما بالنسبة لكفاءاتها الشخصية فهى قد درست القانون وتدرجت فى سلك النيابة العامة حتى تم انتخابها كمدعية عامة لولاية كاليفورنيا - كبرى الولايات الأمريكية - كما تم انتخابها عضوًا فى مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا (عام 2007) وهى معروفة بكفاءاتها ونزاهتها وقدراتها الخطابية الكبيرة من خلال ممارستها لمناصبها الرفيعة، بما فى ذلك منصبها كنائبة للرئيس وبأدائها القوى فى المناظرات (بى بى سى. كوم – 19 يناير2021).
ونظرا لأن الأخ والصديق العزيز الكاتب الكبير الأستاذ أسامة أيوب يخصص مقاله على نفس الصفحة للكتابة عن كامالا هاريس فلن ندخل فى تفاصيل عوامل قوتها السياسية الأخرى بالغة الأهمية مثل كونها امرأة وسمراء البشرة، ومواقفها القانونية الديمقراطية والمنضبطة تجاه قضية الهجرة وغير ذلك من الاعتبارات التي تجعلها المرشح المفضل للأقليات فى مواجهة مواقف ترامب ذات الطابع العنصرى (انظر مقال الأستاذ أسامة أيوب).
وما نريد أن نركز عليه هنا هو أن ترامب سيواجه شخصية سياسية وقانونية من الطراز الأول، متمرسة بخبرة المناظرات والاستجوابات القانونية والتشريعية وهجومية بما فيه الكفاية، وليس هذا أفضل شىء بالنسبة لترامب الملاحق بقضايا كثيرة يمكن القول إنها غير مشرفة، لذلك كله نعتقد أن استنتاج ترامب بأن هزيمة كامالا هاريس أسهل من هزيمة بايدن، هو استنتاج متسرع إن لم يكن خاطئا.
سيناريوهات مفتوحة
استفاد ترامب كثيرا من نقاط الضعف لدى بايدن فى شن هجوم مستمر عليه، مما حقق له تقدما واضحا فى استطلاعات الرأى العام ثم جاءت محاولة الاغتيال الفاشلة ضده لتعطى شعبيته دفعة كبيرة وتجعل أنصاره يلتفون حوله بقوة، خاصة مع ما أظهره من رباطة جأش وقت محاولة الاغتيال الفاشلة، وتلويحه بقبضة يده..إلخ، الأمر الذى جعل المؤتمر الوطنى للحزب الجمهوري يتحول إلى مظاهرة دعم له وإعجاب به لا يخلو من مظاهر الانبهار وهو ما جعل إعلاميين كثيرين يقولون إنه تحول إلى زعيم شعبى وأن الحزب الجمهورى قد أصبح حزب ترامب!! ويعتقدون أن الطريق قد أصبح مفتوحا أمامه للعودة إلى البيت الأبيض.
والحقيقة أن الأمر ليس بهذه البساطة.
أولا: لأن انسحاب بايدن قد أزاح مشكلة جدية عن كاهل الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطى، وحرم بايدن من موضوع مفضل للهجوم على الديمقراطيين بطريقته الهجومية اللاذعة، التى تعجب الجمهور البسيط الأقل تعليمًا وهو جمهور ترامب الأساسى.
ثانيًا: لأن الشعبية التى حققتها محاولة الاغتيال الفاشلة لن تظل معطى ثابتًا غير قابل للتآكل، فالأحداث كثيرة والإعلام يبحث دائما عن موضوعات جديدة، والأهم من ذلك أن طريقة ترامب العدائية الغوغائية تجعل الإعجاب الذى حظى به قابلا للتآكل، خصوصا أن إصابته بسيطة وما لا يقل أهمية أن أمور ترامب القانونية معقدة ويمكن أن تسفر عن مفاجآت غير سارة كما أن حياته لا تخلو من الفضائح التى يمكن استغلالها ضده.
ثالثا: أنه مهما تكن طريقته الشعبوية جذابة للجمهور الأقل تعلما، فإن الأرقام والحقائق الموضوعية تقول إن وضع الاقتصاد الأمريكى فى عهد بايدن أفضل منه فى عهد ترامب.. والديمقراطيون لديهم نفوذهم الكبير فى الإعلام وقدرتهم على إبراز الحقائق، كما أن دعوة ترامب لتخفيف الضرائب عن الشركات الكبرى وتحميل الأعباء للطبقة الوسطى من الأمور التى تؤثر بالضرورة على شعبيته لدى الطبقة الوسطى بالذات.
رابعا: إن طريقة ترامب العدائية والمتعالية وطابع مواقفه الأقرب إلى العنصرية تقيم سياجا عاليا بينه وبين الأقليات العرقية (السود وذوى الأصول اللاتينية والآسيوية) فضلا عن العرب والمسلمين، كما تثير استياء الفئات الأكثر تعلما وذوى التوجهات الليبرالية من البيض.
ولا نقول إن معنى ذلك هو القضاء على فرصة ترامب فى الفوز، لكن فورة الشعبية التى حققها خلال الشهور الماضية تظل قابلة للتآكل بسبب أسلوبه العدائى ومشكلات تركيبته الشخصية، ومطاردة انتهاكاته القانونية له ولحملته، كما لا ينبغى إطلاقا التقليل من أهمية عداء الدولة العميقة له.
لذلك فإن الديمقراطيين إذا أحسنوا تنظيم حملتهم الانتخابية وإذا أحسنت كامالا هاريس الأداء فإن ما حققه ترامب من تقدم حتى الآن يمكن أن يتآكل، وفى جميع الأحوال فإن السيناريوهات تظل مفتوحة ولا يحق لترامب وأنصاره الاطمئنان إلى استمرار وضعهم الحالى.
العرب وأمريكا
النقطة التى تظل موضع اهتمامنا الرئيسي –نحن العرب– فيما يتصل بالانتخابات الأمريكية هى موقف المرشحين من قضايانا وقضايا منطقتنا، وخاصة القضية الفلسطينية وحرب الإبادة الصهيونية على غزة وقد سبق لنا تناول هذا الموضوع بقدر من التفصيل (الأموال – 7 يوليو) ونقول هنا باختصار إنه إذا كان ترامب معروفا بدعمه المطلق للدولة الصهيونية وخططها التوسعية، فإن مواقف الحزب الديمقراطى على مدى عقود قد ثبت أنها لا تقل سوءا، وإن اتخذت طابعا دبلوماسيا، وصيغت بعبارات أقل عدوانية، بينما يبقى الجوهر هو نفسه فى الممارسة الفعلية ومن يراجع سياسة بايدن تجاه حرب الإبادة الجارية وتزويده لإسرائيل بأشد الأسلحة فتكا سيدرك أن جوهر الموقفين واحد.
وتظل نصرة القضية الفلسطينية مرهونة باتخاذ العرب مواقف تتجاوز حالة التشرذم والتخاذل الراهنة.. وهذا موضوع يطول شرحه.