اسامة ايوب يكتب : اليهود يتحكمون فى أمريكا ويحكمون العالم!
الفيتو الأمريكى للمرة الثالثة.. ضوء أخضر لاقتحام رفح وتهجير الفلسطينيين
إسرائيل تأسست كدولة يهودية والصراع عربى وإسلامى يهودى
إسرائيل اغتصبت فلسطين وتقتل شعبها وفقا لمقولات توراتية محرفة
فى تحد صارخ للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة ونداءات شعوب العالم.. جاء استخدام الولايات المتحدة لحق النقض «الفيتو» للمرة الثالثة منذ العدوان على غزة لعرقلة صدور مشروع القرار الجزائرى المدعوم من المجموعتين العربية والإسلامية لوقف إطلاق النار.. ليؤكد للعالم أنها لا تدعم العدوان الصهيونى فحسب بل إنها تؤيد استمرار حرب الإبادة الأعزل، وحيث يعنى «الفيتو» الضوء الأخضر لإسرائيل ونتن ياهو وحكومته العنصرية المتطرفة لمواصلة قتل المدنيين العُزل والأطفال بكل الخسة والوحشية وانعدام الأخلاق، ومن ثَمَّ فإن الوصف الصحيح لذلك العدوان هو أنه عدوان يهودى صهيونى أمريكى مشترك، وهو الوصف الذى يتعيّن تداوله دون مواربة فى الإعلام العربى.
لقد كشف العدوان على غزة بقدر ما أكد أن النفوذ اليهودى الصهيونى الأمريكى امتد ليُطال كل الهيئات والمنظمات الأممية لمنعها من أداء مهامها المنوطة بها وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وقرارات إنشائها حسبما تبدى فى توقف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عن تقديم مساعداتها للشعب فى غزة بعد أن أوقفت الدول الكبرى وفى مقدمتها أمريكا تمويلها للوكالة استجابة لمطلب إسرائيلى، ثم حسبما توقف برنامج الغذاء العالمى مؤخرَا عن تقديم المساعدات الغذائية لأكثر من نصف مليون فلسطينى محاصرين فى شمال غزة ومدينة غزة يتعرضون لمجاعة حقيقية ومهددون بالموت بعد نفاد الغذاء تمامًا حتى علف البهائم.
حتى منظمة الصحة العالمية التى أقرت بكارثية الأوضاع وانهيار المنظومة الصحية فى غزة وقفت عاجزة عن إنقاذ عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والمرضى والنساء الحوامل والأطفال حديثى الولادة الذين مات بعضهم ومازال الباقون يواجهون الموت فى كل لحظة، بينما تقف منظمة اليونيسيف عاجزة أيضًا عن أداء مهمتها الأممية تجاه أطفال غزة الذين فقدوا حياتهم جراء القصف الصهيونى الجوى والمدفعى برا وبحرًا وتحت الأنقاض أو الذين نجوا من الموت وفقدوا أسرهم وصاروا يتامى مشردين بلا مأوى يواجهون المجاعة والمرض.
<<<
إن المشهد الدموى الكارثى المأساوى فى غزة مع استمرار العدوان الوحشى لنحو خمسة أشهر حتى الآن وبعد قتل وإصابة نحو مائة ألف فلسطينى أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن سوف يبقى وصمة خزى وعار فى جبين الإنسانية والمجتمع الدولى وحكومات العالم وخاصة الحكومات العربية والإسلامية التى وقفت متفرجة تاركة الشعب الفلسطينى الأعزل يواجه وحده ذلك العدوان البربرى وتلك الحرب التى تستهدف إبادته وطرده خارج أرضه، إذ لم تعد التحذيرات والمناشدات والاتصالات التى جرت وتجرى.. إقليميا ودوليا كافية لإنقاذ الشعب الفلسطينى فى غيبة مؤسفة وغير مبررة لاستخدام كل أوراق الضغط القوية على واشنطن والرئيس بايدن وإدارته.
<<<
واقع الأمر لقد سقطت الولايات المتحدة تحت رئاسة الرئيس الصهيوني ــ بحسب وصفه لنفسه ــ جو بايدن سقوطًا فاضحًا فى مستنقع الانحطاط الإنسانى والأخلاقى وبما يتنافى مع مسئولياتها الدولية بوصفها القوة العظمى والقطب الأوحد بمشاركتها ودعمها للعدوان الصهيونى بل بإعطائها الضوء الأخضر لحكومة الكيان ورئيسها نتن ياهو لمواصلة العدوان وقتل المدنيين والأطفال وتدمير غزة بالكامل، رغم أنها بحكم تأثيرها الطاغى كان عليها لو أرادت أن تُجبر إسرائيل على وقف العدوان.
بهذا السقوط الأخلاقى بدت الولايات المتحدة التى تدعى زعامة العالم الحر المتحضِّر وتتشدق بحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولى.. بدت عارية تمامًا وعلي نحو فاضح حيث فقدت كل مصداقيتها، إذ لم تبد أى مشاعر تعاطف إنسانى إزاء مشاهد قتل المدنيين العزل والأطفال والنساء والتى أدمت قلوب شعوب العالم، ولذا فإنه لا التاريخ ولا الإنسانية ولا الشعوب سوف تنسى هذه السادية الأمريكية والتى ستظل وصمة خزى وعار أيضًا تلاحق الولايات المتحدة والرئيس الصهيونى بايدن.
الأخطر والأسوأ فى الموقف الأمريكى هو القادم بحسب المخطط الذى يمضي نتن ياهو وحكومته اليهودية المتعصّبة قدمًا فى تنفيذه لاجتياح مدينة رفح فى أقصى جنوب غزة والتى يتكدس فيها نحو مليون ونصف المليون فلسطينى أجبروا على النزوح من شمال ووسط القطاع تحت القصف الجوى والمدفعى برا وبحرا، ثم يكتمل المخطط بتهجيرهم قسريا إلى سيناء فى مصر، حيث لم يعد خافيا أن الرئيس الصهيونى المتآمر مع اليهود موافق ومؤيد لهذا المخطط رغم تصريحاته الخادعة المضللة ومطالبة نتن ياهو بأن تكون خطة الاجتياح «موثوقة» لتجنب وقوع الكثير من القتلى المدنيين وكأنه يعنى قتل الآلاف بدلا من عشرات الآلاف!! وهو الأمر الذى يؤكد أن المؤامرة على الشعب الفلسطينى حاليا يهودية صهيونية أمريكية مكتملة الأركان مثلما كانت طوال العقود الماضية.
<<<
فى سياق هذا الموقف الأمريكى التآمرى المنحاز تاريخيًا وتقليديًا للكيان الصهيونى وضد العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص والذى يتبدى دائما فى انتهاج سياسة الكيل بمكيالين، فإن الولايات المتحدة تصنف حركة المقاومة حماس منظمة إرهابية فى إغفال متعمد لأنها حركة تحرر وطنى مثلها مثل كل حركات التحرر التى شهدها العالم ومن ثمَّ فإنها حركة مقاومة مشروعة يقرها القانون الدولي والمواثيق الأممية ضد الاحتلال الصهيونى اليهودي.. سعيًا مشروعًا لإنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو ١٩٦٧.. تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم ٤٢٤ ولعشرات من القرارات الأممية التالية، بينما تتغافل الولايات المتحدة عبر كل الإدارات السابقة عن أن إسرائيل دولة إرهابية منذ قيامها، بل قبل قيامها وأنها تمارس إرهاب الدولة ضد الشعب الفلسطينى من خلال القمع واجتياح المدن والبلدات والمخيمات فى الضفة الغربية وقتل الفلسطينيين ميدانيًا طوال عقود وحتى الآن، بل إن إرهابها امتد إلى حرب الإبادة وجرائم الحرب التى ترتكبها حاليا فى غزة.
<<<
ثُمَّ إن ثمة حقيقة باتت واضحة كل الوضوح وهى أن الأمم المتحدة التى أنشأتها الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية قبل ٧٩ عاما فى عام ١٩٤٥ قد انتهت صلاحيتها كمنظمة أممية مثلما فقد جهازها التنفيذى.. مجلس الأمن صلاحية أيضًا وتأكد عجزه وفشله فى القيام بدوره المنوط به لحفظ وإقرار الأمن والسلم الدوليين وفى فض المنازعات وفقا للقانون الدولى والشرعية الأممية، وهو العجز والفشل الذى تبدى دائما منذ عقود خاصة مع قضايا الصراع العربى ــ الإسرائيلى والذى تأكد مع العدوان على غزة بعد فشله ثلاث مرات فى إصدار قرار لوقف إطلاق النار.
السبب الحقيقى لهذا الفشل وذلك العجز والذي أدركته وتدركه حكومات وشعوب العالم هو الهيمنة الأمريكية على المنظمة الأممية وجهازها التنفيذى من خلال «الفيتو» والتى تحول دون صدور أى قرار مُنصف وعادل فى المنازعات الدولية خاصة عندما يتعلق الأمر بالصراع العربى ــ الإسرائيلى، بعد أن صارت الأمم المتحدة لعبة فى يد أمريكا ومن ثمَّ فى أيدى اليهود الصهاينة، وحيث لم يعد ممكنا للعرب التعويل على أمريكا أو الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
<<<
لذا كان مشهد مندوبى المجموعة العربية فى الأمم المتحدة الذين عقدوا مؤتمرا صحفيا فى مجلس الأمن بعد الفيتو الأمريكى مثيرا للشفقة عليهم وعلى الأمة العربية كلها، إذ بدت مشاعر خيبة الأمل واضحة على الوجوه وفى الكلمات التى ألقاها بعض المندوبين وفى إجاباتهم على أسئلة الصحفيين، وحيث عكس ذلك المشهد حالة الضعف والعجز والحيرة والارتباك العربى إزاء ذلك الخذلان الأمريكى للعرب الذين ظلوا يراهنون على موقف أقرب للحياد من جانب أمريكا بوصفها راعية للسلام بين العرب وإسرائيل.
ولأنه ليس مطروحًا وليس من المنطقى فى عالم اليوم الذى تُهيمن عليه أمريكا ووسط تشابك المصالح مطالبة الحكومات العربية والإسلامية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن مثلما فعلت مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر الذى كان مدعوما من الاتحاد السوفيتي السابق فى تلك الحقبة الزمنية والذى كان إحدى القوتين العظميين، لكن هل من الممكن ودون مبالغة مطالبة حكومات ٥٥ دولة عربية وإسلامية بالإقدام على تجميد عضويتها فى الأمم المتحدة وكافة منظماتها التابعة كإجراء احتجاجى قد تقلّده وتقوم عليه حكومات أخرى فى العالم، وفى نفس الوقت فإنه بات واجبا ضروريا على الحكومات العربية والإسلامية قطع علاقاتها مع الكيان الصهيونى حسبما فعلت حكومات دول فى أمريكا الجنوبية.. فى إدانة للعدوان الصهيونى وتضامنًا مع الشعب الفلسطينى رغم أنه ليس بينها وبين إسرائيل أى نزاع أو صراع، لكنها أقدمت على تلك الخطوة من منطلق إنسانى وأخلاقي.
هذا الإجراء هو الحد الأدنى الواجب على الدول العربية والإسلامية باعتباره فرض عين على كل دولة.. نصرة ودفاعا عن المسجد الأقصى أحد أهم المقدسات الإسلامية ضد انتهاكات اليهود الصهاينة والمستوطنين للمسجد، ثُمَّ إنه نصرة للشعب الفلسطينى المسلم الذى يواجه الإرهاب اليهودى الصهيونى فى الضفة الغربية والذى يواجه العدوان الوحشى وحرب الإبادة فى غزة، إذ إن التاريخ لن يرحم المتخاذلين حسبما قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى الساعات الأولى من بدء العدوان.
<<<
إن القراءة السياسية الدقيقة للمشهد الدولى تؤكد أن اليهود بغطائهم السياسى الصهيونى هم أكبر خطر على العالم بأسره خاصة على المنطقة العربية بل على أمريكا ذاتها بوجه خاص المتورِّطة فى تنفيذ المشروع اليهودى الصهيونى، إذ لم يعد سرًا أن اليهود يحكمون أمريكا فعليا من خلال سيطرتهم على مفاصل الدولة الأمريكية «الأعظم فى العالم» ومن خلال سيطرتهم على المؤسسات السياسية والحزبية والمالية والصناعية وأيضًا على الإعلم الأمريكى الذى ظل ومازال يغسل عقول المواطنين الأمريكيين الذين لا يهتمون بالشئون الخارجية ولا بما يجرى خارج ولاياتهم، ولذا فإنهم يجهلون أى شىء عن حقيقة القضية الفلسطينية وعن جرائم الاحتلال الإسرائيلى وفي الوقت نفسه فإنه لا أحد فى أمريكا يجرؤ على انتقاد سياسات إسرائيل العنصرية أو الإساءة إليها بسبب فزاعة معاداة السامية التى اخترعها اليهود الصهاينة وأقرتها حكومات الغرب الأمريكى الأوروبى الاستعمارية لإرهاب السياسيين والمفكرين فى أرجاء العالم، مع ملاحظة أن اليهود ليسوا وحدهم الساميين، إذ إن العرب ساميون أيضا، بينما اليهود الغربيون لا يمتون بصلة للعرق السامى على الإطلاق.
حقيقة سيطرة اليهود على مفاصل الدولة والسياسة الخارجية ودوائر صنع القرار فى واشنطن اعترف بها وأكدها الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر فى مقابلة صحفية أذاعتها فضائية القاهرة والناس المصرية مؤخرا والذى أكد أنه لا أحد من السياسيين وأعضاء الكونجرس الأمريكيين يجرؤ على الإساءة لإسرائيل أو انتقاد سياسة الفصل العنصرى التى تمارسها ضد الفلسطينيين، وأن من يفعل ذلك يتعرض للإرهاب اليهودى المعنوى ويفقد مقعده فى الكونجرس فى أول انتخابات، ولعل إدراك كارتر لهذه الحقيقة يُفسر نجاحه فى تجاوز النفوذ اليهودى وحيث كان الرئيس الأمريكى الوحيد منذ قيام إسرائيل الذى أمكنه التوصل إلى اتفاقية السلام بين مصر فى عهد الرئيس السادات وحكومة إسرائيل برئاسة مناحم بيجن والتى بموجبها انسحبت من كل سيناء.
<<<
خلاصة القول هى أنه إذا كانت أمريكا تحكم العالم فى الحقبة الزمنية الراهنة، وإذا كان اليهود يحكمون أمريكا فإن النتيجة الماثلة أمامنا هى أن اليهود يحكمون العالم، ولذا فإن إسرائيل دولة الكيان اليهودى الصهيونى صارت دولة مارقة تُعربّد فى المنطقة العربية كما تشاء وتُـمارس القمع والعدوان وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى سواء في الضفة الغربية أو فى غزة بعدوانها الوحشى المتواصل منذ نحو خمسة أشهر تحت حماية أمريكا الخاضعة لنفوذ اليهود.
<<<
لذا فإن حقيقة الصراع العربى - الإسرائيلى هى أنه صراع عربى وإسلامى يهودى، ومن ثمَّ فإن دواعى ضبط المصطلحات تقتضى تسمية الكيان الصهيونى بالكيان اليهودى، إذ إن دولة إسرائيل التى زرعتها بريطانيا فى المنطقة العربية وفى فلسطين تنفيذًا لوعد بلفور وليس لوعد الله كما يزعم اليهود.. تأسست بوصفها وطنا قوميا ليهود الشتات، ولذلك فإنها استباحت اغتصاب نصف فلسطين التاريخية وتخطط لاغتصاب ما تبقى منها استنادا لمقولات تلمودية وتوراتية محرّفة واستباحت وتستبيح قتل الفلسطينيين وقتل مواشيهم واغتصاب ممتلكاتهم باعتبارهم من «الأغيار» أى غير اليهود، وبهذه المقولات والمنطلقات اليهودية فإنها لا تعترف بأى حق للشعب الفلسطينى فى أرضه تحت الادعاء الباطل بأن فلسطين أرض بلا شعب وأن اليهود شعب بلا أرض، ثم إنها فى سياق هذه المزاعم الباطلة أقر الكنيست قانون يهودية الدولة على كل فلسطين.
يبقي أخيرًا.. راجيا ألا أبدو متشائمًا فإن أى توقع لتطبيق حل الدولتين بحسب تصريحات الرئيس الصهيونى الأمريكى بايدن وبحسب ما يتردد من جانب الحكومات الأوروبية يعد فى حقيقة الأمر محض وهم وخيال سياسى لن يتحقق فى الوقت الراهن على الأقل، وعلى العرب والفلسطينيين أن يدركوا هذه الحقيقة بكل أسف، لذا لزم التنبيه والتنويه.