اسامة ايوب يكتب : في ذكرى الإسراء والمعراج.. المعجزة الكبرى والحادثة الفارقة فى الإسلام
يأتي احتفال الأمتين الإسلامية والعربية هذا العام بذكرى الإسراء والمعراج بعد أيام قلائل فى ليلة الخميس المقبل بينما المسجد الأقصى مسرى النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين وأحد أهم المقدسات الإسلامية لايزال أسيرًا لدى العدو الصهيونى.. يدنسه اليهود المتطرفون بالاقتحامات المتكررة وبالاعتداء على المرابطين والمرابطات الفلسطينيين ومنع المصلين من الصلاة فيه، ويأتى الاحتفال أيضًا بينما يتواصل العدوان اليهودى الوحشى المدعوم أمريكيا وأوربيا على الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة طوال الأشهر الأربعة الماضية.
إن احتفال أكثر من مليار ونصف المليار مسلم فى أرجاء المعمورة بالذكرى العطرة تلك المعجزة والحادثة الفارقة فى مسيرة الرسالة المحمدية هذا العام يأتى وسط حالة هوان لا تليق بأمة محمد صاحب هذه الذكرى ووسط صمت بل عجز حكومات الأمتين العربية والإسلامية عن نصرة الأقصى أحد أهم المقدسات الإسلامية وعن التوحد لنُصرة الشعب الفلسطينى فى غزة والتصدى بقوة للعدوان اليهودى الصهيونى الخسيس وحرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال ضد الأطفال والنساء والمدنيين العزل وقتلهم وتجويعهم وتعطيشهم وحيث أسفر هذا العدوان حتى الآن عن ٢٧ ألف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء ونحو ٧٠ ألف مصاب وجريح حتى الآن يموت معظمهم داخل المستشفيات المنهارة وخارجها.
إنه مما يُعد مدعاة للأسى والحزن أن تقف حكومات الأمتين الإسلامية والعربية والتى تمثل شعوبها ربع سكان العالم صامتة عاجزة عن أى تحرك قوى لحماية وإنقاذ الشعب الفلسطينى رغم امتلاكها فى مجملها لثروات هائلة واقتصادات قوية وإمكانيات عسكرية وجيوش قوية فضلا عن أدوات ضغط معطلة من بينها على أقل تقدير قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى وقطع إمدادات البترول عن حكومات الغرب التى لا تصغى لشعوبها التى انتفضت وأدانت إسرائيل وطالبت بالحرية للشعب الفلسطينى.. ثم تحتفل الشعوب الإسلامية والعربية بالإسراء والمعراج!!
<<<
إن قصر الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على استدعاء وقائع تلك المعجزة الكبرى التي اختص الله سبحانه وتعالى بها النبى محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثمَّ الأمة الإسلامية، بينما تترك حكومات الأمة الشعب الفلسطينى فى غزة يواجه وحده هذا العدوان البربرى الأبشع فى التاريخ الحديث، فإن ذلك من شأنه وبالضرورة أن يفرغ الاحتفال من مضمونه ومن قدر المناسبة والذِّكرى، وحيث يُحسب على الأمة ولا يُحسب لها.
إن احتفال الأمتين العربية والإسلامية بذكرى تلك المعجزة الكبرى يبقى بلا معنى حقيقي وديني ولعلى لا أُبالغ إذا قلت إنه لن يكون فى تقديرى وباجتهادى الشخصى مقبولا من الله سبحانه وتعالى ومن النبى صلي الله عليه وسلم صاحب هذه الذكرى فى وقت تعجز فيه حكومات الأمتين عن الدفاع عن المسجد الأقصى وتحريره من المغتصبين اليهود الصهاينة، مثلما تعجز عن إنقاذ ونصرة الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية المحتلة أيضا.
إن احتفال الأمتين العربية والإسلامية بذكرى معجزة الإسراء والمعراج وغيرها من المناسبات والأعياد الدينية الإسلامية من غير الجائز شرعا ومن غير المقبول أن تتحول إلى احتفالات «فولكلورية» بعيدًا عن مغزاها ودلالاتها ولا تعكس قيمة وقدر الحدث والمناسبة.
<<<
إن معجزة الإسراء والمعراج حدث فارق كما أسلفت فى مسيرة الإسلام والدعوة المحمدية فى سنواتها الأولى، إذ إنها فرّقت بين المسلمين المؤمنين حقا الذين استقر ووقر الإسلام فى قلوبهم وآمنوا به بعقولهم وبين المتأرجحين المترددين الذين لم يستقر الإسلام فى قولهم وأنكروا حدوث المعجزة ورفضوا تصديق رواية النبى عن رحلته إلى المسجد الأقصى ومعراجه إلى السماوات، فارتدوا عن الإسلام وفارقوا الدين وسقطوا فى أول امتحان إيمانى ومن ثمَّ كانت ردتهم خيرًا للإسلام وللرسالة وللمسلمين وذلك بخروجهم مبكرا حتى لا يكونوا خطرا داخليا على الدين، وحيث كانت ردتهم تصفية وتطهيرا ضروريا للدين من غير المؤمنين حقا.
<<<
ثُم إن ثمة أهمية أخرى لتلك المعجزة الكبرى وهى التسرية عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم، إذ إنها حدثت فى العام الثامن لنزول الإسلام وحيث كانت الدعوة لا تزال تراوح مكانها مع اشتداد عناد وأذى كفار قريش وأهل مكة، وهو العام الموصوف بعام الحزن الذي فقد فيه النبى كلا من زوجته السيدة خديجة أول من أسلمت والتى كانت وظلت طوال حياتها حتى آخر يوم عونا لزوجها النبى وسندًا قويا فى دعوته، ثم فقد عمه أبا طالب الذي كان درعًا قويًا يحميه من إيذاء قريش له وحال بينهم وبين أن يمسوه بسوء، ثُم إن هذه الرحلة وهذه المعجزة كانت فى نفس الوقت تثبيتًا له صلى الله عليه وسلم خاصة بعد حادثة تعرضه لإيذاء أهل الطائف «القريبة من مكة» الذين ذهب إليهم ليدعوهم للإسلام بعد يأسه من قريش.
<<<
ولأن كفار قريش ومكة لم يصدقوا أنه صلى الله عليه وسلم أُسرى به من مكة إلى المسجد الأقصى فى فلسطين بالشام وعاد فى جزء من الليل، بينما «يضربون أكباد الإبل إليها شهرًا كاملا فى رحلة الذهاب فقط»، وهم بهذا التكذيب كانوا مستندين إلى المعايير البشرية غافلين عن القدرة الإلهية فكان تكذيبهم للمعجزة امتدادا واتساقا مع تكذيبهم للدعوة الإسلامية ذاتها.
ولقد كانت ثمة معجزة أخرى على هامش المعجزة الكبرى وهى وصف النبى المسجد الأقصى من الداخل وصفا دقيقا بعد أن طالبه الكبار أن يصفه إن كان صادقا فى روايته رغم أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ليلا وهو الذى لم يره من قبل، لكن المعجزة هى أن جبريل عليه السلام حمل صورته أو ما يشبه «الفيديو» أو «الواتس» فى زماننا حتى يراه النبى بوضوح، ورغم ذلك فإنهم واصلوا بعناد تكذيب المعجزة حتى لا يعترفوا بنبوته وأنه رسول الله إليهم برسالة الإسلام.
<<<
وإذا كان كفار قريش الذين أعمى الشرك والعناد قلوبهم قد أنكروا حدوث هذه المعجزة وقتها، فإنه من المؤسف حقا أن يخرج علينا فى وقتنا هذا بعض المتنطعين من المسلمين الذين يصفون أنفسهم بالمثقفين والتنويريين لينكروا واقعة الإسراء ويصفوها بأنها كانت مجرد رؤية منامية للنبى وليست حقيقة، بل إنها مرويات خيالية تواترت فى التراث الإسلامى، وهم بذلك يتغافلون عن أنها لو كانت رؤية منامية لما كذبتها قريش وكفار مكة، إذ لا حرج فى الأحلام والرؤى ومن ثم فإن هؤلاء المسلمين المتنطعين الـمُنكرين للمعجزة أسوأ من الكفار وأشد خطرًا على عقول وعقيدة عوام المسلمين.
<<<
ثُم إن معجزة الإسراء والمعراج فى الحقيقة معجزتان معًا.. الأولى معجزة الإسراء والثانية والأكبر هى معجزة المعراج إلى السماوات السبع بصحبة جبريل عليه السلام وحيث التقى النبى محمد بالأنبياء والرسل فى كل سماء بعد أن كان قد صلى بهم إمامًا فى المسجد الأقصى فى إشارة وتأكيد على أنه خاتم الأنبياء والمرسلين وأنه إمام المرسلين، وفى رحلة المعراج كان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى دون جبريل الذى توقف ودخلها النبى وحده حيث العرش، وحيث رأى من آيات ربه الكبرى والتي يفسرها الكثير من الفقهاء وغالبية علماء المسلمين بأنها كانت رؤية الله سبحانه وتعالى تكريمًا له صلى الله عليه وسلم وخصوصية اختصه بها المولى فى ختام هذه الرحلة، بينما يتحرج البعض ويمتنعون عن وصف هذه الآية الكبرى باعتبارها سرًا إلهيًا، مع ملاحظة أن النبى عندما سُئل كيف رأيت الله قال: «رأيت نورًا» ثم سكت.
إن معجزة المعراج الكُبرى والتى تُعد من ثوابت الدين وصلب العقيدة مثلها مثل معجزة الإسراء والتى ورد ذكرهما فى القرآن الكريم فى سورتى الإسراء والنجم، من المؤسف أيضا أن ينكر حدوثها أيضا بعض المتنطعين من المسلمين المشككين المتشككين فى العقيدة بل فى القرآن الكريم ذاته الذى تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه منذ نزوله إلى يوم القيامة.
<<<
إن على هؤلاء الـمُنكرين للإسراء والمعراج أن يصلحوا إسلامهم ودينهم وعقيدتهم لأنهم بإنكارهم لثوابت الدين يُحدثون فتنة بين المسلمين ويعرضون أنفسهم لغضب الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وليست مبالغة أنهم يعدون من الخوارج المعادين للأمة وللإسلام، وقد لا أبالغ إذا قُلت إنه يتعين تقديمهم للمحاكمة بتهمة نشر أخبار كاذبة وعلى نحو خطير، إذ إنها تكذِّب الأخبار الصادقة الثابتة الموثقة فى القرآن الكريم والسُنَّة المشرفة.
<<<
يبقى أن الاحتفال هذا العام بذكرى معجزتى الإسراء والمعراج التى حدثت منذ (١٤٥٠) سنة هجرية تتسم فى واقع الأمر بخصوصية شديدة فرضتها حرب الإبادة التى يشنها العدو الصهيونى على الشعب الفلسطينى فى غزة والتى تواكبت مع الاعتداءات التى يتعرض لها الفلسطينيون فى الضفة الغربية من اقتحام للبلدات وهدم للبيوت وقتل للمدنيين، بينما اشتد العدوان فى نفس الوقت على المسجد الأقصى الذى هو مسرى النبى صلى الله عليه وسلم وصاحب هذه الذكرى العطرة للمعجزة الكبرى.