أسامة شرشر يكتب: الفيتو الأمريكى يحرق العرب
لا شك أن الفيتو الأمريكى لعب دورًا هامًّا فى عدم إيقاف الحرب على غزة، وها هو اليوم مثل الأمس نشاهد آلة التدمير الأمريكية والإسرائيلية فى خان يونس وحى الشيخ رضوان وباقى مناطق جنوب غزة، أمام صمت العالم العربى.
وهذا يمثل فى حد ذاته لغزًا غريبًا، فالعرب لم يتحركوا حتى الآن لوقف المذابح والمجازر والإبادة الجماعية لأهل خان يونس بعد انتهاء الهدنة، والعالم يرى على الهواء مباشرة مشاهد بشعة وجثثًا لأطفال تُستخرج من تحت الأنقاض ونساء تموت داخل حفر نتيجة إطلاق قنابل عالية التدمير أعطتها أمريكا مؤخرًا لإسرائيل، والشباب يتساقطون شهداء والرجال يموتون حسرة على أطفالهم ونسائهم وذويهم.
فكل هذه المشاهد لم تحرك ساكنًا فى ضمير العالم، وهو ما يؤكد على أنه يجب عمل تغيير فورى وجذرى فى آلية عمل الأمم المتحدة ومنظماتها، وأن يقضى التعديل الجديد بعدم استخدام الدول الخمس أى فيتو أمام قرارات وقف إطلاق النار فى مناطق الحروب والنزاعات، لوقف شلالات الدم.
ولكن هل سيظل أهل خان يونس وكل مناطق غزة يدفعون ثمن عدم تدخل الحكومات العربية بأى شكل لوقف هذا الدمار اللا إنسانى واللا أخلاقى؟!.
ألم تحرك مشاعرهم صرخة طفل فلسطينى من تحت الأنقاض؟!
الكلام أصبح بدون جدوى، وإسرائيل بغطاء أمريكى أصبحت تفعل كل شىء، دون الاكتراث بقانون دولى، أو مناشدات من دول العالم.
والحقيقة أنا لم أصدق عينىّ عندما رأيت الرئيس الإسرائيلى يشارك فى مؤتمر المناخ الذى عُقد فى الإمارات، أمام قادة وحكام العالم، فهل يُعقل أن يتواجد هذا المجرم على أرض عربية؟ ولماذا؟ هناك ألغاز وعلامات استفهام وشفرات لدى الحكومات العربية تجعلنا لا نعرف لماذا هذه الاستكانة وهذا الضعف.. ولماذا لم يتم تفعيل مخرجات القمة العربية الإسلامية بوقف إطلاق النار؟ ماذا ننتظر؟ هل ننتظر أن تتم عملية التهجير؟ أم أن ما يجرى متفق عليه؟ وهذا يمثل (تشرنوبل سياسى) لم يحدث من قبل فى قضية الصراع العربى- الأمريكى الإسرائيلى.
إن أصوات النساء الفلسطينيات تنبعث وتصرخ من بين الركام وتقول: أين المسئولون العرب مما يجرى فينا؟ ولا أجد إجابة ترد على هذه الصرخات!.
والسؤال الآن: من الذى أوقف عملية تمديد الهدنة الإنسانية بعد 7 أيام تنفس خلالها أبناء غزة والشعوب العربية الصعداء، وكان هناك بصيص أمل أن يتم وقف الحرب غير المتكافئة؟!.
ولكن على الجانب الآخر نجد أن المقاومة الفلسطينية التى ندعمها-حتى وإن اختلفنا مع بعض أيديولوجياتها وتوجهاتها- تثير الخوف والفزع فى تل أبيب ومستوطنات غلاف غزة بل كل المدن الإسرائيلية، وأصبحت القبة الحديدية الإسرائيلية التى صنعها الأمريكان قبة من صفيح لا تقف أمام صواريخ المقاومة البسيطة والبدائية.
وأعتقد أن كل البيانات التى يطلقها الاحتلال الإسرائيلى مزيفة، وغير مطابقة لما نراه على أرض الواقع، فالمقاومة خرجت صراحة وحمّلت أمريكا وإسرائيل مسئولية عدم تمديد الهدنة وعدم الاستمرار فى تبادل الأسرى، وأكدت أنه لن يحدث أى وقف لإطلاق النار مرة أخرى إلا بعد الإفراج عن كل الأسرى الفلسطينيين شبابًا ورجالًا ونساء وأطفالًا، والذين يتجاوز عددهم 9 آلاف سجين.
أعتقد أن المقاومة الفلسطينية نجحت حتى الآن فى الوقوف أمام الترسانة الأمريكية وخبرائها وجنودها وأحدثت فيهم خسائر رهيبة، وحتى قوات الاشتباك البرى على أرض غزة تتكبد إسرائيل فيها خسائر ضخمة يوميًّا فى الجنود والمعدات ولا تعلن عنها، لكن استطاع إعلام المقاومة نشر كل الصور والتسجيلات التى تؤكد مصداقية الأرقام التى يعلنها على الأرض، وأصبحت أنفاق المقاومة فى غزة تمثل بعبعًا لقوات الاحتلال الإسرائيلى، وأعتقد أنها ستمثل حجر الزاوية فى حسم المعركة، فمن يتحكم فى الأنفاق سينتصر فى المعركة، خصوصًا بعد أن خسرت إسرائيل وأمريكا المعركة الإعلامية لدرجة أن التقارير الواردة مؤخرًا تؤكد وجود تحركات أمريكية وأوروبية لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار قبل نهاية العام.
والسؤال الآن: هل أصبح الفيتو الأمريكى يحرق ويدمر الشعوب والبلاد والبشر فوق الأرض وتحت الأرض ولا يستطيع أحد أن يتكلم؟!.
هل ما زالت الحكومات العربية هائمة فى التفاوض واللجان الوزارية المكوكية؟ وهل فعلت هذه اللجان شيئًا على أرض الواقع؟!.
هل أصبحنا أداة فى يد الأمريكان نقتل شعوبنا بصمتنا وبمواقفنا التى لا تعبر عن مواقف أصلًا؟ هل أصبح قانون (الدفاع عن النفس) الذى أعلن عنه بايدن هو الأداة التى يبيدون بها الشعوب؟ وهل هذا القانون لا يبيح للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم ضد المحتل الغاصب لأرضهم؟ أم أن من يتم احتلال أرضه لا وجود له على الخريطة ولا حق له فى القرار الأمريكى؟!.
الكلام أصبح عاجزًا عن وصف هذا المشهد البشع، ويخرج علينا الخبراء والمحللون والأفاقون ينظرون علينا ويمطرون آذاننا بتحليلات لا تعكس أفعالًا، ولا توقف ما يجرى من جرائم بشعة على أرض الواقع.
لقد أصبحنا نحن كعرب مفعولًا به وليس بفاعل، وجاءت أحداث غزة والضفة والقدس لتسقط ورقة التوت الأخيرة، وتكشف حجم وكارثة ضعف الحكومات العربية أمام الجبروت الأمريكى، وأفعال نتنياهو وبن غفير.
وأخيرًا وليس بآخر.. إن الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة والقدس، ليس له إلا الاعتماد على الله، لأن الحكومات العربية أصبحت خارج الخدمة.
فارحموا من فى الأرض
يرحمكم من فى السماء.
نقلا عن جريدة النهار