أسامة أيوب يكتب : بعد ٦ أسابيع من المجازر والتدمير والحصار وقتل الأطفال
لا توجد كلمات لوصف العدوان الصهيونى على غزة
الجيش الإسرائيلى يحرز انتصارًا عسكريًّا على المرضى في مستشفى الشفاء الأربعاء الماضى!!
بايدن لطخ أمريكا بالعار بدعم العدوان والاستقواء على الفلسطينيين
المخطط الصهيونى الأمريكى لتصفية القضية الفلسطينية لايزال خطرًا محدقًا وداهمًا
أكتب هذه السطور فجر الأربعاء الماضى وقت إعلان جيش إسرائيل المدجج بالأسلحة الفتاكة والدبابات عن «غزو» واقتحام مجمع الشفاء الطبى في غزة.. محققًا بذلك انتصارًا عسكريًّا على المدنيين الفلسطينيين العُزل من الأطباء والممرضين والمرضى من الأطفال والنساء والنازحين المحتمين بالمستشفى والذين أطلق عليهم النار وأجبرهم على الخروج، وهو الانتصار الذى توّج به حصاره للمستشفى بالدبابات لعدة أيام حتى اقتحمه ببسالة تجعله يتيه فخرًا على جيوش العالم!!
المثير للسخرية أن حكومة نتنياهو الإرهابى بررت هذه العملية العسكرية الخسيسة بزعم أن حركة حماس تستخدم المستشفى مقرًا لها ومخزنًا لأسلحتها، وهى الرواية الكاذبة التى تبناها الرئيس الأمريكى چو بايدن لإعطاء قوات الاحتلال الضوء الأخضر لاقتحام المستشفي وإخلائه من المرضى والكوادر الطبية بزعم أن حماس تستخدم المدنيين المرضى دروعا بشرية وأن ذلك يمثل جريمة حرب، وكأن اقتحام المستشفى وقتل المرضي والكوادر الطبية والنازحين ليس جريمة حرب!!
ولأنه ليس من المنطقى وليس من أخلاقيات المقاومة تعريض حياة المدنيين والمرضى للخطر باستخدامهم دروعًا بشرية، ولأن إسرائيل تعلم ذلك جيدًا، فإنها استهدفت القيام باستعراض «شو» عسكرى وإعلامى لرفع معنويات جنودها المنهارين في مواجهة الاشتباكات مع المقاومة بعد التوغل البرى فى القطاع، وفي نفس الوقت لتهدئة الداخل الإسرائيلى الغاضب المنتفض ضد نتنياهو لتقاعسه عن تحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس.
<<<
بعد أربعين يومًا من العدوان الصهيونى الوحشى وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى في غزة، فإن القلم يعجز عن التعبير، إذ لا توجد كلمات في قاموس اللغة العربية أو حتى فى قواميس اللغات الأخرى لوصف ما جرى ويجرى في غزة وما تعرّض ومازال يتعرض له الفلسطينيون العُزّل.
إذ بأى كلمات يمكن وصف القصف المتواصل دون توقف بآلاف الأطنان من القنابل والذي أسفر عن تدمير غالبية أبنية وبيوت ومساجد وكنائس ومدارس قطاع غزة، إضافة إلى التدمير الكامل لبنيتها التحتية.
بأى كلمات يُمكن وصف مقتل أكثر من ١٢ ألف فلسطينى من المدنيين العُزل.. (٧٠٪) منهم من الأطفال والأطفال الرُضع والنساء، بينما لايزال نحو ثلاثة آلاف تحت الأنقاض عجزت أجهزة الدفاع المدنى عن انتشالهم بسبب انعدام الإمكانيات تحت الحصار.
بأى كلمات يمكن وصف منع إسرائيل لدخول الشاحنات عبر معبر رفح التي تحمل المساعدات الإغاثية الإنسانية الضرورية للشعب الفلسطينى في غزة المحاصرة من مياه وطعام وأدوية ومستلزمات طبية ووقود، إذ إن عدد الشاحنات التى سمحت إسرائيل بدخوها إلى غزة لا تمثل سوى نقطة فى بحر الاحتياجات، مع ملاحظة أن إسرائيل والرئيس بايدن يمنعان دخول الوقود اللازم لتوليد الكهرباء وتشغيل الأجهزة الطبية فى المستشفيات.
<<<
بأى كلمات يُمكن وصف مشاهد جثث مئات الشهداء قتلى العدوان المتراصة التي يعجز الفلسطينيون والأطباء عن دفنهم تحت وطأة القصف والحصار وبعد أن ضافت مقابر غزة، بل بأى كلمات يمكن وصف مشاهد جثث المرضى الذين ماتوا في المستشفيات المعطلة عن العمل والملقاة فى الطرقات خاصة في مجمع الشفاء الذى اقتحمته قوات الاحتلال يوم الأربعاء الماضى بعد حصاره عدة أيام والتى تعذَّر دفنها ونهشتها الكلاب المسعورة بعد أن تعفنت جثث أخرى داخل ثلاجات المستشفى بعد انقطاع الكهرباء وانتشرت الديدان خارج الثلاجات.
بأى كلمات يُمكن وصف مشاهد جثث القتلي الأطفال والأطفال الرُضع الملفوفة بالأكفان في انتظار إيجاد أماكن لدفنهم، وبأى كلمات يُمكن وصف مشهد الأطفال حديثى الولادة (الخُدجّ) من مات منهم ومن ينتظر الموت بعد تعطل الحضانات وانقطاع الكهرباء اللازمة لتشغيلها.
بأى كلمات يُمكن وصف مشاهد هلع وفزع وبكاء وصراخ الأطفال أثناء الغارات الجوية وقصف القنابل والذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وعائلاتهم، وبأى كلمات يُمكن الرد على صرخة طفل «وين العرب».
بأى كلمات يُمكن وصف مشاهد مئات الآلاف من الفلسطينيين فى الشوارع والطرقات بعد أن تهدمت منازلهم ومقرات الإيواء والمساجد والكنائس والمدارس والمقرات الأممية ومن بينها مقرات وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» العاملة في القطاع والذين يفتقدون المياه والطعام والكهرباء والأغطية مع اقتراب برد الشتاء والذين تضطرهم هذه الأوضاع المأساوية إلى شرب مياه البحر والمياه الملوثة.
<<<
بأى كلمات يُمكن وصف فصل شمال غزة من جنوبها بعد التوغل البرى وحيث لايزال نحو مليون فلسطينى باقين في الشمال لم ينزحوا إلى الجنوب متمسكين بالبقاء، بينما يفتقد البعض وسائل نقل لنزوحهم إلى الجنوب وحيث يعيشون تحت الحصار، إذ إن إسرائيل لا تسمح بدخول المساعدات إلا إلى جنوب غزة.
بأى كلمات يُمكن وصف اضطرار نحو مليون فلسطينى إلى النزوح إلى جنوب غزة سيرا على الأقدام تجنبًا للقصف الجوى بعد أن خدعتهم إسرائيل بأنها لن تقصف الجنوب ثم قصفته بل قصفت النازحين أثناء نزوحهم نحو الجنوب.
< < <
بأى كلمات يُمكن وصف هذا العدوان الصهيونى إذ لم يعد وصفه بالوحشى والبربرى والإرهابى مُعبرًا عن الوصف الدقيق واللائق بعد أربعين يومًا من الممارسات الجنونية والسادية التى تعكس حجم الحقد والغلّ وحيث بدت قوات الاحتلال كلابا مسعورة ولم يرتقوا إلى الحيوانات البشرية حسبما وصف وزير الدفاع الصهيونى رجال المقاومة الأبطال الأسود الذين أذلوا جيش إسرائيل داخل الثكنات العسكرية في عملية «طوفان الأقصى» التى جاءت ردًا على الإرهاب والقمع الإسرائيلى وردًا على اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى.
بأى كلمات يُمكن وصف الأوضاع الكارثية المأساوية اللاإنسانية التي يعيشها أكثر من مليونى فلسطينى المهددين بالموت فى أى لحظة بعد أن أصبحت غزة بلا مكان آمن، ودون مياه أو طعام أو كهرباء أو دواء، وبعد أن أصبحت غزة مدمرة تمامًا وأرضًا خرابًا غير صالحة لحياة البشر، وحيث لا يوجد مكان فوق ظهر الأرض مثل غزة.
< < <
وفي نفس الوقت.. بأى كلمات يُمكن وصف تواطؤ ومشاركة الرئيس الأمريكى بايدن وتابعيه من حكام بريطانيا وفرنسا وألمانيا لإسرائيل في العدوان الوحشى على الشعب الفلسطينى فى غزة، حيث بدا مؤكدًا أن العدوان أمريكى أوروبى وليس إسرائيليًّا فقط.
ثم إن تبني بايدن لتبنى مجرم الحرب نتنياهو للعدوان الوحشى علي غزة باعتباره حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس إنما ينطوى فى حقيقة الأمر على تضليل فاضح، إذ إن الدفاع عن النفس لا يكون بارتكاب جرائم الحرب والمجازر والتدمير وقتل الآلاف من المدنيين العزل والأطفال والنساء، وإنما كان مكانه داخل الثكنات العسكرية للتصدى لرجال المقاومة الذين اقتحموها ثم إنه ينطوى أيضا على تدليس وازدواجية المعايير تنتهجها كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ يتغافل عن عمد عن حق الفلسطينيين المشروع بحسب القانون الدولى في الدفاع عن النفس ضد الاحتلال الصهيونى.
<<<
بأى كلمات يُمكن وصف موافقة حكومات الغرب الأمريكى الأوروبى على استمرار العدوان الوحشى والمجازر والتدمير والحصار وقتل الأطفال والنساء دون أن تتحرك ضمائرهم وهم قادة ما يصفونه بالعالم المتحضر الحر المتشدقون بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية واحترام مبادئ القانون الدولي، بل دون الاستجابة لشعوبهم التى تظاهرت تنديدًا بالعدوان مطالبين بوقفه فورا.
لقد لطخ بايدن وحكومات أوروبا «المتحضرة» بلادهم وتاريخها وتاريخهم بالعار الذى لن يُمحى لعقود طويلة قادمة بهذا الاستقواء على شعب أعزل بقدر ما اكتسبوا كراهية الأمتين العربية والإسلامية سوف تستمر وتتصاعد لعقود قادمة، وهى كراهية ستدفع أمريكا وأوروبا أثمانها الباهظة فى قادم الأيام، بينما من المؤكد أن دولة الكيان اليهودى الصهيونى لن تحظى بالأمن والأمان والاستقرار والبقاء فى المنطقة مهما استقوت بالغرب، إذ إنها إلى زوال.
في كل الأحوال فإن ثمة أخطاراً محدقة بالقضية الفلسطينية بالنظر إلى حرب الإبادة التى يشنها الكيان الصهيونى ضد غزة وإجبار نحو مليون فلسطينى للنزوح إلى جنوبها، إذ إن ذلك يعكس سعى إسرائيل نحو تهجير فلسطينيي غزة إلى خارجها حتى إن استعصى تهجيرهم إلى سيناء والأردن، فإن البديل بحسب تصريحات مسئولين إسرائيليين هو تهجيرهم لدول أخرى.
ولأن الضفة الغربية تشهد في نفس الوقت وبالتزامن مع ما تشهده غزة اقتحامات واجتياحات للمدن والبلدات وقتل العشرات واعتقال المئات لدفعهم للهجرة والنزوح إلى الأردن حسبما صرح وزراء في حكومة الاحتلال، فإن ذلك يعنى أن ما يجرى في الكواليس السياسية الإسرائيلية الأمريكية الأوروبية يشى بأن النية متجهة لتهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة واغتصاب كامل فلسطين التاريخية.
لكن يبقى الرهان على الصمود الفلسطينى وعلى الدبلوماسية العربية في مواجهة أكبر وأبشع مجازر وحشية في القرن الحادي والعشرين.