أسامة أيوب يكتب : لماذا هتفت الشعوب العربية تسقط أمريكا؟
المخطط الصهيونى الأمريكى لتهجير فلسطينى غزة والضفة يستهدف اغتصاب ما تبقى من فلسطين التاريخية ولا عزاء لحل الدولتين
هاجس النكبة الفلسطينية الثابت يخيّم على المنطقة العربية
حرب الإبادة التى يشنها نتنياهو ضد الشعب الفلسطينى فى غزة بلغت ذروتها بمجزرة المستشفى المعمدانى
مطلوب من الجامعة العربية تقديم شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة نتنياهو كمجرم حرب
الشعوب العربية تطالب الحكومات بإلغائها العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب وسحب سفرائها وطرد السفراء الإسرائيليين
أكدت زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن لإسرائيل يوم الأربعاء الماضى وتصريحاته المنحازة والمؤيدة للعدوان الصهيونى على الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة غداة المجزرة الوحشية البربرية التى ارتكبها مجرم الحرب نتنياهو فى المستشفى المعمدانى والتى راح ضحيتها أكثر من ٥٠٠ شهيد من المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء الذين تحولت أجسادهم إلي أشلاء، وحيث كان المشهد بالغ البشاعة.. أكدت بقدر ما كشفت أن أمريكا شريك أساسى وداعم للجرائم الصهيونية وتتآمر على الشعب الفلسطينى.
هذه المجزرة التى انتهكت كل المبادئ والقيم الإنسانية والقانون الدولى غير المسبوقة فى تاريخ الحروب الحديثة بذلك القصف على أكبر وأقدم مستشفى فى فلسطينى أقامها الانجليز أثناء احتلالهم للشعب الفلسطينى عام ١٩١٢ والتى احتمى بها المدنيون باعتبارها أكثر الأماكن أمنًا فى مواجهة قصف الطائرات الإسرائيلية المتواصل.. هذه المجزرة كانت فى استقبال بايدن لدى وصوله إلى تل أبيب ومع ذلك لم يتفوه بكلمة واحدة تُدين هذه المجزرة بوصفها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وهو الأمر الذى يؤكد موافقة أمريكا ورئيسها على إقدام إسرائيل على ارتكابها وقتل الأطفال والنساء فى أبشع جريمة حرب منذ الغزوات الصليبية والتتارية فى العصور الوسطى.
<<<
ثم إن إعلان بايدن عن تقديم دعم غير مسبوق للحكومة الصهيونية جاء بمثابة ضوء أخضر لمجرم الحرب نتنياهو وحكومته اليهودية المتطرفة لاستمرار العدوان على غزة وإبادة الشعب الفلسطينى هناك وهو ما حدث بالفعل حيث استأنفت قوات الاحتلال غاراتها على المدنيين فى غزة فور مغادرة بايدن لإسرائيل وقتلت العشرات.
لقد بدا هذا الدعم بل الشراكة الأمريكية للكيان الصهيونى فى إبادة الشعب الفلسطينى فى غزة بالعدوان المتواصل على المدنيين العزل تحدياً لشعوب العالم حتى داخل أمريكا ذاتها وللمنظمات الدولية التى أدانت المجزرة الإسرائيلية فى المستشفى واستمرار العدوان وحصار غزة الشامل وهو المسلك الذى لطخ أمريكا التى تتشدق بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بالخزى والعار ولعقود قادمة.
<<<
ولقد كشفت تصريحات بايدن فى إسرائيل والذى حضر اجتماع مجلس الحرب الصهيونى أن القمة التى كان مقرراً عقدها فى عمان بالتزامن مع زيارته لتل أبيب مع قادة مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ستكون بمثابة حوار الطرشان بين العرب وإسرائيل، إذ كان بايدن ينتوى طرح إملاءات لتمرير خطة تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء وكذلك تمرير خطة تهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن.
ولذا حسنًا فعل القادة الثلاثة بإلغاء القمة تجنبًا لشبهة الموافقة على خطتى التهجير ومن ثمَّ تصفية القضية الفلسطينية وهو الأمر الذى لم يكن ليقبله القادة الثلاثة ومن ثمَّ كان من الضرورى إلغاؤها.
<<<
لقد بدا واضحًا وجليًا ومؤكدًا أن المخطط الإجرامى التآمرى الصهيونى الأمريكى قد انكشف علنا لتصفية القضية الفلسطينية واستكمال اغتصاب كامل الأراضي المحتلة فى الضفة وغزة بحيث يتحول من يبقى من الفلسطينيين مجرد سكان يعيشون كمواطنين من الدرجة الثالثة تحت حكم الكيان الصهيونى وحيث كان العدوان والحصار وحرب الإبادة كاشفا لتسارع خطوات تنفيذ ذلك المخطط الاستعمارى الصهيونى الأمريكى البريطانى الفرنسى، غير أنه لا مصر ولا الشعب الفلسطينى الصامد فى غزة والضفة سوف يقفون مكتوفى الأيدى أمام هذا المخطط، فى نفس الوقت الذى لن تقبل كل من مصر والأردن أى محاولة لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.
<<<
لعل العرب والفلسطينيين قد أدركوا الآن أن أمريكا ظلت ولعقود طويلة تخدعهم وتبيع لهم الوهم طوال السنوات الأخيرة بوصفها راعية السلام وضامنه لحل الدولتين، بينما كانت راعية للإرهاب الصهيونى ومتآمرة على حقوق الشعب الفلسطينى.
ذلك الخداع الأمريكى تبدى بكل وضوح منذ بدء العدوان الصهيونى على غزة، إذ بينما الشعب الفلسطينى المحاصر يتعرض للإبادة الجماعية فإن أمريكا ظلت تشترى الوقت وشغل المنطقة بالمشاورات والاتصالات والزيارات بزعم ما كانت تصفها بالتهدئة دون التطرق لإدانة إسرائيل والضغط عليها لوقف العدوان وهو نفس الأمر الذى حدث مع تعطيل إيصال المساعدات الإنسانية إلي المحاصرين فى غزة، وهو الأمر الذى تأكد أيضا بعرقلتها صدور قرار من مجلس الأمن ليس بإدانة إسرائيل ولكن حتى بوقف العدوان والسماح بوصول المساعدات!
<<<
حتى التعلل الأمريكى الذى أقرته بريطانيا وفرنسا بحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها فإنه سرعان ما سقط وتهاوى، إذ إن عملية طوفان الأقصى التى نفذتها حركة المقاومة حماس فى سياق حقها المشروع بحسب القانون الدولى بمقاومة الاحتلال كانت عملا عسكريا بطوليا فى ثكنات ومقرات عسكرية إسرائيلية أسفر عن قتل جنود وضباط وأسر جنرالات مع ملاحظة أنه جرت معاملتهم معاملة حسنة ومع ملاحظة كذب الادعاءات الإسرائيلية بقتل حماس لأطفال ونساء وهى الادعاءات التى تراجع بايدن عنها بعد أن قال إنها من ترويج الإعلام الإسرائيلى ومكتب رئيس الحكومة، ومن ثمَّ فإنه لا مقارنة بين عمل مقاوم مشروع ضد جيش الاحتلال الإسرائيلى وبين عدوان هذا الجيش بوحشية على المدنيين العزل في غزة تحت الحصار الشامل.
<<<
إنه لم يعد خافياً أن كلاً من بريطانيا التى أقامت إسرائيل وأوروبا التى سهلت هجرة يهودها إلى فلسطين وأمريكا التى خلفت بريطانيا فى المنطقة العربية والشرق الأوسط والتى ضمنت لإسرائيل التفوق الاستراتيجى والعسكرى على الدول العربية.. لم يعد خافيًا أنهم زرعوا إسرائيل في فلسطين والمنطقة لتؤدى دوراً وظيفياً لصالح القوى الاستعمارية ولضمان الحيلولة دون تحقق أى وحدة بين عرب آسيا وعرب أفريقيا وعلى النحو الذى يحول أيضا دون بزوغ أو نشوء أى قوة عربية فى المنطقة العربية ذات الحساسية الخاصة لدى الغرب الأمريكى الأوروبى بحكم امتلاكها لثروات هائلة بشرية وطبيعية وفى مقدمتها البترول والغاز.
<<<
إن الخطر الداهم المحدق بالقضية الفلسطينية وبالأمن القومى العربى كله يجعل الكرة فى ملعب الحكومات العربية لتتماهى مع تحرك وغضب الشعوب التى بدا صوتها أعلى وأقوى من الحكومات التى يتعين أن تأتى مواقفها الرسمية مُلبية لمطالب الشعوب.
إن المطلوب من الحكومات العربية مجتمعة أن تتقدم من خلال الجامعة العربية بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد حكومة إسرائيل الصهيونية ورئيسها نتنياهو لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية وضد الشعب الفلسطينى فى غزة بل فى الضفة الغربية أيضا التى شهدت ومازالت تشهد ممارسات عنصرية قمعية والقتل عمدا للمدنيين وتهديماً للبيوت وتوسعاً استيطانياً وعدواناً على المسجد الأقصى أحد أهم المقدسات الإسلامية، إذ إن المحكمة الجنائية هى المنبر المتاح حاليا بعد سيطرة أمريكا وبريطانيا وفرنسا على مجلس الأمن.
المطلوب أيضاً من الحكومات العربية التى لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل خاصة الموقعة موخراً على اتفاقيات إبراهيم.. أن تقوم بطرد السفراء الإسرائيليين من عواصمها وسحب سفرائها من تل أبيب، وذلك الإجراء هو الحد الأدنى فى الوقت الراهن على الأقل التى يتعين اتخاذه ردًا على العدوان الصهيونى ضد الفلسطينيين وضد الحصار الشامل وضد حرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلى.
وأحسب أن ذات الإجراء يتعين أن تتخذه أيضا حكومات الدول الإسلامية التى لها علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيونى.
هذا الإجراء الحكومى العربى الإسلامى سوف يحظى بتأييد شعوب العالم التى تحتشد فى مظاهرات لإدانة جرائم إسرائيل وإبادتها للشعب الفلسطينى خاصة بعد الغارة الوحشية على المستشفى المعمدانى مساء يوم الثلاثاء الماضى والتى أدمت قلوب الإنسانية.
<<<
ولعل أهم تلك الاحتجاجات الشعبية ضد جرائم إسرائيل هو اقتحام اليهود الأمريكيين أعضاء جماعة اليهود من أجل السلام واعتصامهم بالكونجرس الأمريكى اعتراضًا على العدوان الإسرائيلى ورفضًا للدعم الأمريكى لإسرائيل فى عدوانها الغاشم وقتل المدنيين والأطفال والنساء خاصة بعد مجزرة المستشفى، وحيث تبرأ هؤلاء اليهود الأمريكيين من أن يكون هذا العدوان الصهيونى وهذا الدعم الأمريكى باسم اليهود أو معبرًا عنهم.
أهمية هذا الاعتراض من جانب يهود أمريكيين أنه يأتى ردًا على وزير الخارجية الأمريكى بلينكن الذى قال فى بداية زيارته الأخيرة لإسرائيل إنه جاء ليس بوصفه وزير خارجية ولكن بوصفه يهودياً وهو الأمر بالغ الخطورة الذى من شأنه جعل الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى والانحياز الأمريكى حربا دينية بين اليهود والمسلمين، وذلك مبلغ الخطر.
<<<
يبقي مهما وضروريا الانتباه إلى أن المخطط الصهيونى الأمريكى الجارى تنفيذه سوف يكون فى حالة نجاحه بمثابة النكبة الفلسطينية والعربية الثانية والأخيرة والتى تبدو هاجسًا يلوح فى الأفق ويخيّم على المشهد فى المنطقة العربية، لذا هتفت الشعوب العربية تسقط أمريكا.