اسامة ايوب يكتب : أعاصير الطبيعة تجتاح الكوكب وأعاصير الصراعات والحروب تدمّر الشعوب
بينما تتزايد ضراوة التداعيات الكارثية لظاهرة التغيرات المناخية يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام، فإن حكومات الدول الصناعية الكبرى مازالت تتراخى وتهمل فى اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتصدى للظاهرة وتقليل مخاطرها ولو تدريجيًا رغم أنها المسئول الأول عن الظاهرة جراء الانبعاثات الكربونية الناتجة عن أنشطتها الصناعية واستخدام الطاقة غير النظيفة على نطاق واسع فى الوقت الذى ترتفع فيه تحذيرات الخبراء والعلماء من الخطر الداهم المحدق بالكوكب.
رغم تلك التحذيرات ورغم ما تعرضت له وتتعرض كغيرها من دول ومناطق العالم على اختلاف مواقعها الجغرافية وعلى تباين درجات الحرارة بها ما بين أجواء باردة وأجواء حارة من تغيرات حادة فى مناخها وأجوائها، ورغم المؤتمرات الدولية المتعاقبة لمواجهة الظاهرة وتقليل تأثيراتها، ورغم اتفاقية باريس الدولية بشأن الظاهرة، رغم كل ذلك فإن تجاهل الدول الصناعية الكبرى المؤسف لخطورة الظاهرة إنما يعكس بقدر ما يؤكد أن سطوة الآلة الصناعية الكبرى تعلو فوق الحفاظ على الحياة فوق الكوكب وعلى حياة وصحة الشعوب بما فيها شعوبها وهو مسلك براجماتى يفتقد إلى الرؤية الاستراتيجية وبما يضر بتلك الدول في نهاية الأمر.
<<<
تداعيات وتأثيرات تغيُّر المناخ تبدّت ولاتزال تتبدى على نحو مقلق ويثير المخاوف الحقيقية على الحياة فوق الكوكب بامتداد خريطة العالم.. شرقًا وغربًا وشمالا وجنوبًا.. متمثلة فى حرائق الغابات المتزايدة والمدمرة حسبما شهدت القارة الأمريكية الشمالية خاصة فى كندا والتى أجبرت عشرات الآلاف من سكان مناطق الحرائق على النزوح.
الجديد والمقلق فى تغيُّر المناخ كان الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة سواء في الدول ذات المناخ الحار أو فى الدول ذات المناخ البارد وشديد البرودة.. كندا نموذجًا والتى شهدت ارتفاعا غير مسبوق فى درجات الحرارة بلغ نصف درجة الغليان وهو ما دفع أمين عام الأمم المتحدة إلى التحذير بأن العالم يغلى.
<<<
وفى قارة آسيا كانت السيول والأمطار الغزيرة غير المسبوقة التى شهدتها مناطق فى الصين على سبيل المثال مظهرا خطيرًا من مظاهر تغيُّر المناخ التى لم تشهده بحسب تصريحات الخبراء الصينيين منذ أكثر من مائة وأربعين عاما.
وفى آسيا أيضًا وفى السعودية شهدت مؤخرًا إعصارًا جويًّا هائلًا غير مسبوق فى مدينة مكة المكرمة حسبما شاهدنا على الشاشات الرياح العاتية تطيح بكل شىء في المسجد الحرام حتى عمال النظافة جرفتهم الرياح لمسافات بعيدة حتى بدا أنهم يطيرون فى الهواء جراء شدة الرياح.
ظاهرة حرائق الغابات امتدت أيضًا إلى شمال أفريقيا حسبما حدث مؤخرا فى تونس التى شهدت حرائق كبيرة خلّفت دمارًا غير مسبوق فى تلك المنطقة.. وهو الأمر الذى سبق أن تكرر فى الجزائر والمغرب.
<<<
فى كل الأحوال فإن تلوث الهواء بفعل حرائق الغابات وانبعاثات الكربون والذى بلغ معدلات شديدة الخطورة بات الخطر الأكبر الذى يهدد صحة وحياة البشر فوق الأرض وسلامة الكوكب ذاته، بل إنه وبحسب تأكيدات الخبراء والعلماء سوف يؤثر سلبًا على متوسط الأعمار خاصة فى أفريقيا وآسيا.
<<<
حتى الأعاصير التى عرفتها البشرية فى بعض مناطق الكرة الأرضية قد تزايدت وتكررت وتصاعدت حدتها وتأثيراتها المدمرة مؤخرًا بفعل التغيُّرات الحادة في المناخ حسبما شهدتها دول كثيرة مؤخرًا وحسبما شهدت سواحل أمريكا الغربية الأسبوع الماضى إعصارا كبيرا وأمطارا غزيرة ورياحا عاتية شديدة السرعة والقوة.
وبينما تتزايد مخاطر أعاصير الطبيعة المدمرة جراء تغيُّر المناخ والذى هو من صنع البشر، فإن ثمة أعاصير أخرى من صنع البشر أيضًا متمثلة فى الصراعات والحروب الداخلية والإقليمية والدولية، والتى تؤججها قوى عالمية متصارعة على النفوذ والهيمنة ومن ثمَّ فإنها أعاصير لا تقل خطورة عن أعاصير الطبيعة.
<<<
ولعله لا خلاف على أن الحرب الروسية الأوكرانية والتى هى فى حقيقتها حرب روسية أمريكية أوروبية هى أخطر إعصار بشرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فى منتصف القرن الماضى، إذ لم تقتصر تأثيراته التدميرية على الدولتين.. روسيا وأوكرانيا بل امتدت إلى أغلب مناطق ودول العالم التى تعانى من تداعيات تلك الحرب جراء الركود والتضخم وتعطل سلاسل إمدادات الغذاء والحبوب خاصة إلى الدول ذات الاقتصادات الضعيفة والفقيرة خاصة فى أفريقيا.
وفقًا لمجريات ذلك الصراع الروسى الغربى الأمريكى الأوروبى والذى تسبب فى لجوء ونزوح ملايين الأوكرانيين إلى الدول المجاورة، إضافة إلى الخسائر الفادحة التى تكبدتها أوكرانيا سواء فى البنية التحتية المدنية والعسكرية وفى التكلفة البشرية من ضحايا الحرب.. فإنه من الواضح أن هذا الصراع سوف يطول رغم التكلفة المالية وإمدادات الأسلحة لأوكرانيا التى يتحملها الغرب الأمريكى الأوروبى، وحيث بدا إصرار الغرب على استمرار الحرب حتى آخر جندى أوكرانى.
ولأن الغرب الأمريكى الأوروبى يستهدف فى حقيقة الأمر إنهاك واستنزاف روسيا عسكريا وماليا واقتصاديا وبشريا.. سعيًا إلى تركيع بوتين واستسلام روسيا، وهو المسعى الذى تقاومه روسيا بضراوة حسبما يجرى فى جبهات القتال، خاصة بعد خطأ حسابات بوتين فى العملية العسكرية ضد أوكرانيا، حيث خطط لأن تكون عملية خاطفة لا تستغرق أكثر من أسبوع أوأسبوعين، ولذا فإنه لا أحد يمكنه توقع متى وكيف ينتهى هذا الصراع.
<<<
وعلى هامش إعصار الصراع الروسى الغربى على الأراضى الأوكرانية، فقد شهدت روسيا مؤخرًا إعصارًا داخليًّا بدأت رياحه بمحاولة انقلاب بريجوكوجين قائد مجموع فاجنر على الرئيس بوتين، والذي سرعان ما تراجع عن انقلابه بوساطة رئيس بيلاروسيا، غير أن الإعصار تجدد الأسبوع الماضى وبعد أسابيع من محاولة الانقلاب بمقتل قائد فاجنر فى حادث سقوط طائرة بالقرب من موسكو، وهو الحادث الذى تحيط به شبهة القتل العمد من جانب بوتين الذى سبق أن أكد أنه لا يتسامح مع الخيانة، وبمقتل بريجوكوجين يبقى مصير ومستقبل مجموعة فاجنر والتى لها وجود فى مناطق ودول فى العالم غير معروف.
<<<
أما أحدث إعصار بشرى شهده العالم مؤخرًا فهو ما يمكن وصفه بالإعصار الأفريقى حسبما حدث فى دولة النيجر متمثلا فى الانقلاب العسكرى ضد الرئيس محمد بازوم الذى تم احتجازه، واللافت أن الشعب النيجرى أيد الانقلاب وهو ما يعكس رفضًا للوجود الفرنسى في تلك الدولة خاصة بعد رفض باريس الاعتراف بما حدث وتحريضها لمجموعة دول غرب أفريقيا «إيكواس» علي غزو النيجر لإنهاء الانقلاب وإعادة الرئيس المعزول.
لقد كشف الموقف الفرنسى والرفض الشعبى للتحريض ضد ما جرى من تغيير فى السلطة عن مدى كراهية الأجيال الجديدة من شعب النيجر لفرنسا الاستعمارية التى ظلت ومازالت تنهب وتستنزف ثروات البلاد، ولذا فإنها تقاوم وتحرّض ضد تغيير السلطة خشية انتهاء نفوذها ووجودها هناك وحرمانها من الثروات المعدنية الهائلة وخاصة اليورانيوم المتوفّر بكثرة فى النيجر والذى تعتمد عليه فى محطات الكهرباء والطاقة.
ولذا فإن تبرير فرنسا لرفضها ما جرى من تغيير فى السلطة فى النيجر وتحريضها على إنهاء الانقلاب بزعم حرصها على الديمقراطية.. يبدو تبريرا متهافتًا وغير حقيقى، إذ إن الحقيقة هى حرصها على بقاء وجودها ونفوذها ونهبها لثروات النيجر.
<<<
واقع الأمر فقد بدا واضحًا أن فرنسا تفقد نفوذها ووجودها ليس فى النيجر وحدها ولكن فى دول منطقة الساحل وغرب أفريقيا وهى الدول التى كانت مستعمرات فرنسية حتى نالت استقلالها بينما ظل النفوذ الفرنسى حاضرًا بقوة فى تلك الدول حتى بات مهددًا بالفعل فى ضوء المشهد فى النيجر.
هذه الحقيقة الجديدة بشأن فقدان فرنسا لنفوذها فى تلك المنطقة الأفريقية أكدها ما جرى وقت كتابة هذه السطور فى دولة الجابون بعد إلغاء العسكريين هناك نتيجة الانتخابات الرئاسية والتى فاز فيها للمرة الثالثة الرئيس على بونجو ابن الرئيس الأسبق عمر بونجو الذى أمضى عقودا فى حكم الجابون، وحيث رحب الشعب هناك بإلغاء انتخاب بونجو وإنهاء بقائه المزمن فى السلطة، وحيث بدا أن هذا الترحيب وذلك التأييد موجه أيضا ضد النفوذ الفرنسى الاستعمارى فى غرب أفريقيا.
الأمر الآخر هو أن صراعا على النفوذ والوجود فى غرب أفريقيا تشهده هذه المنطقة بين الغرب عموما وفرنسا بوجه خاص وبين روسيا التى تسعى للتمدد هناك، بينما بدا موقف أمريكا رماديًا وبعيدا جدا عن دعم فرنسا!
<<<
إن ما يجرى من صراع على الأراضى الأوكرانية وما جرى ويجرى فى غرب أفريقيا هو نموذجان لصراعات وحروب فى دول ومناطق أخرى تنذر بأعاصير بشرية قادمة.
<<<
خلاصة القول هى أن كوكب الأرض بات بين خطرين.. الأعاصير الطبيعية جراء تغير المناخ والأعاصير البشرية جراء الصراعات والحروب.. وكلاهما يهدّد حياة البشر وسلامة الكوكب.