أسامة أيوب يكتب : أزمة السجائر المشتعلة .. الأسباب الحقيقية .. والحل العاجل مؤجل!!
مع تصاعد أزمة السجائر المشتعلة التي ضربت السوق المصرية ولاتزال حتى كتابة هذه السطور، ورغم أنها صارت لغزًا غامضًا مستعصيًا على الفهم؛ فإن إبراهيم إمبابى رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات هو الوحيد ــ في حقيقة الأمر - الذي فكّ طلاسم هذا اللغز على شاشة فضائية ETC الأسبوع الماضى، حيث عرض بكلمات محددة تشخيصًا دقيقًا للأزمة، ثم إنه لم يكتف بالتشخيص ولكنه قدّم الحل الذي علّقه في رقبة الحكومة والبرلمان من قبل وبعد عطلته الحالية، بينما اقترح النائب البرلمانى «الدكتور مكرم..» الحل الأسهل والأسرع.
فى حديثه الذى شاهدته بالمصادفة أجاب رئيس شعبة الدخان عن السؤال الحائر الذى لم تجب عليه الحكومة حتى الآن عن سر اختفاء السجائر من السوق والارتفاع الجنونى فى أسعارها، حيث أوضح أن سبب الأزمة هو إعلان الحكومة ممثلة في وزارة المالية قبل أسابيع عن توجهها لزيادة الأسعار من خلال فرض ضريبة جديدة من شأنها رفع عائد الضريبة على السجائر من ٨١ مليار جنيه إلي ٨٦ مليار جنيه سنويا، وحيث أقر البرلمان فعلا هذه الزيادة ضمن إقراره للموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالى.
لكن الذى حدث هو أن الحكومة لم تقدم للبرلمان مشروع قانون الزيادة إلي أن بدأ عطلته التى تنتهي أوائل شهر أكتوبر المقبل!
< <<
استغلت مافيا تجارة السجائر معلومة الزيادة التي لم تطبق بعد وقاموا بإخفاء المخزون لديهم انتظارًا لإقرار الزيادة رسميًا، ومع شح المعروض من السجائر قاموا برفع سعر السجائر، حيث ارتفع سعر علبة السجائر الشعبية «كليوباترا» الأكثر تداولا من ٢٤ جنيها والتي كانت تباع بـ٢٦ جنيها قبل الأزمة إلى ٥٥ جنيها، أى أن الزيادة بلغت نسبتها أكثر من ١٠٠٪.
المؤسف فى إهمال الحكومة لحل الأزمة والتراخى في إقرار الزيادة من البرلمان هو أن الزيادة الضريبية على العلبة والتي تقدر بجنيهين فى السجائر الشعبية وبضعة جنيهات في الأصناف الأخرى قد ضاعت علي الدولة، أى أن الحكومة أهدرت مئات الملايين من الجنيهات حتى الآن كان من المفترض أن تدخل الخزينة العامة للدولة، بينما أسهمت في تحقيق التجار أرباحا طائلة جراء إقدامهم على مضاعفة أسعار السجائر، والنتيجة أنه لا الدولة استفادت ولا المواطن، والمستفيد الأكبر هم التجار الجشعون!
<<<
بعد هذا التشخيص الدقيق للأزمة وأسبابها المثيرة للدهشة والأسف، قدم رئيس شعبة الدخان الحل وهو أن يقطع مجلس النواب عطلته البرلمانية أو بحسب تعبيره «يأخذ إجازة من الإجازة» ويعقد جلسة طارئة لا تستغرق أكثر من ساعة لإقرار قانون زيادة الضريبة علي السجائر التى كان قد وافق عليها بالفعل باعتمادها في الموازنة العامة للدولة وجاءت العطلة البرلمانية لتؤجل إقرار القانون ومن ثم تجنب الأزمة.
<<<
المثير فى هذا اللقاء التليفزيونى الذى كان النائب البرلمانى الدكتور مكرم.. (وأعتذر عن أننى لم أسمع اسمه بالكامل) مشاركا فيه والذي ظل يحاول جاهدًا إبعاد المسئولية عن البرلمان فى تأخره عن إقرار القانون، والذى حمّل شعبة الدخان مسئولية الرقابة على التجار ومعاقبتهم، وهى المهمة التى نفى رئيس شعبة الدخان مسئوليتها عن الرقابة باعتبارها مسئولية الحكومة.. الداخلية والتموين..
..المثير أن النائب البرلماني وقبيل نهاية اللقاء الذى أدارته المذيعة إنجى أنور أخرج من جعبته الحل الأسرع والأسهل والذى بدا حلا سحريا وضروريا وهو أن يصدر رئيس الوزراء قرارا عاجلا بقانون الزيادة الضريبية المؤجلة على السجائر ويصدق عليه رئيس الجمهورية وذلك لحين عودة مجلس النواب بعد انتهاء عطلته البرلمانية ومن ثمَّ يقر القانون الذى صدر فى غيبته أثناء العطلة وفقًا للتقليد البرلمانى المعمول به بحسب الدستور.
<<<
هذا الحل الذى رحبّ به رئيس شعبة الدخان واعتبره حلا بديلا وأسرع من دعوة البرلمان لعقد جلسة طارئة.. بدا حلا ضروريا للتعجيل بإنهاء الأزمة حتى لا تطول أكثر من ذلك وحتى تعود أسعار السجائر للأسعار السابقة بحيث يصبح سعر علبة السجائر الشعبية ٢٨ جنيها على الأكثر بدلا من ٥٥ جنيها حاليا، وفي نفس الوقت تتحصل الدولة على عائدات هذه الزيادة الضريبية والتي تقدر بـ٥ مليارات جنيه سنويا والتى فقدت منها حتى الآن الكثير بسبب تأجيل إقرار القانون.
<<<
الأهم فى هذا اللقاء التليفزيونى كان سؤال المذيعة عن ما هو الضمان بعد إقرار القانون وتحديد أسعار السجائر ألا يواصل التجار إخفاء السجائر والتلاعب في الأسعار وتستمر الزيادة كما هى أكثر من ١٠٠٪ من السعر الرسمي؟
جاءت إجابة رئيس شعبة الدخان لتؤكد حسبما قال إن أهل مكة أدرى بشعابها، إذ اعتبر وقرر أن الضمان الوحيد هو العودة إلى نظام توزيع السجائر القديم أى بقيام الشركة المنتجة بتوزيع السجائر مباشرة من خلال مندوبيها علي الأكشاك والباعة أى باعة التجزئة، وهو الأمر الذى من شأنه إلغاء الحلقة الوسيطة المتمثلة فى التجار وكبار الموزعين، حيث استدعي إلى الذاكرة خاصة لدى الأجيال الكبيرة وقت أن كان مندوب الشركة يمرّ على الأكشاك والباعة حاملا السجائر على «تروسيكل» ويوزع على كل منهم حصته المخصصة، ومع ذلك تبقي الرقابة الضرورية منوطة بمباحث التموين.
<<<
إننى إذ فهمت وعرفت على نحو شديد الوضوح من حديث رئيس شعبة الدخان السبب الحقيقى وراء أزمة السجائر.. واختفائها من السوق والارتفاع الجنونى فى أسعارها، وبعد أن أدهشنى جدًا تقاعس الحكومة والبرلمان عن إقرار قانون زيادة الضريبة حتى الآن وهو التقاعس الذى أهدر أموالا ضاعت على خزينة الدولة وحقق لمافيا التجار أرباحًا حرامًا طائلة على حساب المستهلك الذى تركته الحكومة نهبًا لهم.
.. وبعد أن استمعت إلي الحل الذى عرضه رئيس شعبة الدخان والحل الذى اقترحه النائب البرلمانى، فإنه بات ضروريًا التعجيل بأحد الحلين.. إما أن يعقد البرلمان جلسة طارئة وإما أن يصدر رئيس الوزراء قرارًا بالقانون يصدق عليه رئيس الجمهورية.
<<<
السؤال الملح هل يفعلها البرلمان أو رئيس الحكومة؟.. المصريون في الانتظار.