د.محمد فراج يكتب : أهمية استثنائية لزيارة رئيس الوزراء الهندى إلى مصر
زيارة رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودى» إلى القاهرة هذا الأسبوع (٢٤/ ٢٥ يونيو) حدث يستحق كل الاهتمام. فالهند قد أصبحت واحدة من أكبر القوى الاقتصادية فى العالم، وهى أحد أكبر شركاء مصر التجاريين وتربطنا بها علاقات سياسة وثيقة منذ الخمسينات حينما شاركت مع مصر ويوغوسلافيا فى تأسيس حركة عدم الانحياز التى عبرت عن مصالح دول العالم الثالث فى التحرر والتنمية فى مواجهة قوى الاستعمار الغربى، ومنذ ذلك الوقت تستمر العلاقات المتميزة بين القاهرة ونيودلهى فى كافة المجالات.
وتجىء هذه الزيارة ردا على زيارة الرئيس السيسى إلى الهند فى يناير الماضى، والتى تقرر خلالها رفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية».
الهند التى كانت واحدة من أفقر بلدان العالم تمكنت منذ استقلالها عن بريطانيا - من بناء نموذج للتنمية المتوازنة انتهى بها العام الماضى (٢٠٢٢) لأن تصبح القوة الاقتصاية الخامسة فى العالم بناتج محلى إجمالى بلغ (٣.٥ تريليون دولار/ ثلاثة تريليونات وخمسمائة مليار دولار) بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا.. لتزيح بريطانيا إلى المركز السادس فى قائمة أكبر الاقتصادات العالمية.
وتحقق هذا النجاح الكبير للهند بفضل خططها الدؤوبة للتنمية الشاملة والمتوازنة، فقد أقامت قطاعًا صناعيًا ضخمًا ومتنوعًا يتطور باستمرار على قاعدة علمية وتكنولوجية متينة. وتمكنت من امتلاك صناعات ثقيلة وهندسية متطورة، وصولا إلى صناعات الطيران والصناعات الفضائية والعسكرية وأصبحت تمتلك قنبلتها النووية وصناعاتها الصاروخية منذ أواسط السبعينيات من القرن العشرين.
كما طورت صناعتها الإلكترونية وهندسة وعلوم الكمبيوتر لديها، بحيث أصبحت المصدِّر الأول للبرمجيات فى العالم، بما فى ذلك إلى الولايات المتحدة والدول الغربية المتقدمة انطلاقا من (دادى بنجالور) الذى يمكن القول إنه «سيليكون فالى» الخاص بالهند.
أما فى المجال الزراعى فقد تمكنت الهند وبفضل العلم والتخطيط من تحقيق الاكتفاء الذاتى من إنتاج الحبوب وعديد من السلع الغذائية بل وأصبح لديها فائض للتصدير من القمح والأرز واللحوم، بالرغم من عدد سكانها الهائل (مليار وأربعمائة مليون نسمة) حيث أصبح تعداد سكان الهند هذا العام أكبر من تعداد الصين ببضعة ملايين.
من قوة إقليمية إلى قوة عالمية
وبفضل هذا التطور الاقتصادى والعلمى والتكنولوجى الكبير ونسبة النمو التى أصبحت خلال الأعوام الأخيرة من بين الأعلى فى العالم «من ستة إلى ثمانية بالمائة خلال الأعوام الأخيرة» تمكنت الهند من بناء قوات مسلحة ضخمة ومتطورة، بما فى ذلك امتلاك قوات بحرية من بين الأكبر فى العالم، وتضم حاملات طائرات من صناعة الهند نفسها فضلا عن إنتاج الطائرات القاذفة والمقاتلة الحديثة بترخيص من روسيا.
<<<
وأتاح كل ذلك للهند أن تتحول من قوة إقليمية كبرى إلى دولة كبرى على المستوى العالمى وأن تنتهج سياسة مستقلة على مستوى علاقاتها الدولية، بما يحقق مصالحها الوطنية ويتيح لها رفض إملاءات وشروط الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى.. وفى نفس الوقت الاستفادة من علاقاتها بتلك الدول الغربية وبروسيا والصين وغيرها.
وفى هذا السياق شاركت الهند فى تأسيس مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاى وأصبحت تلعب دورا متناسبا فى العلاقات الدولية وهو ما يفرض علينا - نحن العرب - الاهتمام بتطوير علاقاتنا بالهند، مع ملاحظة أن هذه القوة الدولية المتنامية بسرعة قريبة جغرافيا من منطقتنا العربية، ولديها علاقات متشابكة مع مختلف الأطراف الإقليمية فى الشرق الأوسط وأنها متعاطفة تاريخيا مع قضايانا العادلة وخاصة القضية الفلسطينية.
مصر والهند
وعلى ضوء كل هذه الاعتبارات وكذلك على ضوء العلاقات التاريخية الوثيقة ومتعددة الجوانب بين القاهرة ونيودلهى فإننا ننظر باهتمام كبير إلى زيارة رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودى» لمصر ونتوقع أن تكون لها نتائج إيجابية هامة بالنسبة لبلادنا سواء على المستوى الاقتصادى والسياسى، أو فى الجالات العلمية والتكنولوجية وغيرها. علمًا بأنها الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندى إلى مصر منذ ستة وعشرين عامًا.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم التبادل التجارى بين مصر والهند قد تجاوز الستة مليارات دولار (٦ مليارات دولار) عام ٢٠٢٢ منها (٤.١١ مليار دولار صادرات هندية/ ١.٩٥ مليار دولار صادرات مصرية إلى الهند) بينما أعلن مودى أن الهند تهدف إلى زيارة حجم التبادل التجارى بين البلدين ليصل إلى ١٢ مليار دولار بأسرع ما يمكن.
والنقطة بالغة الأهمية فى هذا الصدد هى أن الهند لديها توجه قوى لإحلال «المقايضة» أو «التبادل بالعملات المحلية» محل التعامل بالدولار وهو اتجاه قوى لدى مصر أيضا، ومن شأن العمل به أن يخفف الضغوط على موارد مصر الدولارية، وخاصة فى الفترة الحالية.
وتشير التقارير إلى استعداد الصين لفتح «خط ائتمان» لمصر للتبادل بالعملة المحلية للبلدين وكذلك إلى ترحيب نيودلهى بمبدأ المقايضة.
ومن ناحية أخرى فإن الاستثمارات الهندية فى مصر تبلغ 5.2 مليار دولار وهناك إنفتاح هندى على زيادة الاستثمارات فى مصر بما فى ذلك إقامة مشروعات صناعية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
كما أبدى الجانب الهندى استعداده لمساعدة مصر فى إقامة معهد للتكنولوجيات المتطورة، شبيه بالمعهد المرموق الذى تملكه الهند وإلى انفتاح نيودلهى على تطوير كافة أشكال التعاون الاقتصادى والتجارى والعلمى والتكنولوجى مع مصر.
وغنى عن البيان أن دعم الهند للطلب الذى تقدمت به مصر مؤخرًا للانضمام إلى مجموعة البريكس بكل ما يمثله ذلك الانضمام من أهمية هو تعزيز مهم للطلب المصرى وبالأحرى للتسريع بقبوله.
ونأمل أن تكون لنا عودة إلى موضوع العلاقات المصرية الهندية للتعليق على زيارة الزعيم «مودى» إلى القاهرة بعد أن تتضح النتائج الرسمية للزيارة.