أسامة أيوب يكتب : القضية الفلسطينية ضائعة بين التواطؤ الأمريكى والتضامن العربى بالكلام
بعد تصعيد إسرائيل لجرائمها بمجزرة نابلس
أمريكا تمارس خداع الفلسطينيين بالحديث عن حل الدولتين
تحية مستحقة لموقف الاتحاد الأفريقى الأخير من الكيان الصهيونى
سوف يبقي مشهد طرد الوفد الإسرائيلى من اجتماع قمة الاتحاد الأفريقى بأديس أبابا الأسبوع الماضى موقفا تاريخيا يستحق التقدير عربيا ويُحسب للدول الأفريقية التى أيدت وانصاعت لإصرار الجزائر وجنوب أفريقيا على منع الوفد من حضور الاجتماع باعتبار أن مشروع قرار سابق بانضمام إسرائيل كعضو مراقب فى الاتحاد لايزال معلقًا ولم يحظ بموافقة أغلبية الدول الأعضاء.
هذا الموقف الأفريقى يؤكد التضامن الحقيقى مع الشعب الفلسطينى فى مواجهة جرائم الاحتلال الصهيونى وممارساته العنصرية القمعية والاستيطانية التى تزايدت وتصاعدت على نحو محموم فى السنة الأخيرة خاصة منذ مجىء حكومة أقصى اليمين المتطرف والتى تستهدف إعاقة حل الدولتين إلى الأبد، فى نفس الوقت الذى عكس فيه هذا الموقف الأفريقى إدانة إقليمية بالغة الوضوح للكيان الصهيونى من شأنها التأثير سلبًا على الاختراق الإسرائيلى المتزايد داخل القارة السوداء.
ثم إن هذا الموقف الأفريقى يأتى متماهيًا مع ما جرى فى مونديال قطر قبل أسابيع ومع ما تعرضت له إسرائيل من مقاطعة شعبية عربية خلال فعاليات المسابقة الدولية حيث رفض المواطنون القطريون والعرب الذين ظلوا يرفعون العلم الفلسطينى فى كل الفعاليات ورفض التحدث مع مراسلى وسائل الإعلام الصهيونية والذين ظلوا منبوذين طول الوقت، وحيث تأكد أن القضية الفلسطينية حاضرة بقوة ولن تغيب فى وجدان الشعوب العربية وأن إسرائيل ستظل العدو الأول للعرب ما بقى احتلالها للأراضى الفلسطينية.
<<<
أهمية مشهد طرد الوفد الإسرائيلى من اجتماع قمة الاتحاد الأفريقى هى أنها خطوة مهمة وموقف لا تخفى دلالته لإجهاض مساعى ضم إسرائيل كعضو مراقب التى قادتها أثيوبيا والذى لم يلق موافقة غالبية الأعضاء وظل معلقًا ومن ثمَّ سوف يظل معلقًا وأغلب الظن أنه لن يتحقق بعد الموقف الصارم لكل من الجزائر أقوى الدول العربية دعمًا لفلسطين وجنوب أفريقيا التى عانت عقودا من العنصرية مثلما يعانى الشعب الفلسطينى، خاصة أنه لم تعترض أى دولة من أعضاء الاتحاد على قرار طرد الوفد الإسرائيلى.
<<<<
ولذا فإن على المنظمة العربية الإقليمية «جامعة الدول العربية» والحكومات العربية البناء على هذا الموقف المهم من جانب الاتحاد الأفريقى لتكريس نبذ إسرائيل فى هذا التجمع الإقليمى الأفريقى ثم فى مكافحة المنظمات والتجمعات الأممية والإقليمية مع ممارسة أقصى درجات الضغط من خلال توضيح مشروعية الحقوق الفلسطينية وفضح جرائم الاحتلال الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى بوصفها جرائم ضد الإنسانية وانتهاكًا لمبادئ القانون الدولى والاتفاقيات الدولية، سعيًا جادًا وحثيثًا لاستصدار قرارات بتعليق عضوية إسرائيل فى تلك المنظمات الأممية وأن تظل عضويتها مرهونة بانصياعها لقرارات الشرعية الدولية بشأن إقامة الدولة الفلسطينية ومبدأ حل الدولتين المتوافق عليه دوليًا.
<<<
إن عقودًا قد مرت والقضية الفلسطينية مازالت تراوح مكانها بينما إسرائيل ماضية قُدمًا فى تصعيد ممارساتها القمعية الإجرامية والتى بلغت ذروتها وقت كتابة هذه السطور يوم الأربعاء الماضى في مجزرة اقتحام نابلس التى أسفرت عن قتل 11 شهيدا فلسطينيا وإصابة أكثر من مائة من المدنيين، وبينما لايزال المجتمع الدولى صامتًا على تلك الجرائم ضد الإنسانية وحيث تتواطأ أمريكا بخطاب مضلل يطالب بوقف التصعيد دون تفريق بين جرائم إسرائيل بحق الشعب الرازح تحت الاحتلال والحق المشروع فى المقاومة ضد الاحتلال سعيًا للحصول على الاستقلال والذى تقره المواثيق والقوانين الدولية.
>>>
إن بيانات الإدانة العربية ومؤتمرات التضامن مع الشعب الفلسطينى واستجداء أمريكا لتنفيذ مقررات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية بحسب مبدأ حل الدولتين لم تعد ذات جدوى ولا تحظى بأى اهتمام حقيقى من جانب الأمم المتحدة التي تسيطر عليها أمريكا، وحيث تتجاهل المطلب القانونى بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ومن ثمَّ فإن العرب يتحدثون مع أنفسهم ولأنفسهم ولا تتجاوز بياناتهم وتوصيات مؤتمراتهم جدران قاعات اجتماعاتهم دون تحرك فاعل فى المحافل الدولية ودون استخدام أوراق ضغط لديهم وهى غير قليلة.
لم يعد كافيًا أن يهلل العرب للقرارات الأممية لصالح الحقوق الفلسطينية والتى بلغت أكثر من ألف قرار بحسب رئيس السلطة محمود عباس «أبومازن» واعتبارها انتصارًا رغم أنها لم تزد على أنها حبر على ورق ولم تقدم شيئا للقضية الفلسطينية، بينما إسرائيل ماضية قدمًا وسريعًا فى تنفيذ مخططاتها للقضاء على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية بالتوسع الاستيطانى والعدوان على المسجد الأقصى وتقسيمه زمنيا ومكانيا في إطار خطة تهويد القدس.
<<<
وفى نفس الوقت فإن التعويل العربى والفلسطينى على الولايات المتحدة باعتبارها راعية عملية السلام بات وهمًا ومضيعة للوقت ولأجل لا ينتهى، إذ أكدت التجارب خلال أكثر من ثلاثين سنة أن أمريكا ومع كل إداراتها الجمهورية أو الديمقراطية تمارس خداع العرب والتواطؤ مع إسرائيل والصهيونية العالمية، ولذا فإنه يتعين عدم تصديق الخطاب الأمريكى حول إنهاء الصراع وإحلال السلام من خلال حل الدولتين، بل إن حديثها عن اعتراضها على أى إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب ببناء المستوطنات باعتبارها تعيق حل الدولتين حسبما خرجت التصريحات من واشنطن.. تأكد أنه حديث كاذب مضلل مخادع إذ إنها لم تقدم على أى إجراء حقيقى لإقرار حل الدولتين على أرض الواقع.. بل إنها لن تقدم!
<<<
بل إن مسألة حل الدولتين بمعنى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المتصلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.. فى حالة إقرارها فعليًا، لم تعد قابلة للتحقيق إذ إن ما تبقي من الأراضى الفلسطينية سيجعل هذه الدولة مجرد كنتونات غير متصلة بعد أن مزقتها المستوطنات الإسرائيلية، وتلك كارثة أخرى من شأنها تفريغ فكرة الدولة من مضمونها، باعتبار أنهما لن تكون دولة بالمعنى المعروف..
<<<
يبقى أن أخطر ما تعرضت وتتعرض له القضية الفلسطينية فى السنوات الأخيرة هو تراجع القضية التى ظلت تعد القضية المركزية في الأولويات العربية إما بفعل الخلافات القطرية أو بفعل الأزمات الداخلية والحروب الأهلية فى بعض الأقطار وحيث انهارت الدولة الوطنية فيها منذ عام ٢٠١١، وبما يؤكد أن ثمة مؤامرات خارجية استهدفت الأمة العربية لشغلها عن القضية الفلسطينية، وحيث نجحت إسرائيل في تحقيق بعض الاختراقات العربية باستخدام إيران فزاعة لجيرانها العرب وتحويلها إلى العدو الأول بدلا من إسرائيل، وهو التحول الذى جرى تكريسه بالاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع مع إسرائيل الذى بدا مكافأة مجانية للكيان الصهيونى دون مقابل يقدمه للفلسطينيين، بل ستكون على حساب المصالح والحقوق الفلسطينية.
المثير هو أن الموقعين على الاتفاقات الإبراهيمية بتهديد وضغط من ترامب قد انتهكوا مبادرة السلام العربية التى قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز «الأمير عبدالله ولى العهد وقتها» وأقرتها قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢ والتى تتضمن إقامة علاقات بين الدول العربية وإسرائيل شريطة إنهاء احتلالها لفلسطين وإقامة الدولة على حدود ٦٧ وعاصمتها القدس، ولذا فإن هؤلاء المطبعين العرب دون مبرر حقيقى، إذ لم تكن بينهم وبين إسرائيل حروب أو حدود مشتركة قد أضروا بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطينى الذى يتعرض للقتل ولإرهاب الدولة الذى يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية وحيث بدا هذا المسلك طعنة من الخلف فى ظهور الفلسطينيين.
<<<
وهكذا تبقي القضية الفلسطينية أسيرة بين جرائم الاحتلال الصهيونى والتقصير العربى والمتراجعين العرب وصمت المجتمع الدولي وتواطؤ وخداع أمريكا..
وتبقى كل التحية لدول الاتحاد الأفريقى وفى مقدمتها الجزائر وجنوب أفريقيا.