د.محمد فراج يكتب : القضاء الليبى يوقف اتفاقية خطيرة لسرقة البترول والغاز
الاتفاقية غير مشروعة.. وتضر بمصالح الشعبين الليبى والمصرى.. ومخالفة للقانون الدولى
حكم قضائى هام ينتصر لحقوق ومصالح الشعبين الشقيقين المصرى والليبى.. محكمة الاستئناف بالعاصمة الليبية طرابلس أصدرت يوم 10 يناير الجارى حكماً بوقف تنفيذ اتفاقية وقعتها حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها مع تركيا للتنقيب عن البترول والغاز فى مياه البحر المتوسط فى شهر أكتوبر الماضى (2022) استناداً إلى اتفاقية سابقة لترسيم الحدود البحرية بين البلدين وقعتها فى حينه حكومة فايز السراج (نوفمبر 2019) تتعارض مع القانون البحرى الدولى. ومع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين عدد من الدول المطلة على سواحل البحر المتوسط أو الواقعة فى مياه (مثل قبرص) ومع التفاهمات التى كان قد تم التوصل إليها - على أساس القانون البحرى الدولى - بين كل من مصر واليونات فى سياق التفاوض حول اتفاقية لترسيم الحدود بين مصر واليونان، وهى الاتفاقية التى تم توقيعها بالفعل فى (أغسطس 2020) وتلاها توقيع اتفاقية ثلاثية بين كل من مصر واليونان وقبرص لترسيم الحدود وتحديد المناطق الاقتصادية - ومعروف أن ترسيم الحدود البحرية ثم المنطقة الاقتصادية بين مصر وقبرص كان قد تم توقيع اتفاقية بشأنه عام (2003).
وقبل أن ندخل فى الحديث عن الحساسية البالغة لقضية ترسيم الحدود البحرية فى منطقة شرق البحر المتوسط التى تعوم فوق ثروات هائلة من الغاز الطبيعى لابد أن نشير إلى نقاط مهمة:
1 - أن حكومة السراج كانت حكومة مؤقتة غير منتخبة تم تشكيلها نتيجة مشاورات دبلوماسية ومخابراتية بين الدول الغربية الكبرى عام (2015) لولاية أقصاها عام ونصف. وكانت هذه الولاية قد انقضت منذ وقت طويل عام (2019).. ولم تعد لها صفة قانونية.
2 - والأمر الأهم هو أن تلك الحكومة (بحكم كونها مؤقتة وغير منتخبة) لم يكن لها الحق فى عقد أية اتفاقيات دولية.. وبالتالى فإن اتفاقها مع تركيا غير شرعى وباطل تماما.
3 - وينطبق نفس المبدأ على حكومة الدبيبة. التى جاءت نتيجة لخارطة الطريق الأممية (فبراير 2021) وانتهت ولايتها رسمياً فى ديسمبر (2021).. كما كان قد سبق لمجلس النواب سحب الثقة منها فى سبتمبر من نفس العام.
4 - والأهم أن خارطة الطريق المنشئة لهذه الحكومة تنص بوضوح على أنه لا يحق للحكومة المذكورة عقد أية اتفاقيات دولية، أو تحميل البلاد أية التزامات تجاه دول أخرى، بموجب (المادة العاشرة) من الاتفاق السياسى المتضمن لخارطة الطريق الأممية، والموقع فى جنيف (فبراير 2021) - (المادة 10 - فقرة 6).
5 - ومن الأهمية بمكان كبير جداً هنا الإشارة إلى أن تركيا لا تعترف بقانون البحار الدولى والاتفاقية المنشئة له، وبالتالى فإن توقيع أية حكومة لاتفلاقية ترسيم حدود معها هو أمر شائك للغاية، ولن يحظى باعتراف الأمم المتحدة لذا ما تعارض مع حقوق أو مصالح أية دولة أخرى بموجب قانون البحار الدولى.
6 - فما بالنا إذا كانت تركيا تقع على الساحل الشمالى للبحر المتوسط وليبيا على الساحل الجنوبى. وفى المسافة بينهما تقع دولة (جزيرة) قبرص التى تحتل تركيا الجزء الشمالى منها (ثلث مساحة البلاد) وتقيم فيها (دولة) للقبارصة الأتراك، لا يعترف بها أحد فى العالم سوى أنقرة!! بينما دولة قبرص هى عضو فى الأمم المتحدة وفى الاتحاد الأوروبى. وتقوم تركيا بالتنقيب عن الغاز فى مياهها دون سند قانونى، مما يخلق سبباً كبيراً للتوتر فى علاقاتها بالاتحاد الأوروبى. كما أن تركيا لديها خلافات حادة مع اليونان حول ترسيم حدودهما البحرية.
ووضع كهذا يجعل أى حكومة رشيدة ومسئولة تتريث كثيراً قبل الدخول فى اتفاق حول الحدود البحرية مع تركيا. فما بالنا إذا كانت حكومة غير شرعية مثل حكومة السراج أو الدبيبة!.
7 - والأخطر من ذلك هو عقد حكومة الدبيبة لاتفاق جديد - على أساس اتفاق قديم باطل - حول التنقيب عن البترول والغاز فى مياه ليبيا (المجاورة مباشرة للأراضى والسواحل المصرىة) بما يتضمنه ذلك من إمكانيات للاحتكاك والصدام بين البلدين.. علماً بأن الاتفاقية المذكورة (تحمل اسم مذكرة تفاهم) لم يتم عرضها على البرلمان الليبى، وأثارت غضبه وإدانته، كما أدانتها مختلف الكيانات السياسية الليبية.
8 - والأكثر خطورة هو أن «مذكرة التفاهم» المشار إليها (وهى فى الحقيقة اتفاقية فعلية) تعطى الشركات التركية حق التنقيب فى مساحات غير محددة بدقة، وتتضمن مواداً تمثل انتهاكاً لقوانين استخراج وتجارة البترول المحلية ولحقوق وصلاحيات «مؤسسة النفط الليبية» - (الطاقة . نت 10 يناير 2023).
كما تتضمن بنوداً سرية (!!) ولا تنص على التزام الشركات التركية باستثمار مبالغ محددة للتنقيب فى مساحات محددة، ولا على دفع أية مبالغ لليبيا، أو طريقة اقتسام الإنتاج - علماً بأن السواحل الليبية معروفة بوجود حقوق ضخمة للبترول والغاز على السواء .. (راجع : الطاقة - 5 يناير DW - 3/10/22).
محولات استفزاز مصر!
واللافت للنظر بشدة أنه حينما أعلنت مصر قراراً بتحديد حدودها البحرية الغربية (13 ديسمبر 2022) للمحافظة على حقوقها وفتح المجال للتعاقد مع الشركات العالمية على التنقيب عن البترول والغاز فى مياه الجزء الغربى من السواحل المصرية المطلة على البحر المتوسط، فإن الدبيبة هاجم القرار، منكراً على مصر حقها البديهى فى حماية حدودها ومياهها، واستثمار ثرواتها الطبيعية، علماً بأن القرار تحدث بوضوح عن نقطة بدء حدودنا البحردية الغربية باعتبارها نقطة حدودنا مع ليبيا، وهى حدود مستقرة تماماً وليس حولها أى خلاف. كما أن القرار لم يتضمن أى انتهاك للمياه الإقليمية الليبية. وغنى عن البيان أن مصر تحافظ تماماً على حقوق الدول الشقية.
ولهذا فإن حديث الدبيبة عن ضرورة التشاور مع (حكومته) قبل إعلان مصر لحدودها البحرية الغربية- وهو حق بديهى لها- يمثل نوعاً من المماحكة ومحاولة الاستفزاز. كما أنه يعبر عن رغبة الدبيبة فى الانتقام، نظراً لأن مصر أدانت اتفاقه مع تركيا (أكتوبر 2022) حول التنقيب عن البترول والغاز، كما سبق لها إدانته إتفاق السراج مع أنقرة حول ترسيم الحدود البحرية (نوفمبر 2019) لأسباب تخص عدم شرعية الاتفاقين، سواء بسبب انتهاكهما لحقوق دول أخرى، وطابعهما الفردى، أو بسبب عدم شرعية الحكومتين اللتين أبرمتهما وعدم امتلاكهما أصلاً لصلاحية إبرام مثل هذه الاتفاقيات دستورياً وقانونياً، فضلاً عن عدم توقيع تركيا لاتفاقية القانون الدولى للبحار، ودخولها فى نزاع مع دول أطراف فى اتفاقيات مع مصر.
وإذن فإن مصر لديها أسبابها الموضوعية الواضحة سواء فى رفض اتفاقية (السراج 2019) أو اتفاقية الدبيبة (2022) الخاصة بالتنقيب عن البترول والغاز وإهدار ثروات الشعب الليبى.. علماً بأن البرلمان الليبى الشرعى نفسه يرفض الاتفاقيتين.. كما ترفضهما أغلب الأطراف السياسية الليبية.. أما مماحكات الدبيبة غير القانونية ومحاولاته للاستفزاز، فهى تنطلق من الرغبة فى الإساءة للعلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين، والانتقام من مصر لمواقفها الرافضة للتدخل الأجنبى فى ليبيا، وتعاون حكومة الدبيبة مع هذا التدخل، واستنادها إلى الميليشيات المسلحة والمرتزقة الأجانب.
قرار مهم لمحكمة طرابلس
وعودة إلى القرار بالغ الأهمية الذى اتخذته محكمة استئناف طرابلس بوقف تنفيذ اتفاقية الدبيبة مع تركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز فى مياه ليببيا، نقول إنه لابد من التأكيد على شجاعة هيئة المحكمة والتزامها بالقانون وبمصالح الشعب الليبى، فى مواجهة حكومة تستند إلى ميليشيات مسلحة منفلتة. وقد أحالت المحكمة القضية للتحقيق والمرافعة، لإصدار الحكم النهائى، وإذا جاء هذا الحكم بتأييد الحكم الابتدائى فسيتعين إلغاء الاتفاقية، أو لجوء حكومة الدبيبة إلى المحكمة العليا للطعن على حكم الاستئناف.. وإلى أن يحدث هذا فإن وقف تنفيذ الاتفاقية يظل واجباً على الحكومة وإلا فإنها ستدخل فى صدام مع القضاء الليبى.. وهذا أمر خطير..
كل التحية للقضاء الليبى الشجاع.