أسامة أيوب يكتب : إلى الذين تطاولوا على الشعراوى والطيب.. خاب سعيكم
إن مثَل الذين تطاولوا على إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوى مؤخرًا كمثل الذى يقف أمام البحر ويقذفه بحجر، فلا الحجر انتقص نقطة من مياه البحر ولا الذين أساءوا إلى الشعراوى انتقصوا شيئا من قيمته الدينية وعلمه الغزير ومكانته الرفيعة لدى أربعمائة مليون فى مصر والعالم العربى وغيرهم من مسلمى العالم.
إن التى رفضت إقامة أمسية دينية عن الشيخ الشعراوى ضمن أمسيات رمضان المقبل على المسرح القومى وإن الذين أيدوها بدعوى أن عليه تحفظات هم فى واقع الأمر قد أعطوا أنفسهم الحق بغير حق وبجهل فى الرفض والاعتراض والتحفظ على إمام الدعاة وإما أن منهم من ينفرون من الدين فى الأساس ويكرهون إعلاء قيمه وسماحته فى تمسح ضال ومضلل بدعاوى الاستنارة والتنوير، بينما كان الشعراوى رائد التنوير والاستنارة في مصر والعالم العربى.
ومما يعد مدعاة للعجب والدهشة أن بعض هؤلاء المتطاولين على الشعراوى ولا أقول أغلبهم لم يقرأوا سورة واحدة من القرآن الكريم اللهم إلا الفاتحة والمعوذتين لأداء الصلوات إن كانوا من مقيمى الصلاة أصلا، ولعلهم أيضًا لم يشاهدوا بعضًا من حلقات خواطر الشعراوى حول القرآن، حيث تعمَّد فى تواضع العلماء الكبار أن يؤكد أنه لا يفسر القرآن بل يدلى بما وصفها بخواطره، بينما الحقيقة أن هذه الخواطر التى ظل التليفزيون المصرى وتنقلها عنه شاشات التليفزيون فى العالم العربى منذ أوائل سبعينيات القرن الماضى وحتى قبل رحيله بأسابيع.. كانت ولاتزال من أهم تفاسير القرآن منذ الأئمة والمفسرين الأوائل، بل أحسب أنها كانت الأفضل على الإطلاق إذ نجح بعبقرية وبطريقة فذة وأيضًا بفتح ومدد من الله فى تبسيط تفسير القرآن وشرح آياته لعموم المسلمين.
<<<
تفرّد الشعراوى فى تفسيره للقرآن شهد به وله كبار علماء الدين والتفسير، فى نفس الوقت الذى أثار إعجاب المثقفين الذين فهموا ما استعصى عليهم فهمه من قبل، مثلما جذبت طريقته المتميزة فى الشرح والتفسير عامة المسلمين فكانوا يشاهدونه ويستمعون إليه بتركيز عميق وانبهار شديد ولايزالون.
ثم إن تفرد الشعراوى فى تفسيره للقرآن غير المسبوق الذى اتسمّ به بل تميّز به عن التفاسير الأخرى والسابقة يرجع إلى تمكنه الكبير من فقه اللغة العربية التى هى لغة القرآن، وبهذا التمكن العميق الذى اعتمد عليه فى التفسير نجح بامتياز فى توضيح ما التبس على الكثيرين أو غاب عنهم فهمه سواء من المشككين أو المستشرقين فكان يفاجئ الجميع حتى بعض العلماء برؤية جديدة تمامًا.
لذا كان الشعراوى بعيد النظر منذ أن كان طالبًا فى الأزهر الشريف عندما أصرّ على الالتحاق بكلية اللغة العربية، بينما كان الإقبال الغالب لدى الطلاب الأزهريين على كليتى أصول الدين والشريعة، فكان ذلك استشرافًا مبكرًا لتميزه فى مهمة الدعوة الإسلامية والتى ذروتها تفسير القرآن.
عبقرية الشعراوى وهى الصفة التى كانت عنوانا لمقالى عقب وفاته.. هى أن تفسيره للقرآن من خلال شاشة التليفزيون اعتمد على الشرح بالصورة والصوت والحركة وإشارات اليدين والإيماءة وهى وسائل إيضاح بالغة التأثير مقارنة بقراءة تفسير مكتوب، ومن ثمَّ فإن تفسير الشعراوى لا يتحقق فهمه إلا من خلال مشاهدته، ولذا فقد وصفته بأنه تفسير «مونودرامى» للقرآن.
فى هذا الإطار يكون الحديث عن الشعراوى المجدد الدينى مع أوائل القرن الخامس عشر الهجرى والذى تحقق به ومعه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يأتى على رأس كل مائة عام من يجدّد للأمة دينها، فكان خير داعية إسلامى بل إمامًا للدعاة، ولذا فإنه ليس لغير علماء الإسلام والمفسرين الاختلاف معه فى تفسيره لآية من آيات القرآن الكريم أو فى رأى فقهى، وهو أمر جائز لهؤلاء المتخصصين من كبار العلماء وحدهم بحسب إمام دار الهجرة الإمام مالك الذى قال وهو جالس فى المسجد النبوى: كلٌ يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر فى إشارة إلى قبر النبى صلى الله عليه وسلم.
أما فى غير الإطار الدينى وحيث إن الشعراوى لم يكن يقدِّم نفسه على أنه سياسى، فإنه يجوز الاختلاف معه وانتقاد بعض آرائه فى غير تفسيره للقرآن من جانب المثقفين ومدعى الاستنارة إذ إنه كأى إنسان له أخطاؤه البشرية، فهو ليس شخصًا مقدسًا ولا معصومًا، غير أنه لا يجوز فى الاختلاف معه التطاول عليه والإساءة إليه بإهالة التراب على تاريخه ومقامه ومكانته بعد ربع قرن من رحيله.
<<<
إذا كان من الممكن تفهم دواعى تطاول شخص أو أكثر من الشخصيات الطائفية فى المجتمع المصرى على الشيخ الشعراوى، فإنه من غير المقبول على الإطلاق أن يتطاول عليه بعض المثقفين من المصريين المسلمين، وهنا أذكر أن أحد الإعلاميين الطائفيين تطاول على الشعراوى فى حوار صحفى نشرته جريدة الدستور قبل سنوات بعيدة، ومن المؤسف أن الصحفى الذى حاوره كان محسوبًا على التيارات الإسلامية السياسية ولكنه لم يرد على ذلك التطاول، وقد قام كاتب هذه السطور بإفحام ذلك المتطاول وانتقاد ذلك الصحفى فى مقال منشور فى جريدة الأسبوع عقب نشر ذلك الحوار المؤسف، المثير بل الأكثر إثارة أن جريدة الدستور التي كان يرأس تحريرها أحد الصحفيين المجدفين فى الدين قد تم إغلاقها قبل أن يصدر العدد التالى للعدد الذى نشر فيه الحوار، وكانت إحدى كرامات الشيخ الشعراوى إمام الدعاة.
<<<
لعلها ليست مصادفة أن يتواكب التطاول على الشيخ الشعراوى وفى أسبوع واحد مع التطاول على الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لأنه هنأ الإخوة المسيحيين بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، وحيث التقى السلفيون الجهلاء بالدين مع الذين يزعمون الاستنارة فى جهل آخر بالدين فى الإساءة والتطاول على الرموز الإسلامية وإلى الأديان الإسلامية كلها، وهو التقاء وتجمع للإساءة إلى مصر كلها.. إلى هؤلاء وهؤلاء خاب سعيكم.