أسامة أيوب يكتب : الرسائل العربية فى مونديال قطر”2 - 2”
رغم أن الحلم العربى لم يكتمل تحقيقه بعد فوز منتخب فرنسا على منتخب المغرب فى المباراة التى انتهت قبل ساعة من منتصف ليلة الخميس الماضى وقت كتابة هذه السطور، فإنه يبقى أن وصول المغرب إلى الدور قبل النهائى كأول منتخب عربى فى تاريخ كأس العالم بعد انتصاره على منتخبى إسبانيا والبرتغال «حامل اللقب سابقا» جاء بمثابة رسالة بالغة القوة من بين الرسائل العربية فى مونديال قطر ٢٠٢٢.
وبعيدا عن التحليلات الفنية والحرفة الكروية لأداء منتخب المغرب التي لا أجيد التحدث عنها، فإنى أحسب أن ثمة أسبابا كانت وراء إخفاقه فى الفوز والصعود إلى الدور النهائى، لعل أولها ارتفاع سقف الطموح والتوقعات لدى جماهير المغرب والجماهير العربية فى ضوء الانتصارات المتلاحقة فى البطولة، وهو الأمر الذي حمّل اللاعبين حملا ثقيلا لتحقيق حلم ٤٠٠ مليون عربى من أقصى الشرق في الدوحة إلى أقصى المغرب في الرباط، وعلى النحو الذى أصاب اللاعبين المغاربة بالتوتر الشديد الذى بدا واضحًا طوال المباراة والذى انعكس على حالة الارتباك التى أسفرت عن تمكن منتخب فرنسا من إحراز الهدف الأول من هدفى المباراة فى الدقائق الأولى من الشوط الأول ثم الهدف الثانى فى الشوط الثانى رغم استحواذ اللاعبين المغاربة على الكرة في غالبية الوقت، وهذا الارتباك مضافا إليه حالة الإجهاد والإرهاق البدنى بعد جهد فائق خلال المباريات الخمس السابقة كان سببا فى إضاعة فرص سانحة كثيرة لإحراز عدة أهداف محققة فى مرمى المنتخب الفرنسى، مع ملاحظة أنه لم يدخل مرماه سوى هدف واحد خلال المباريات الخمس السابقة.
ورغم خسارة المنتخب المغربي أمام المنتخب الفرنسى والتى حالت دون تحقيق حلمه وحلم العرب جميعًا بالصعود للنهائى والذى كان ممكنًا بحكم الأداء البطولى خلال الخمس مباريات السابقة والذى تجلى فى مباراة فرنسا، إلا أنه يكفيه فخرًا أنه حقق المفاجأة، ولذا فقد جاءت تحية الجماهير المغربية للاعبين تأكيدًا لهذا المعنى بعد انتهاء المباراة رغم الحزن علي الخسارة والحرمان من الصعود للنهائى.
لقد أكد الإنجاز المغربى مثلما أكد فوز تونس على فرنسا حاملة اللقب وفوز السعودية على الأرجنتين «حامل اللقب سابقا» قدرة العرب على خوض بطولة كأس العالم بل تحقيق نتائج متقدمة بعد أن كان ذلك أمرًا مستبعدًا قبل مونديال قطر.
<<<
إن أهم ملحظ في مونديال قطر ٢٠٢٢ ومع الإنجاز المغربى هو أنه أكد وحدة شعور الأمة العربية بعيدًا عن الخلافات بين الأنظمة والحكومات، وهذه الوحدة الوجدانية العربية لم تظهر بهذه القوة منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣ ومن قبلها أم كلثوم التي اعترف الرئيس عبدالناصر بأنها نجحت فى توحيد العرب من الخليج إلى المحيط.
لقد غطى مونديال قطر طوال الأسابيع السابقة على كل القضايا الدولية وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية رغم تداعياتها التى امتدت وطالت دول منطقتنا العربية، وكذلك علي القمم الصينية السعودية والخليجية العربية وأيضًا على القمة الأمريكية الافريقية التى تواكب انعقادها مع مباراة المغرب وفرنسا.
<<<
لقد أبطلت قطر طوال أسابيع المسابقة كل حملات التشكيك وبددت المخاوف التي ظلت وسائل إعلام غربية تروّجها عن عدم قدرة قطر على تنظيم واستضافة بطولة كأس العالم، حيث بدا ذلك حسدًا وكراهية للعرب عمومًا، حيث كان إجماع كل المشاركين والحاضرين فى المسابقة وآخرهم الرئيس الفرنسى ماكرون على أن مونديال قطر هو الأفضل في تاريخ البطولة العالمية بمثابة علامة امتياز دولية لصالح قطر والتى باتت علامة من علامات كأس العالم.
<<<
فى ذلك التجمع العالمى فى الدوحة كان المشهد حضاريا بامتياز بشهادة الجميع على حسن الاستقبال وكرم الضيافة العربية المتأصلة ضمن الموروث الثقافي والقيمى العربى، وقد كان مشهد وقوف شباب المتطوعين القطريين أمام الملاعب والساحات لتقديم التمر والقهوة للضيوف مشهدًا غير مسبوق أيضا فى تاريخ كأس العالم وفي أى دولة من الدول التى سبق لها تنظيم هذه البطولة، مثلما كان إتاحة وسائل المواصلات والتنقل مجانا مظهراً آخر من مظاهر حسن الضيافة.
وفى نفس الوقت فقد كانت الحميمية التي أبداها الشعب القطرى والمسئولون عن التنظيم تجاه عشرات الآلاف من الضيوف من أنحاء العالم والذين أكدوا بحسب تصريحاتهم أمام شاشات التليفزيون أنهم لم يشعروا بالغربة فى قطر.. كانت تلك الحميمية التي أشاد بها الضيوف شهادة شعبية عالمية لذلك النموذج القطرى العربى الحضارى في التعايش الإنسانى مع شعوب العالم.
<<<
وفى هذا السياق فقد اتسم مونديال قطر بخصوصية متفردة غير مسبوقة أيضًا فى كأس العالم، حيث أتاح للقادمين من الضيوف التعرف على الثقافة والحياة القطرية والعربية والتعايش معها عن قرب وحيث حرص الكثيرون على التعرف ومشاهدة المعالم التراثية القطرية ومن بينها زيارة سوق واقف أحد أشهر الأسواق الشعبية فى الدوحة واقتناء وارتداء الملابس القطرية العربية مثلما تبدى ذلك التعايش في ترديد الكثيرين الأجانب للكلمات العربية مثل «السلام عليكم» و«شكرًا» حسبما شاهدنا على شاشات الفضائيات العربية.
<<<
لقد تميّز مونديال قطر بأنه أتاح أيضا مدّ الجسور بين مختلف الثقافات لشعوب العالم حيث كان مسرحًآ لتلاقى تلك الثقافات، وهو الأمر الذى جاء تطبيقًا للآية الكريمة فى القرآن «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا….» وهى الآية التى تمت تلاوتها فى افتتاح المونديال، فكانت استهلالاً بديعاً وعبقرياً لا تخفى دلالته البالغة فى ذلك التجمع العالمى لأول مرة فى دولة عربية.
<<<
إن إقامة بطولة كأس العالم لأول مرة فى دولة عربية بل لأول مرة خارج أوروبا وأمريكا اللاتينية باستثناء مونديالي كوريا واليابان وجنوب أفريقيا.. قد جعل كأس العالم اسمًا على مسمى بحيث يمكن إقامته فى أى دولة من دول العالم، إذ إن احتكار أوروبا وأمريكا اللاتينية لإقامته كان ينزع عنه عالمية البطولة ويجعلها بطولة كأس أوروبا وأمريكا اللاتينية، وهو الاحتكار الذى أوقفته إقامة البطولة فى قطر العربية الشرق أوسطية.
<<<
لقد كان مونديال قطر ٢٠٢٢ عالميا بمذاق ونكهة عربية خاصة ومتميزة لأول مرة في تاريخ كأس العالم، إذ أقيم فى دولة عربية وأحرزت فيه المنتخبات العربية انتصارات مفاجئة وكبيرة على أقوى منتخبات العالم.. الأرجنتين، اسبانيا، البرتغال، فرنسا «التى صعدت للنهائى لاحقا» ونجح منتخب المغرب فى الوصول واللعب في الدور النهائى.
الأهم هو ذلك الحضور الفلسطينى الطاغى فى هذه البطولة العالمية الذى تبدى فى مشاهد رفع العلم الفلسطينى من جانب مشجعى المنتخبات العربية فى كل المباريات والفعاليات والساحات وأمام كاميرات الإعلام العربى والعالمى، وعلى النحو الذى أكد ما هو مؤكد وهو أن الجماهير العربية جميعها فى كل الأقطار بامتداد الخريطة العربية لم ولن تنسى فلسطين الحاضرة فى قلب ووجدان الأمة العربية.. أقصد شعوب الأمة العربية.
<<<
وفى انتظار نتيجة مباراة النهائى اليوم «الأحد» وإعلان الفائز بلقب البطولة، فقد كانت هذه السطور استعراضا وقراءة للرسائل العربية في مونديال قطر ٢٠٢٢ واستكمالا للرسائل التى وردت فى مقال الأسبوع الماضى.