أسامة أيوب يكتب : الرسائل العربية فى مونديال قطر

هذا الفوز التاريخى الذى حققه منتخب المغرب على منتخب إسبانيا يوم الثلاثاء الماضى وقت كتابة هذه السطور والذى يمثل إنجازا غير مسبوق كأول منتخب عربى يصعد لدور الثمانية فى تاريخ كأس العالم.. هو ما دفعنى للتعجيل بالحديث عن مونديال قطر بعد أن كنت أنتوى الانتظار إلى ما بعد انتهاء البطولة يوم الأحد المقبل، وذلك بالنظر إلى المشاعر الفيّاضة التى تبدت فى احتفال الشعوب العربية بهذا الفوز مثلما تبدّت فى الفرحة الغامرة للشعب المغربي.
هذه الفرحة العربية الغامرة العفوية عكست بصدق أصالة الانتماء للعروبة بقدر ما أكدت اللُحمة القومية التى تجمع وتوحِد كل الشعوب العربية من أقصى المغرب حسبما اتضح فى مشاهد الاحتفالات فى كل المدن العربية وحيث بدا الانتصار المغربى انتصاراً لكل العرب فى مشاهد رفع أعلام الدول العربية جنبًا إلى جنب مع علم المغرب مع علم فلسطين الذى ظل مرفوعًا خلال فعاليات الدورة.
لقد كشفت مظاهر ومشاهد الفرحة العربية التى تفجرت عقب فوز المغرب عن اشتياق الشعوب العربية إلى الفرح والابتهاج وتحقيق أى نصر حتى لو كان فى مباراة كرة قدم فى تلك البطولة العالمية، وهو النصر العربى المغربى الذى تحقَق على أرض قَطر العربية.
<<<
فوز المنتخب المغربى التاريخى كان بمثابة رسالة عربية بين كثير من الرسائل التى خرجت من الدوحة إلى العالم وهى رسائل بالغة الدلالة، كان أولها نجاح قَطر فى استضافة وتنظيم مونديال 2022، وعلى ذلك النحو الذى شهدت به وسائل الإعلام العالمية والمنتخبات المُشاركة فى البطولة، وحيث أكد الجميع أن هذه الدولة العربية أقامت أفضل دورة فى تاريخ المونديال حسبما أكد ذلك أيضًا مشجعو المنتخبات المُشاركة فى البطولة.
<<<
ورغم خروج المنتخبات العربية الأخرى من المسابقة مبكرًا، إلا أن الفوز الكبير الذى حقَقَهُ منتخب السعودية على منتخب الأرجنتين أحد أقوى المنتخبات العالمية والذى سبق له الحصول على اللقب.. كان بمثابة رسالة عربية أخرى فى هذا المونديال، وهو الفوز الذى احتفت به الشعوب العربية جميعًا بقدر ما أشعرها بالفخر والاعتزاز العروبي، ثم كان الفوز التاريخى الذى حقَقَهُ منتخب تونس على منتخب فرنسا فى أول هزيمة له منذ حصوله على اللقب فى المونديال السابق.. بمثابة رسالة عربية أخرى أسعدت الشعوب العربية مثلما أسعدت الشعب التونسي.
<<<
ثمة رسالة أخرى من رسائل مونديال قَطر وهى أنه رغم هزيمة منتخبها وخروجه من الأدوار الأولى مبكرًا إلا أن تلك الهزيمة الكروية لم تقلل من فخر القطريين بالنجاح الباهر المبهر فى تنظيم البطولة على أرض الدوحة، وحيث اعتبروا أن فوز السعودية على الأرجنتين وفوز تونس على فرنسا تعويض لهم باعتباره فوزاً لكل العرب، مثلما كان فخرهم بصعود المغرب لدور الثمانية بعد فوزها الكبير على إسبانيا، حسبما تبدى فى احتفالهم بتلك الانتصارات العربية الأخرى، وحسبما تبدى فى وقوف الأمير تميم حاكم قطر فى المدرجات رافعا علم المغرب كأى مشجع عربى أثناء المباراة وبعد الفوز، وهو مشهد له دلالته القومية العربية ورسالة بالغة الأهمية.
<<<
وااقع الأمر أن ذلك النجاح الباهر الذى حققته قَطر بتنظيم المونديال فى هذه الدورة يُحسب للإعداد الجيد لهذه البطولة سواء بإقامة ثمانية ستادات على أعلى مستوى ومدرجات تتسع لعشرات الآلاف من مشجعى المنتخبات المُشاركة فى البطولة وفى توفير أماكن الإقامة على أعلى مستوى من الرفاهية أو بتوفير وسائل المواصلات والتنقل للمشجعين والصحفيين والمراسلين والإعلاميين من أنحاء العالم الذين قاموا بتغطية فعاليات المونديال، حيث من المعلوم أن هذا الإعداد وتلك الاستعدادات والتجهيزات استمرت لأكثر من اثنى عشر عاماً منذ موافقة الاتحاد الدولى على إقامة مونديال 2022 فى دولة قطر، ولا شك أن هذا النجاح الذى حققته قطر باستضافة المونديال الحالى كان رسالة عربية أخرى بعثتها دولة قَطر العربية إلى العالم.
<<<
ولا شك أن هذه الرسالة القطرية من شأنها أن تفتح الباب واسعًا أمام دول عربية أخرى لتنظيم دورات قادمة من دورات المونديال فى مستقبل قريب، بعد أن أكدت قَطر قدرة الدول العربية على تنظيم المونديال، وهو الأمر الذى ظل حِكرًا على الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية قبل انتقال المسابقة لأول مرة فى الدورة السابقة إلى قارة آسيا.. فى كوريا واليابان وهو التوجه الذى من شأنه إنهاء احتكار أوروبا لتنظيم هذه البطولة العالمية.
<<<
تبقى الرسالة العربية الأهم والأكبر التى خرجت من مونديال قَطر المُقام فى الدوحة حاليا هى تلك الرسالة التى بعثت بها الشعوب العربية إلى العالم والتى كان عنوانها ومضمونها فلسطين التى كانت الحاضر الأول فى كل فعاليات المونديال.. فى المدرجات أثناء المباريات، وفى ساحات احتفالات المشجعين فى شوارع العاصمة القطرية الدوحة، الذين رفعوا علم فلسطين عاليًا فى إشارة بل رسالة لا تخفى دلالتها إلى شعوب العالم التى كانت تتابع وتُشاهد المباريات سواء فى المدرجات بالدوحة أو أمام الشاشات المنتشرة فى الساحات أو فى كل المدن العربية والعالمية.. هذه الرسالة هى أن فلسطين لم تغب عن الذاكرة والوجدان العربى وسوف تظل حاضرة حتى استعادة شعبها لكافة حقوقه المشروعة وإنهاء الاحتلال الصهيونى البغيض لأرضه المغتصبة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
<<<
لقد كان ذلك الحضور الفلسطينى فى مونديال قطر واضحًا بقوة حسبما شاهدنا على شاشات الفضائيات العربية وحسبما شاهدت شعوب العالم الخزى الذى أصاب مراسلى الصحافة والإعلام الإسرائيليين الذين فشلوا فى إجراء أى مقابلة مع المشجعين العرب فى قطر للتعليق على المباريات، وحيث رفض الجميع التحدث إلى أى إسرائيلى وكانت صيحة تحيا فلسطين هى الرد على هؤلاء وعلى مسمع ومرأى من العالم، بل لقد امتد هذا الحضور الفلسطينى على ألسنة المشجعين الأجانب حسبما شاهدنا والذين كانوا ينهون أحاديثهم مع المراسلين الإسرائيليين بعبارة فلسطين حرة free palastine.
<<<
إنه مما يُعد مدعاة لفخر كل عربى أن قَطر كانت فى بؤرة اهتمام العالم.. الشعوب والإعلام.. طوال الأسابيع الثلاثة الماضية وستظل أيضاً حتى نهاية الأسبوع القادم مع انتهاء المسابقة ولم يشاركها فى ذلك الاهتمام سوى الحرب الروسية – الأوكرانية بمستجداتها وتداعياتها.

ثمَ إنه مما يحسب وبحق لدولة قطر أنها حرصت على التمسك بإعلاء القيم الأخلاقية العربية الدينية والإسلامية خلال استضافتها لهذه الدورة من المونديال، إذ لم تسمح لجماعات المثليين برفع أعلامهم وإشاراتهم المعروفة فى المدرجات أثناء المباريات، ولقد كان مسلكاً مثيراً للاشمئزاز حقًا من جانب الوزيرة الألمانية التى كشفت عن شارة المثليين على ذراعها أثناء مباراة ألمانيا، وهو الأمر الذى بدا خروجًا على الأعراف والبروتوكول وعدم احترام للدولة المُضيفة.
يبقى أن ما جرى فى قطر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية وبما حفلت به من رسائل عربية قد أضفى على هذه الدورة من المونديال نكهة عربية خالصة فكانت دورة عربية بامتياز، حيث لايزال الأمل قائمًا فى صعود المغرب إلى دور الأربعة مع صدور هذا العدد من «الأموال» اليوم (السبت).