د.محمد فراج يكتب : وزير للتعليم أم للمالية؟! تقنين «السناتر» وشركات إدارة المجموعات الدراسية بين الجباية و«الاسترزاق»
انتهاك للدستور وأعباء ثقيلة على الناس فى التوقيت الخطأ
لم يكد المصريون البسطاء يبدأون فى تضميد جراحهم من «معركة» بدء العام الدراسى الجديد بما فيها من مصروفات وزي مدرسى وأدوات كتابية «كراسات وكشاكيل وخلافه» اشتعلت النار فى أسعارها، ولم يكادوا يبدأون فى إجراء «حسبة برما» المألوفة فى محاولة للتوفيق بين نفقات المعيشة واحتياجات أبنائهم من مصروف يومى ودروس ومجموعات..إلخ.. حتى فاجأهم الدكتور رضا حجازى وزير التعليم الجديد بضربة لم تكن فى الحسبان عليهم الاستعداد لمواجهتها، وسيترتب عليها زيادة مؤكدة فى نفقات تعليم أبنائهم، تضاف إلى الأعباء الناجمة عن الغلاء والزيادة المطردة فى نسبة التضخم.
الوزير أعلن فى كلمة له أمام الجلسة العامة لمجلس النواب «١٨ أكتوبر الجارى» أن وزارته تستعد لتقديم تشريعين يقضي أولهما «بتقنين أوضاع السناتر» ويقضى الثانى «بإنشاء شركات لإدارة المجموعات المدرسية»!!
تقنين أوضاع «السناتر» يعنى بالضرورة إخضاعها ليس لمنظومة الضرائب فحسب، بل ولكل أنواع الرسوم الجبائية المرتبطة بقانون تشغيل المنشآت العامة والمتصلة بوحدات الإدارة المحلية وتراخيصها.. إلخ إلخ.. وهو ما سيترتب عليه بالضرورة ارتفاع كبير في تكلفة «الدروس الخصوصية» التى تقدمها هذه «السناتر» التى يعنى تقنينها ببساطة تقنين الدروس الخصوصية وليس لدينا اعتراض على إخضاع أى نشاط ربحى للضرائب، ولا على تنظيم العمل فى أى منشأة عامة، وخاصة بالنسبة «للسناتر» الفقيرة، الموجودة فى الأحياء الشعبية، والتى تتعلم فيها الأغلبية من أبناء الفقراء ومحدودى الدخل «وهم يمثلون الأغلبية الساحقة من التلاميذ» وكذلك «السناتر» التابعة للجمعيات الخيرية وما شابهها، وهذه النوعية الفقيرة من «السناتر» يديرها عادة أناس بسطاء لا قبل لهم بألاعيب موظفى المجالس المحلية بمختلف مستوياتها.
والأمر المؤكد أنه سيترتب علي «التقنين» المزمع ارتفاع كبير فى أسعار «الدروس» سيتعين على أولياء الأمور دفعه، بما يعنى زيادة أعبائهم الثقيلة أصلا.
توقيت قاتل
والملحوظة الثانية هي أن هذه الزيادة فى الأعباء تجىء في توقيت غير مناسب إطلاقا من زاوية تعرض الاقتصاد العالمى بمجمله لأزمة طاحنة، تنعكس بالطبع على الاقتصاد المصري الذى يعانى أيضا من أوجاعه الخاصة، وترتفع نسبة التضخم إلى خمسة عشر بالمائة (١٥٪) وأكثر، وفى ظل ارتفاع نسبة البطالة، ومثل هذه الظروف ليست مناسبة إطلاقا لفرض أعباء جديدة علي قطاعات واسعة من محدودى الدخل وسيترتب على هذا كله طرد نسبة معتبرة من التلاميذ من هذه «السناتر» بسبب عجز أسرهم عن تحمل أعباء جديدة، فضلا عن إغلاق عديد من «السناتر» هربًا من مشكلات وتحكم موظف المحليات وتعقيد عمليات الترخيص..الخ، الأمر الذى يترتب عليه تفاقم البطالة بين العاملين فى هذه «السناتر» من معلمين وسكرتارية وأفراد خدمة.
واللافت للنظر أن الوزير الجديد «د. رضا حجازى» يريد تقنين «السناتر» بينما كان سلفه «د. طارق شوقى» يشن عليها حملة شعواء ويطالب بإغلاقها وبفرض عقوبات مشددة على أصحابها والمدرسين العاملين فيها، ووصل الأمر بالبعض إلى تقديم مشروعات قوانين فى البرلمان تتحدث عن «سجن» المدرسين الذين يعطون الدروس الخصوصية!! ولمدد تصل إلى ١٥ سنة!! أى ما يعادل عقوبة «القتل العمد»!! ويزيد كثيرا عن عقوبة «القتل الخطأ»!! فضلا عن الفصل والغرامات الباهظة.
وبديهي أن أحدًا لم يكن ليأخذ بمثل هذه الخزعبلات الهيستيرية.. لكننا نريد أن نلفت النظر إلى التخبط الواضح فى سياسة الوزارة بمجرد تغيير الوزير.. علمًا بأن الدكتور حجازى كان من كبار معاونى الدكتور شوقى كان وكيلا أول للوزارة!
المجموعات المدرسية والاسترزاق!
الإجراء الثانى الذى يريد وزير التعليم فرضه هو «إنشاء شركات لإدارة المجموعات المدرسية»!! أو «مجموعات التقوية»، ومعروف أن الوزارة كانت قد نظمت إجراء هذه المجموعات بحيث لا تزيد رسوم الحصة فيها عن عشرين جنيها (٢٠ جنيها) وكنا قد أشرنا وقتها (الأموال، ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٠ وفى مقالات أخرى عديدة بجريدة الأموال) إلى أن هذه التسعيرة وإن كانت أقل بكثير من تسعيرة الدروس الخصوصية إلا أنها تظل مرهقة لأولياء الأمور الفقراء، لأن المادة الواحدة تكلف ولى الأمر ثمانين جنيها فى الشهر «عشرين جنيها للحصة كل أسبوع»، أى أربعمائة جنيه شهريا لخمس مواد «اللغة العربية - الحساب فى المرحلة الابتدائية أو الرياضيات فى المرحلة الإعدادية - العلوم - الدراسات الاجتماعية- اللغة الأجنبية».
وهذا كثير خاصة إذا وضعنا فى اعتبارنا أننا نركّز حديثنا على مدارس الفقراء، وأن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر تبلغ حوالى ثلاثين بالمائة من السكان، وأن نسبة كبيرة من التلاميذ تضطر لدخول المجموعات المدرسية، لأن تكدس الأعداد فى الفصول ونقص أعداد المعلمين ووقت الحصص القصير فى مدارس نظام الفترتين، وعوامل أخرى كثيرة تحكم على مستوى العملية التعليمية بالقصور الشديد، وبالتالى فإن اللجوء لمجموعات التقوية يمثل الحد الأدنى المتاح لتحسين وتعلم التلاميذ بدرجة أو بأخرى.
ومعروف أيضا أن مجموعات التقوية تمثل سبيلاً لزيادة دخل المعلمين، فى ظل التواضع الشديد فى أجورهم، وأن كل معلم يدفع نسبة محددة مما يحصل عليه إلى المدرسة شهريا نظير استخدامه للمكان، ويحصل المرتبطون بتنظيم هذه العملية على نسب متفاوتة، كما يتم رفع نسبته إلى الإدارات التعليمية، وما يتبقى يتم الإنفاق منه على احتياجات الصيانة والنثريات التى يتطلبها العمل اليومى، ومكافآت عمال النظافة.. إلخ، وذلك فى ظل ضعف موازنات المدارس والإدارات التعليمية والوزارة عموما، وهذه أمور معروفة لكل من له أدنى صلة أو اهتمام بمسائل التعليم. كما أن العملية بسيطة ولا تحتاج إلى تعقيدات إدارية.
فما هو إذن السبب الذى يدعو السيد الوزير للحديث عن تأسيس شركات لإدارة المجموعات المدرسية؟! وما هى وظيفة هذه الشركات «التى ستدفع للمدرسين أجور حصصهم فورًا؟»، علمًا بأنهم يحصلون عليها «فورًا» من التلاميذ دون حاجة إلى أى شركات، وهل وزارة التعليم بها خبراء فى «البيزنس» لا عمل لهم ومطلوب إيجاد وظيفة لاستغلال طاقاتهم؟!! أم سيتم جلب خبراء من خارج الوزارة لإدارة هذه الشركات المقترحة؟ وكم سيكلف الهيكل الإدارى لهذه الشركات ــ غير الضرورية إطلاقا ــ من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات ومديرين وموظفين؟! ومن الذى سيدفع تكلفة ذلك كله؟
واضح تمامًا أن من سيدفع هذه التكلفة الزائدة ــ وغير الضرورية إطلاقا ــ هم التلاميذ وأولياء أمورهم بالدرجة الأولى، وربما المدرسون بدرجة معينة.
لكن السؤال الذى يظل ملحًا هو: لماذا؟ ما هى ضرورة هذه الشركات العجيبة؟ ما هى ضرورة إقحام أشكال تنظيمية جديدة وأشخاص جدد علي عملية بسيطة تجرى بشكل سلس؟ ولماذا يتكبد التلاميذ وأولياء الأمور أعباء دخول هذه الشركات والأشخاص القائمين عليها فى هذه العملية البسيطة؟! الإجابة بسيطة أيضًا!! واضح أن هناك أشخاصا يريدون أن «يسترزقوا» باختلاق أدوار مفتعلة والتطفل على عملية تنظيم المجموعات المدرسية.. المنظمة أصلا دون حاجة إلى أى شركات.. وأن أولياء الأمور هم المطلوب منهم دفع تكلفة وجود هؤلاء السادة المنتفعين دون أى سبب مقنع!! فهل من المعقول أن يتم اختراع «سبوبة» لاسترزاق المنتفعين على حساب أناس محدودى الدخل تثقل الأعباء كاهلهم أصلا؟
وهل نحن بحاجة إلى زيادة الاحتقان الاجتماعى فى ظل الأوضاع الصعبة التى يعانيها اقتصاد البلاد والمنطقة والعالم؟؟!! ولأن يتم هذا من أجل مجموعة من المنتفعين دون إحساس بالمسئولية الاجتماعية والوطنية أو احترام للدستور؟
يا سيادة الوزير إن هذه المسئولية تفرض عليك سحب هذين الاقتراحين واضحى الخطأ والضرر، سواء من حيث المبدأ أو من حيث التوقيت، وقد نهمس فى أذنك بأن تترك مثل هذه الأفكار لوزير المالية!
الدستور المنسى!
يرتبط الاقتراحان اللذان قدمهما الوزير بفكرة أوسع هى مجانية التعليم أو جعله للقادرين فقط، وبعديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فى بلادنا، والتى تؤثر فى مستوى التعليم عموما، والتعليم الأساسى فى المدارس الحكومية خصوصًا، وقد أصبحت شائعة فى العقدين الأخيرين ــ وتزداد انتشارا كل يوم ــ أفكار من قبيل أنه ليس من الضرورى أن يتعلم الجميع، وأن كل شخص يجب أن يتعلم «على قد فلوسه»! بل وتنتفخ أوداج البعض ويسألون منفعلين: هل تريدون أن تعلموا أولادكم «ببلاش»؟! وغير ذلك من الأفكار الرجعية المتخلفة والجاهلة، التى لا علاقة لها بالعصر ولا بضرورات تقدم بلادنا.
والحقيقة أنه ينبغى تذكير هؤلاء ــ وكل من يهمه الأمر ــ بالدستور المصرى وخاصة المادة ١٩ منه التى تنص بوضوح على «مجانية التعليم الأساسى» وعلى أن الإنفاق الحكومى على التعليم قبل الجامعى يجب أن يمثل أربعة فى المائة (٤٪) من الناتج المحلى الإجمالى، وهذا الدستور لابد أن يكون محل احترام من الجميع، وخاصة من المسئولين الذين أقسموا على احترامه، وهو ما يوجب الامتناع عن اقتراح أى «اختراعات» تتناقض مع مبدأ «مجانية التعليم» ليس باعتبارها أفكارا تتناقض مع التيار العام للتفكير الاجتماعى فى العالم فحسب، ولا لمقتضيات تطور بلادنا وأمنها القومى فقط، بل وأيضا باعتبارها انتهاكًا صريحًا للدستور وجوهر مواده، وخاصة المادة ١٩ وحنثاً باليمين من جانب أى مسئول أقسم على احترام هذا الدستور.
وسوف تكون لنا عودة في أقرب فرصة بإذن الله إلى التعليم وقضاياه.