أسامة أيوب يكتب.. مصر بدلاً من «إيجيبت».. مطلب وطنى مسكوت عنه وطال انتظاره
أعترف أنى تأخرت كثيرًا طوال أكثر من أربعة عقود مضت منذ احترافى مهنة الصحافة فى إثارة هذه القضية الوطنية التاريخية بالغة الأهمية والتي وجدتنى مدفوعًا لإثارتها فى هذه السطور هذه الأيام، حيث شغلتنا في السنوات الماضية أحداث وقضايا سياسية وطنية وعربية وأخرى عالمية مرتبطة بدرجة أو بأخرى بقضانا.. كانت لها الأولوية العاجلة وقتها، ولذا ظلت هذه القضية مؤجلة وإن لم تغب أبدًا عن تفكيرى الذى ألحَّ علىّ بشدة لطرحها اليوم.
ومعتذرًا عما أعتبره تقصيرا وتأجيلا، فإنى أحتمى بقاعدة «أن تأتى متأخرًا أفضل من ألا تأتى أبدًا».
بعد هذه المقدمة التي أحسب أنها طالت قليلا، أدخل فى صميم الموضوع وأقول إن القضية هى اسم مصر الذى يشار إليه باللغات الأجنبية فى العالم الخارجى باسم «إيجيبت» Egypt حتى إذا كان الحديث عنها فى داخل مصر بلغة أجنبية، بل إن المتحدث المصري أو العربى يسميها أيضا «إيجيبت» إذا كان يتحدث للإعلام الأجنبى أو فى منتدى أو محفل دولى أو أممى، وحتى بدت «إيجيبت» ترجمة لـ«مصر»!
وبصرف النظر عن تفاصيل تاريخية كثيرة حول كلمة «إيجيبت» وأصلها اللغوى المشتق من كلمة «إيجيبتوس» فى اللغة اليونانية وحيث جرى فرضها على العالم بل على المصريين أيضا، وحتى بصرف النظر عن أن اسم مصر مشتق من اسم «مصرايم» أحد أبناء النبى نوح عليه السلام، وهو ما يعني أن مصر هى الاسم القديم، لكن يبقى فى كل الأحوال أن مصر هى الاسم الحقيقى الذي عرفت به هذه الأرض وأقرّه أهلها عبر التاريخ البشرى المكتوب بل قبله.
إن مصر هو الاسم الذى ورد ذكره صراحة فى كل الكتب والديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلامية، ففى الانجيل جاءت آية «مبارك شعب مصر»، ثم إنها ذكرت أيضا فى التوراة، ولايزال اليهود المتحدثون باللغة العبرية يذكرونها باسم «مصرايم» بحسب النطق العبرى مثلها مثل «سمايم» فى الإشارة إلى السماء وهكذا.
وفى القرآن الكريم ورد ذِكر مصر صراحة في أربعة مواضع على الأقل حسبما أذكر، وإذا كان القرآن قد نزل عربيا، وإذا كانت مصر قد استعربت منذ أربعة عشر قرنا، وإذا كانت هويتها عربية، فإنه من غير الجائز ولا المقبول تاريخيا ووطنيا أن يرتضى المصريون تغييب اسم مصر فى العالم وأن تتم ترجمتها إلى الاسم الدخيل «إيجيبت» الذى جري فرضه فرضا في غفلة من الزمن ومن المصريين أنفسهم، إذ أن أسماء الأوطان مثلها مثل أسماء الأشخاص لا تترجم ولا تنطق أو تكتب إلا بلغة أصحاب البلد.
هذه السطور دعوة أو بالأحرى مطلب وطنى لإلغاء اسم «إيجيب» المتداول فى العالم.. منطوقا أو مكتوبا وكذلك فى مصر بالضرورة عند كتابتها أو نطقها باللغات الأجنبية، ليكون الاسم الرسمى هو مصر وبحيث يتم إبلاغ دول العالم.. إعلامها وصحفها ومؤسساتها بالاسم المعتمد «مصر» وأن يتم كذلك إبلاغ منظمة الأمما لمتحدة والمنظمات والهيئات التابعة بذلك أيضا، ولعله من المعلوم أو غير المعلوم للكثيرين أن اللغة العربية هى إحدى اللغات الست المعتمدة فى المنظمة الأممية منذ عام ١٩٧٣ فى أعقاب نصر السادس من أكتوبر.
ومن المؤكد أن صدور قرار رسمى مصرى باعتماد اسم مصر miser بدلا من إيجيبت Egypt من شأنه أن يلقى إقرارا من العالم باعتباره قرارا وشأنا مصريا وطنيا وعملا من أعمال السيادة وبذلك يتوارى ويختفى تماما اسم «إيجيبت» ويصير نسيا منسيًا من الماضى وليستعيد المصريون اسم «مصر» في أرجاء العالم فى استحقاق يرسِّخ هويتهم الوطنية والتاريخية وليكن الشعار الذى يتعين رفعه من الآن فى الداخل والخارج هو: قل Misr ولا تقل Egypt.
إن التمسك باسم مصر واعتماد هذا الاسم في العالم ينطوى فى حقيقة الأمر على تمسك بالهوية الوطنية التى تنبهت انخب السياسيةوالفكرية والثقافية إلى ضرورة الحفاظ عليها وترسيخها، ومن ثمَّ إحياء ما تراجع منها بفعل متغيرات فى العصر الحديث، وما شهده من تقدم فى مجالات التكنولوجيا والاتصال، وحيث جرى إغفالها أو التغافل عنها وعلى النحو الذى بات يُنذر بخطر داهم على تلك الهوية.
إن اعتماد اسم مصر Misr في العالم وفى الداخل يصب مجددا فى واقع الأمر فى صون الهوية وتكريسها وترسيخ انتماء واعتزاز المصريين بها خاصة لدى الأجيال الجديدة من الشباب صغار السن والأطفال الذين باتوا يتعرضون فى غيبة حوائط صد وموانع قوية لغزو ثقافى وأخلاقى وفكرى يستهدف هدم منظومة القيم والتقاليد الأصيلة لدى المصريين، بقدر ما يستهدف سلخهم من هويتهم الحقيقية حتى يتحولوا إلى شعب بلا هويةواضحة.
وفى هذا السياق وفيما له صلة قوية بالقضية والهوية، فإنه يتعين الإشارة إلى قضية اللغة العربية التى تعرضت للخطر ولاتزال وعلى نحو متزايد ومقلق في السنوات الأخيرة وحتى الآن سنة بعد سنة.
ولأنه من المعلوم بالضرورة أن اللغة العربية هى وعاء ثقافتنا التى هى عربية، فإن خطر تراجعها حسبما نشهد حاليا لحساب اللغات الأجنبية أو بسببها، إنما يعنى وبكل تأكيد أنها مهددة ــ تدريجيا ــ بالاندثار والضياع وعلى النحو الذى من شأنه بالضرورة تهميش الهوية المصرية العربية وطمس معالمها ومحتواها المتوارث عبر التاريخ.
بوادر ذلك الخطر المحدق باللغة العربية فى مصر تتبدى بل تبدت بالفعل فى أحاديث كثير من الإعلاميين والسياسيين والصحفيين والذين من المفترض أنهم من الأدباء والمثقفين والذين يقعون فى أخطاء نحوية فادحة وعلى نحو فاضح وغير لائق بمن هم فى مكانتهم، ولعلنا جميعا نذكر كيف كانت اللغة العربية تنتحر على لسان الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب السابق وهو يتحدث بثقة غريبة وهو يدير جلسات البرلمان!
ولقد كانت دهشتى ودهشة الكثيرين من الأخطاء النحوية التى وقع فيها قضاة كبار خلال جلسات المحاكمات المذاعة على شاشات التليفزيون فى السنوات الأخيرة، وكانت الدهشة بل الأسف الشديد عندما أخطأ قاضى فى قراءة كل كلمة من آية من القرآن الكريم! والمثير للأسف أن تلك الأخطاء اللغوية تمتد أيضا إلى الأخطاء الإملائية أيضا.
وإذا كانت حالة تردى اللغة العربية قد تفشت في أوساط النخبة، فإنه لا غربة أن تستطرق هذه الحالة فى أجيال الشباب من خلال المدارس وخريجى الجامعات حسبما شهدنا ونشهد يوميا.
ثم إن ذلك الخطر الداهم المحدق باللغة العربية ويهدد باندثارها إنما ينطوى على خطر آخر لا يهدد بطمس الهوية المصرية العربية فقط لا أبالغ إذا قلت إنه يهدد الدين أيضا، باعتبار أن الجهل باللغة سينعكس بالضرورة على قراءة القرآن الكريم قراءة صحية ومن ثمَّ فهم آياته فهمًا صحيحًا وهو الذى نزل عربيا مبينا.
وسط ذلك الخطر الذى يتهدد اللغة العربية والهوية المصرية والوطنية، فإنه من اللافت بشدة ذلك الاندفاع المحموم والذي تزايد بشدة فى الآونة الأخيرة من جانب أبناء الطبقات العليا وفوق المتوسطة لإلحاق أبنائهم بالمدارس الدولية ومدارس اللغات فى مسلك يعكس نوعا من الاستعلاء الطبقى وتطلعًا للوجاهة الاجتماعية.. متباهين بجهل أبنائهم للغة العربية وإجادتهم للغات الأجنبية، بينما يتخرج هؤلاء الأبناء من تلك المدارس فى منأى عن لغة بلدهم وهويتهم الوطنية.
ومع الإقرار بالحق فى اختيار نوعية المدارس الدراسة بحثا وسعيا لتعليم أفضل وأكثر تقدما أو حتى تطلعا للوجاهة، إلا أنه يتعين فى نفس الوقت ولدواعى الحفاظ على الهوية الحرص على مراعاة إتقان اللغة العربية بنفس الحرص على إتقان اللغات الأجنبية، وهو الأمر الذى يستلزم رقابة وزرة التعليم على المقررات الدراسية بالمدارس الدولية.
ولعله ليس سرا أن توجه الطبقات العليا وفوق المتوسطة نحو إلحاق أبنائهم بالمدارس الدولية ومدارس اللغات المتميزة ثم الجامعات الأجنبية بعد ذلك إنما يستهدف فى واقع الأمر حصول الأبناء بعد التخرج علي الوظائف المرموقة والمتميزة فى الدولة ومؤسساتها المختلفة، إذ تشترط تلك الجهات أن يكون المتقدم للوظيفة من خريجى المدارس الدولية ومدارس اللغات والجامعات الأجنبية أيضا.
ولذا فإن ذلك التميز الدراسى والذى يمتد إلى تميز طبقى فى الوظائف على حساب أبناء الطبقات المتوسطة وسوف تكون له آثاره وتداعياته الاجتماعية فى مستقبل ليس ببعيد وعلى نحو يهدِّر تكافؤ الفرص ويمس السلام الاجتماعى.
إن المشهد التعليمى فى مصر فى ضوء ذلك التمايز والتميز الدراسى بانعكاساته المخلة بتكافؤ الفرص فى الحصول على التعليم المتقدم، يستدعى تدخلا جادا من وزارة التعليم بحكم مسئوليتها الدستورية والوطنية الاهتمام الجاد بتدريس اللغات الأجنبية فى المدارس الحكومية التى يدرس فيها أبناء غالبية الشعب المصرى لإتقان تلك اللغات مثلهم مثل الدارسين بمدارس اللغات والمدارس الدولية أو الاقتراب من مستواهم على أقل تقدير، وهو أمر يمثل تصحيحا وطنيا ضروريا لمشهد تعليمى غير متكافئ.
لكل ما سبق تبقى الأهمية الكبرى للحفاظ على الهوية الوطنية المصرية وترسيخها فى الداخل والخارج، وهو الأمر الذى يرتبط ارتباطا وثيقا كما أسلفت فى هذه السطور بمطلب اعتماد اسم مصر misr بدلا من إيجيبت egypt لدى كل دول العلام وبكل اللغات.
وأحسب أن مؤتمر المناخ المقرر انعقاده فى مدينة شرم الشيخ على أرض مصر في شهر نوفمبر المقبل من الممكن أن يكون مناسبة مهمة وفرصة سانحة لإطلاق اسم miser وإلغاء تداول اسم egypt فى ذلك التجمع الدولى الضخم في حضور قادة العالم من كل القارات وعلى مرأى ومسمع شعوب الأرض عبر شاشات التليفزيو والصحافة العالمية.