أسامة أيوب يكتب : العنصرية البريطانية فى انتخاب خليفة جونسون
تحديات صعبة أمام ليز تراس ثالث امرأة ترأس الحكومة فى بريطانيا
بتكليف الملكة اليزابيث الثانية للسيدة ليز تراس بتشكيل الحكومة البريطانية الجديدة رسميًا يوم الثلاثاء الماضى وقت كتابة هذه السطور غداة فوزها بزعامة حزب المحافظين خلفًا لـ«بوريس جونسون» المستقيل قبل شهرين، فإنها تكون ثالث امرأة تشغل منصب رئيس الحكومة بعد مارجريت تاتشر وتريزا ماى ومع أنها ربما تكون أقوى من تريزا ماى، إلا أنها من المؤكد لن ترقى إلى قوة تاتشر التى كانت تُوصف بالمرأة الحديدية.
فوز ليز تراس فى نهاية جولات من السباق المحموم داخل حزب المحافظين من ثمانية مرشحين لخلافة «جونسون».. كان مفاجأة السباق وإن لم يكن مفاجأة الساعات الأخيرة، حيث أكدت التسريبات فى كواليس الحزب أنها الفائز بخلاف التوقعات المُبكرة التى كانت تشير إلى فوز منافسها فى المرحلة الأخيرة من السباق ريش سوناك وزير المالية المستقيل من حكومة جونسون الذى كان قد تصدَّر الاستطلاعات فى بداية المرحلة الأخيرة.
كان السباق الانتخابى لانتخاب رئيس جديد للحزب والحكومة قد بدأ فعليا يوم ١٣ من يوليو الماضى وبعد نحو أسبوع من استقالة جونسون يوم ٧ يوليو بين المرشحين الثمانية الذين استوفوا شرط الترشح بحسب اللجنة المسئولة عن التصويت فى الحزب والمعروفة باسم «لجنة ١٩٢٢» وهو حصول المرشح على دعم ٢٠ نائبًا برلمانيا عن الحزب ثم عليه أن يتحدث إلى نواب مجلس العموم «البرلمان» فى المرحلة الأولى ثم توالت مراحل التصويت بخروج من يفشل فى تأمين ٣٠ صوتا من أصوات نواب الحزب ومع تكرار المراحل وصل عدد المتنافسين إلى مرشحين اثنين فقط إلى المرحلة الأخيرة واللذين كانا سوناك وليز تراس وحيث فازت «ليزا» فى التصويت الأخير الذى يُشارك فيه جميع أعضاء الحزب.
<<<
المرشحون الثمانية الذين خاضوا السباق نحو رئاسة الحزب والحكومة كان في مقدمتهم ريش سوناك وزير المالية المستقيل من حكومة جونسون وليز تراس وزيرة الخارجية ثم كل من جيريمى هانت وزيرة الصحة السابقة، بينما موردونت وزيرة التجارة والتى تصدرت الاستطلاعات فى البداية، وكيمى بادنيوش وزيرة المساواة السابقة، وقاظم زهاوى وزير المالية الذى عيّنه جونسون بعد استقالة سوناك، وأخيرًا توم توجندهات رئيسة لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس العموم ثم سويلا برافرمان المدعية العامة.
< <<<
هذا التغيير الذى جرى فى زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية جاء بسبب استقالة بوريس جونسون من رئاسة الحزب توطئة لاختيار من يخلفه فى رئاسة الحكومة يوم ٧ يوليو الماضى وحيث أعلن استمراره في منصبه الحكومى ريثما يتم انتخاب زعيم جديد للحزب يتولى رئاسة الحكومة.
استقالة جونسون بعد موجة غير مسبوقة من الاستقالات داخل حكومته بلغت استقالة أكثر من خمسين وزيرا ومسئولا، كان أولها استقالة ساجد جاويد وزير الصحة ثم تلاها استقالة ريش سوناك وزير المالية وبعدها توالت الاستقالات، وهو الأمر الذى أجبر جونسون ــ سياسيا ـ على التقدم باستقالته.
وبينما كانت الاستقالات من حكومة جونسون احتجاجا على سياساته وإدارته للحكومة، فإن ثمة أسباباً أخرى تتعلق بفضائح جنسية لعدد من المسئولين إلا أن القضية الكبرى كانت إقامته لحفل بمنزله فى ذروة جائحة «كورونا» بالمخالفة لقواعد الإغلاق والتباعد الاجتماعى، وهى الفضيحة المعروفة بـ«بارتى جيت»، ولذا ولكل الأسباب سالفة الذكر فقد توجّب عليه سياسيا الاستقالة.
<<<
ولقد كانت أولى مفاجآت السباق بين المرشحين الثمانية هى خروج «بينى موردونت» وزيرة التجارة وأول امرأة تتولى وزارة الدفاع عام ٢٠١٩ من السباق مبكرا رغم أنها كانت تتصدر السباق فى البداية حيث كانت الأوفر حظًا بالفوز خاصة أنها تحظى بتأييد قاعدة كبيرة وقوية داخل صفوف الحزب من الأكثر يمينية.
<<<
أما المفاجأة الثانية والأخيرة فكانت خسارة ريش سوناك وزير المالية السابق وثانى المستقيلين من حكومة جونسون رغم أن الاستطلاعات والتوقعات مع بدء المرحلة الأخيرة والحاسمة من التصويت كانت ترجّح فوزه باعتباره خبيرا اقتصاديا والأكثر جدارة برئاسة الحكومة فى الوقت الراهن الذى تواجه فيه بريطانيا أزمة اقتصادية طاحنة، إلا أن تصويت غالبية أعضاء حزب المحافظين حسم فوز منافسته ليز تراس برئاسة الحزب والحكومة البريطانية الجديدة.
<<<
خسارة ريش سوناك والتى بدت مؤكدة فى الساعات الأخيرة قبل إعلان نتيجة التصويت حسبما تسرَّب من كواليس الحزب كانت بسبب أنه من أصل هندى وهو الأمر الذى توقعه هو شخصيًا رغم دخوله المرحلة الأخيرة من التصويت مع ليز تراس حيث صرح بقوله «أنا المرشح الأضعف لأن القوى التى لها صلاحية اتخاذ القرار فى الحزب ترغب فى تتويج المرشح المنافس الآخر (يقصد ليز تراس)».
<<<
اللافت فى عملية انتخاب خليفة جونسون كان انسحاب ساجد جاويد وزير الصحة السابق وأول المستقيلين من حكومة جونسون احتجاجا على سياساته وعلى الفساد من خوض المنافسة على منصب زعيم الحزب، إذ استشرف مبكرا أنه لن يحظى بأى فرصة للمنافسة بسبب أنه من أصل باكستانى أولا وأنه مسلم ثانيا، ولهذا السبب العرقي أيضا أخفق ريش سوناك «من أصل هندى» فى الفوز برئاسة الحزب أمام منافسته ليز تراس.
ورغم أنه من الممكن تفهم انسحاب ساجد جاويد فى سباق موروث المبادئ فى السياسة البريطانية وفى حزب المحافظين اليمينى المتشدد والذى يشبه الحزب الجمهورى فى أمريكا حيث من غير المقبول على الإطلاق أن يترأس شخص مسلم الحكومة البريطانية والحزب، فإنه من غير الممكن تفهم اسقاط «ريش سوناك» بعد أن وصل إلى المرحلة الأخيرة من المنافسة لمجرد أنه من أصل هندى رغم أنه كان الأقرب للفوز وفقا للقواعد الديمقراطية الموضوعية حيث كان يشغل منصب وزارى فى الحكومة السابقة وكان أول المستقيلين الخمسين من الحكومة ورغم أنه الأجدر برئاسة الحكومة مقارنة مع «ليز تراس» وذلك بحكم خبرته الاقتصادية الكبيرة المشهود له بها من الجميع حتى داخل الحزب ذاته.
<<<
إنه لا تفسير حقيقياً لما جرى فى انتخابات زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة الجديدة سوى أنه توجه أصيل داخل الحزب وفى بريطانيا بوجه عام ينطوى على عنصرية عرقية فى المملكة المتحدة التى يتشدق سياسيوها بمبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة وأنها أعرق ديمقراطية فى العالم، وهى المبادئ التى بدت مزعومة، إذ سقطت فى اختبار ديمقراطى فارق لاختيار رئيس الحزب والحكومة، حيث انحازت الأغلبية إلى المرشحة البيضاء بريطانية الأصل على حساب المرشح الأكثر جدارة لأنه ينتمى إلى عرق آسيوى غير بريطانى.
وإذا كانت هذه العنصرية تتراجع وقد تراجعت فى بعض الأحيان عندما يتعلق الأمر بالمناصب الوزارية والحكومية الأخرى، حيث سبق أن تولاها غير ذوى الأصول البريطانية ومن أعراق مختلفة «أغلبها آسيوى»، إلا أنها تتبدى بقوة عندما يتعلق الأمر بمنصب رئيس الحكومة، إذ ليس مسموحا أن يتولى شخص غير بريطانى رئاسة الحكومة أو زعامة أى حزب، وهو الأمر الذى انطبق تمام الانطباق على ريش سوناك الذى لو فاز فإنه سيكون أول هندى يترأس الحكومة البريطانية وهو الأمر الذى كان مستحيلا.
<<<
قراءة السيرة الذاتية لزعيمة حزب المحافظين ورئيسة الحكومة الجديدة ليز تراس (٤٧ عاما) تشير إلى أنها تحظى بشعبية كبيرة لدى القاعدة الشعبية للحزب، وتتضمن مسيرتها السياسية أنها تولت وزارة التجارة الدولية فى بداية تشكيل حكومة جونسون، كما أنها شغلت منصب كبيرة مفاوضى بريطانيا مع الاتحاد الأوروبى، وقد خاضت حملة مناهضة للخروج من الاتحاد «بريكست» غير أنها غيّرت رأيها بعد الاستفتاء علي الخروج، كما أنها تولت ملف قواعد التجارة الخاصة مع أيرلندا الشمالية حيث عرف عنها اتخاذها مواقف متشددة خلال تلك المفاوضات.
ثمَّ إن ثمة معلومة مهمة أخرى وهى أن اسمها الحقيقى هو «مارى اليزابيث تراس» غير أنها اختصرته إلى ليز فقط حتى لا يصطدم اسمها «اليزابيث» مع اسم ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية.
< < < <
ليز تراس تبدأ رئاستها للحكومة مع العديد من التحديات الصعبة وأهمها وأولها التحدى الاقتصادى، حيث تواجه أسوأ ميراث اقتصادى منذ عهد مارجريت تاتشر، متمثلا فى ارتفاع غير مسبوق فى معدلات التضخم الذى بلغ أكثر من ١٠٪ ولايزال مرشحا للارتفاع أكثر، بينما تانى بريطانيا من حالة ركود كبير فى الوقت الذى تتردى فيه الأوضاع المعيشية، إضافة إلى الأخطر وهو ارتفاع أسعار الكهرباء والطاقة.
ورغم تلك التحديات الصعبة فإن رئيسة الحكومة الجديدة تعهدت بتخفيف غلاء المعيشة وتخفيض الضرائب على التأمينات والأهم فى سياق تعهداتها هو تجميل فواتير الكهرباء والتى سترتفع ارتفاعا كبيرا فى قادم الأيام مع فصل الشتاء وحيث يستمر المستهلكون فى دفع الفواتير وفقا للأسعار الحالية على أن يجرى دراسة إيجاد بدائل لتمويل الفارق فى الأسعار من بينها اللجوء إلى القروض.
هذه التعهدات من جانب «ليز» للتعامل مع التحديات الاقتصادية قوبلت من جانب حزب العمال المنافس التقليدى للمحافظين بعدم التصديق وأن لرئيسة الحكومة لن تفلح في التصدى الحقيقى لها وأن من شأنها زيادة معدلات التضخم.
أما التحدى الآخر فهو معالجة الانقسام داخل صفوف حزب المحافظين، بينما التحدى الأخير هو تعهدها بمواصلة الدعم المقدم لأوكرانية بحيث تظل بريطانيا فى عهدها الحليف الأكبر لها وهو الدعم الذى من شأنه زيادة حدة الأزمة الاقتصادية فى بريطانيا.
<<
يبقى أخيرًا أنه وفقا للسوابق السياسية فى بريطانيا فإن حكومة «ليز تراس» قد لا تبقى في الغالب طويلا لاستكمال مدة حكومة جونسون، إذ قد تضطر إلى الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة قد تُسفر عن حكومة جديدة يُشكلها حزب العمال وتبقى كل الخيارات قائمة.