أسامة أيوب يكتب : فى قمة جدة.. ماذا يريد بايدن من دول المنطقة؟
تأتى زيارة الرئيس الأمريكى چو بايدن إلى المنطقة بعد أسبوعين والتى تبدأ بزيارة لإسرائيل والأراضى الفلسطينية ويعقبها عقد قمة مع قادة دول الخليج العربي ومصر والأردن والعراق في السعودية.. تأتى وسط أجواء من الترقب والالتباس والتوتر تخيِّم على الشرق الأوسط، بينما لاتزال الحرب الروسية الأوكرانية مشتعلة بتداعياتها الاقتصادية والغذائية ومن بينها أزمة الطاقة وحيث يصطف الغرب الأوروبى مع أمريكا.. دعمًا عسكريًا وماليًا لأوكرانيا واستهدافًا لحصار روسيا ومحاولة تركيعها.
ولقد بدا واضحًا أن الرئيس بايدن ومعه رئيس الوزراء جونسون تحديدًا ماضيان قدمًا فى إطالة أمد الحرب والحيلولة دون إيجاد حل سلمى للأزمة عبر مفاوضات دبلوماسية بين موسكو وكييف رغم تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية التى تواجهها الدول الأوروبية التى يسوقها بايدن ويورطها فى استمرار الحرب مع كلفتها الاقتصادية والمالية الباهظة، إضافة إلى أزمة الطاقة ونقص إمدادات النفط والغاز وعلى النحو الذى يؤثر تأثيرًا سلبيًا على آلياتها الصناعية فى نفس الوقت الذى يتزايد فيه ارتفاع معدلات التضخم على نحو غير مسبوق.
اللافت كان موقف الرئيس الفرنسى من بين كل المواقف الأوروبية والأمريكية والذى يميل إلى حل الأزمة عبر المفاوضات والحوار، مع ملاحظة رفضه القاطع لإضافة عقوبة أخرى على روسيا بإدراجها ضمن الدول الإرهابية معتبرًا أن ذلك منوط بمحكمة الجنائيات الدولية دون غيرها سواء من جانب أمريكا أو أوروبا.
ثم إنه ليس سرًا أن فى مقدمة أهداف قمة جدة التى يعقدها بايدن مع قادة المنطقة تأتى قضية النفط بعد أن رفضت السعودية زيادة إنتاجها بعد مطالب متكررة من الرئيس الأمريكى.. رفضت الرياض الاستجابة لها لتعويض النقص فى إمدادات الطاقة بعد الخطر الأمريكى على روسيا، وهو الأمر الذى تسبب فى تعكير مؤقت للعلاقات السعودية الأمريكية.
<<<
الأمر المهم الآخر فى أجندة بايدن المطروحة على قادة المنطقة في قمة جدة وهو السبب الذى دفعه إلى عقدها ولم تقتصر زيارته على السعودية فقط للتفاوض بشأن زيادة إنتاجها من النفط.. هو ما يصفه بأمن المنطقة فى ضوء ما يعتبرها تهديدات إيرانية لإسرائيل «فى المقام الأول» ومعها السعودية ودول الخليج الأخرى.
وبحسب ما تم من تسريبات قبل الزيارة فإن الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن تتجه لإقامة حلف دفاعى عربى إسرائيلى ليكون «ناتو الشرق الأوسط» سواء برضاء البعض وبالضغط على البعض تحت مبرر ضمان أمن الشرق الأوسط، والحقيقة أن هذا المسعى الأمريكى يستهدف فى حقيقة دمج إسرائيل فى دول المنطقة العربية من خلال دمج أمنها مع الأمن الإسرائيلى داخل هذا الحلف المقترح.
الحقيقة أن هذا الحلف الدفاعى الذى تقترحه أمريكا وتضغط لإقامته يأتى تلبية لمطلب إسرائيلى لمواجهة إيران بالاشتراك مع دول المنطقة وخاصة دول الخليج بزعم أن الخطر الإيرانى يُطال هذه الدول، فى الوقت الذى يرى البعض ويؤكد أن إيران لن تقوم بأى عمل عدائى ضد الخليج على الأقل فى الوقت الراهن، ولذا فإن توريط دول المنطقة والدول الخليجية فى دخول هذا الحلف من شأنه توريطها فى حرب ضد إيران لصالح إسرائيل وعلى النحو الذى يهدِّد بإشعال منطقة الخليج وحيث يكون العرب أول وأكثر الخاسرين.
<<<
ورغم أنه لم تتضح بعد مواقف قادة دول المنطقة والخليج المشاركين فى قمة جدة من هذا الحلف، ومع أن الملك الأردنى عبدالله الثانى عبّر صراحة عن ترحيبه بإقامته.. مستبقًا بذلك انعقاد القمة ومواقف الآخرين، إلا أنه وفقًا للمبادئ الاستراتيجية الثابتة والسابقة منذ عهد الرئيس عبدالناصر برفض الدخول فى أى أحلاف عسكرية منذ «حلف بغداد»، فإنه من المؤكد أن مصر ستكون في مقدمة الرافضين لدخول الحلف وربما من المؤكد سيكون معها سلطنة عمان التى تربطها علاقات جيدة مع إيران، وحيث تقوم سياستها الخارجية على الحياد فى مثل هذه النزاعات الإقليمية، بل إنها تقوم دائمًا بجهود وساطة لتسوية الأزمات.
وفى هذا السياق وفيما يتعلق بالمخاوف والهواجس السعودية إزاء تهديدات إيرانية جاءت الوساطة التركية بين البلدين، إضافة إلى الوساطة العراقية التى قام بها مؤخرا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمى والتى بدا أنها لم تُسفِّر عن تحقيق ملحوظ فى تحسين أجواء التوتر بين البلدين وإن كان من الممكن أن تكون قد أسفرت عن تهدئة مخاوف السعودية.
< < <
وفى نفس الوقت فإنه لا يخفى أن زيارة بايدن المقبلة وقمة جدة تأتيان وسط استمرار تعثر التوصل إلى الاتفاق النووى مع إيران أو بالأحرى إلى إحياء الاتفاق السابق الذى انسحب منه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، وهو الأمر الذى جعل طهران تُصر على أن يتضمن الاتفاق الجديد ضمانات أكيدة تحول بين أى إدارة أمريكية قادمة وإلغائه مرة أخرى، ثم إن انسحاب ترامب من الاتفاق كان مبررًا قانونيًا لإيران بالتوسع فى برنامجها النووى، وهو الأمر الذى يُعقِّد اتمام الاتفاق حالياً.
ولعله ليس سرًا أن إسرائيل تقوم بدور تحريضى لعرقلة التوصل إلى الاتفاق، بينما تقوم قطر بدور وساطة للتهدئة وتشجيع الأطراف على اتمام الاتفاق من خلال استضافة مفاوضات غير مباشرة فى الدوحة بين واشنطن وطهران والتى بدأت أولى جلساتها وقت كتابة هذه السطور، مع ملاحظة أن اتمام الاتفاق من شأنه رفع الحظر على إيران، ومن ثمَّ سيكون بإمكانها تصدير نفطها وحيث ستكون واشنطن أول المستفيدين ومعها أوروبا لتعويض النقص فى الإمدادات الروسية.
< < <
إن ثمة أجواء من الغموض تخيّم على المنطقة تنطوى على كثير من الالتباس والارتباك تستبق زيارة بايدن الداهمة المقبلة وعلى نحو يثير كثير من الهواجس بشأن مطالب واشنطن من الدول العربية خلال قمة جدة، فى مقدمتها بالضرورة إقامة «ناتو الشرق الأوسط» والتى سيكون من بينها بخلاف زيادة إنتاج النفط السعودى اتخاذ مواقف واضحة إزاء الحرب الروسية الأوكرانية ومن ثمَّ إزاء الصراع الأمريكى الأوروبى مع روسيا.
ومن الواضح أن مواقف دول المنطقة إزاء تلك الحرب وذلك الصراع هو الحياد باعتبار أنه ليس للعرب ناقة ولا جمل اللهم فيما يتعلق بالتداعيات الاقتصادية وأزمة الغذاء، أما فيما يتعلق بالحلف الدفاعي بين دول المنطقة وإسرائيل ومع أن المواقف جُلها لم تتضح بعد، إلا أنه يتعيّن الانتباه إلى مخاطره إذ سوف يخلط كثيرًا من الأوراق العربية ويعيد ترتيب الأوضاع الأمنية والاستراتيجية فى الشرق الأوسط وعلي نحو لن يكون فى مصلحة الأمن القومى العربى والخليجى أيضًا.
< < <
فى هذه الأجواء يمكن تفسير تلك اللقاءات الثنائية والثلاثية المتكررة والمتلاحقة وما جرى خلالها من مشاورات مكثفة بين قادة المنطقة التى شهدتها العواصم العربية في الفترة الأخيرة وعلي نحو غير مسبوق.. استباقًا لزيارة بايدن وقمة جدة، وحيث بدا واضحًا أنها تستهدف تنسيق المواقف بشأن قضايا المنطقة ومطالب واشنطن التى سيطرحها الرئيس الأمريكى خلال القمة المرتقبة.
< < <
ولأن قمة جدة سوف يسبقها بيومين زيارة بايدن لكل من الأراضى الفلسطينية وإسرائيل والاجتماع مع كل من رئيس السلطة محمود عباس «أبومازن» ورئيس الحكومة الإسرائيلية الانتقالية يائير لابيد الذي حل مؤقتاً محل رئيس الحكومة بينيت بعد التوجه نحو حل الكنيست وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، فإنه من غير المتوقع أن تسفر الزيارة عن جديد فى القضية الفلسطينية.
ولذا فإنه إذا كان بايدن يحمل معه إلى اجتماع قمة جدة طلبات ومقترحات أمريكية محددة، فإنه من المنطقى أن يكون للقادة العرب فى المقابل مطالب أيضًا فى مقدمتها وأهمها ضرورة تسريع حل الصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلى تنفيذًا لمقررات ومرجعيات الشرعية الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وإقامة الدولة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، خاصة فى ضوء تصريحات بايدن خلال حملته الانتخابية بالتوجه نحو حل الدولتين وهو ما بدا أنه متقاعس فى السير خطوة واحدة نحو تنفيذ هذا الحل وحيث بدا أنه يسير على خطى ترامب!
< < <
وإذا كان الرئيس أبومازن سوف يتحدث مع بايدن حول الممارسات العميقة لقوات الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى ومن بينها الإعدامات الميدانية للشباب الفلسطينى وطرد العائلات من بيوتهم وهدمها لإقامة المستوطنات، والتى كان آخرها اغتيال الإعلامية شيرين أبوعاقلة وحيث لاتزال إسرائيل تتلكأ فى انهاء التحقيقات حول اغتيالها حتى الآن رغم المطالب الأمريكية المتكررة خاصة وأن شيرين تحظى بالجنسية الأمريكية وهو الأمر الذى يؤكد المؤكد من استمرار الانحياز والتواطؤ الأمريكى من جانب كل الإدارات المتعاقبة مع إسرائيل وضد الشعب الفلسطينى، فإنه من المرتقب أن تكون من أهم مطالب القادة العرب من بايدن خلال القمة ضرورة وقف الممارسات الإسرائيلية لحين حل الصراع وإقامة الدولة مع ضرورة توضيح أن الأمن فى الشرق الأوسط وخاصة أمن إسرائيل لن يتحقق دون حل الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية.
<<<
خلاصة القول هى أنه إذا كان بايدن سوف يطرح مطالبه التى يريد من العرب تلبيتها، فإنه فى المقابل على العرب أن يحددوا بكل وضوح وقوة ماذا يريدون من أمريكا والأهم ماذا يريدون من أنفسهم ولأنفسهم فى مواجهة التحديات المشتركة التى تواجههم.