أسامة أيوب يكتب : حتى تدخل الجامعات المصرية والعربية ضمن التصنيفات العالمية لأفضل الجامعات
حسنًا فعل اتحاد الجامعات العربية بالإعلان عن بدء العمل بأول تصنيف عربى للجامعات العربية بنهاية العام الحالى، خاصة أن هذه الجامعات خارج التصنيفات العالمية لأفضل ٥٠٠ جامعة في العالم، وهو الأمر الذى كان ومازال يسبب حرجًا علميًا وأكاديميًا ويُمثل جرحًا عربيًا غائرًا للجامعات العربية وفي مقدمتها الجامعات المصرية وفي مقدمتها جامعة القاهرة الأعرق والأقدم.
المهم في إعلان هذا التصنيف العربى هو اعتزام اتحاد الجامعات العربية الذى يضم ٤٥٠ جامعة أن يكون تصنيفًا عالميًا خلال عامين حيث يتم من خلاله تحديد موقف ومستوى الجامعات العربية بين بقية أكبر جامعات العالم المصنفة ضمن أفضل الجامعات وذلك من خلال معايير جديدة لقياس مدى تميز الجامعات العربية في مجالات الابتكار والإبداع والريادة.
الحقيقة أن إقرار هذا التصنيف العربى تأخر كثيرًا خاصة بعد تراجع الجامعات العربية وخروجها من التصنيفات العالمية لأفضل جامعات العالم، إذ إن ظهور هذا التصنيف من شأنه إذكاء المنافسة فيما بينها.. سبيلا للوصول إلى العالمية.
< < <
قرار اتحاد الجامعات العربية ذكرّنى أنى كنت قد نبهت قبل نحو عقدين وتحديدًا في عام ٢٠٠٤ إلى هذا التراجع المؤسف لجامعاتنا وذلك في إحدى حلقات برنامج «صالون دريم» الذى كنت أقدمه على فضائية دريم بمناسبة خلو قائمة أفضل ٥٠٠ جامعة في العالم من أى جامعة مصرية وعربية وفقًا للتصنيف العالمي لمعهد شنغهاى بالصين والذى يعد أهم التصنيفات العالمية.
في تلك الحلقة من البرنامج حاورت كلا من الدكتور صالح هاشم رئيس جامعة عين شمس والدكتور محمد عبداللاه رئيس جامعة الاسكندرية، بينما رشح الإمام أحمد الطيب الذى كان رئيسا لجامعة الأزهر وقتها نائبه للدراسا العليا والبحث العلمى، وحيث كان موضوع الحوار هو لماذا خرجت كل الجامعات المصرية والعربية من قائمة أفضل ٥٠٠ جامعة فى العالم، خاصة أن جامعات أخرى في دول أقل تقدمًا من مصر وحديثة العهد مقارنة بجامعاتنا المصرية وفي مقدمتها جامعة القاهرة العريقة والمعترف بها دوليًا وكذلك جامعة الأزهر التى يرجع تاريها إلى نحو ألف عام.وقد أجمع مسئولو الجامعات الثلاث على أن استبعاد الجامعات المصرية والعربية من التصنيف العالمي لأفضل الجامعات يعكس تراجعًا أكاديميًا وبحثيًا يتعين تداركه من خلال الالتزام بالمعايير الدولية، وهو الأمر الذى يتطلب جهودا كبيرة وتمويلا مناسبا وضروريًا حتى تدخل جامعاتنا فى التصنيفات العالمية.
<<<
وعن أسباب غياب المعايير الدولية في الجامعات المصرية والعربية والتي تؤهلها للدخول في التصنيفات العالمية.. أجمع مسئولو الجامعات الثلاث على أن أولها وأهمها الأوضاع المالية في مجملها والتي تؤثر بالدرجة الأولى على العملية التعليمية والبحث العلمي، فى نفس الوقت الذى تُعد فيه الابتكارات والأبحاث العلمية الجديدة أحد أهم معايير التصنيفات العالمية حيث لا تتناسب أعداد وقيمة الأبحاث التى يتم إعدادها مع أعداد الباحثين والعلماء من أساتذة الجامعات، ثم إن هذه الأبحاث الجديدة وعلى قلتها لا تجد طريقها للنشر فى كبريات المجلات والدوريات العالمية، إذ إن النشر في تلك الدوريات يمثل معياراً مهمًا آخر من معايير التصنيف العالمى.
<<<
الأمر الآخر هو الكم الضخم من الطلاب في الجامعات المصرية وغالبية الجامعات العربية مقارنة بأعداد أعضاء هيئات التدريس وحيث ينعكس هذا الخلل في الأعداد على العملية التعليمية الأكاديمية ومن ثمَّ على مستوى الأبحاث وعلي الابتكار والإبداع وأيضًا على مستوى الخريجين بوجه عام، وحيث يمثل مستوى الخريجين معيارًآ آخر من معايير التصنيف العالمى، وهو المستوى الذى يتضح جليًا عن معادلة الشهادات الجامعية العربية بمثيلتها في جامعات العالم وربما تكون جامعة القاهرة هى الاستثناء باعتبار أن شهاداتها معترف بها فى جامعات العالم خاصة في بعض التخصصات.
< < <
والمفاجأة فى ذلك الحوار الذى ازدادت سخونته بمشاركة أحد أساتذة الجامعات والمهتم باللغة العربية وهو الدكتور محمد الحملاوى والذي كشف عن أن التدريس فى كل الجامعات الـ٥٠٠ الأفضل في العالم فى تلك السنة وفى غيرها من السنوات يتم باللغات الأم.. فى جامعات دول شرق آسيا وفى أفريقيا بل حتى في إسرائيل حيث يتم التدريس في كلياتها باللغة العبرية وحيث كانت أربع جامعات إسرائيلية ضمن أفضل ٥٠٠ جامعة فى العالم.
وحول هذه الملاحظة أكد الدكتور الحملاوى أن التدريس في الجامعات المصرية والعربية باللغة العربية حتى في الكليات العملية «الطب والهندسة والصيدلة والعلوم» هو السبيل للتقدم العلمي والابتكار والبحث العلمى ومن ثمَّ الدخول في التصنيفات العالمية لأفضل الجامعات.
<<<
وأذكر أننى استأنفت الحوار حول هذه القضية في حلقة أخرى من البرنامج مع ثلاثة عمداء لكليات الطب والصيدلة والعلوم في الجامعات المصرية وكان معهم الدكتور الحملاوى، والذى أكد مجددًا تمسكه بضرورة أن تكون الدراسة في جامعاتنا حتى في الكليات العملية باللغة العربية.
بينما رفض عمداء الكليات الفكرة من أساسها وأن تدريس المقررات الجامعية العلمية لا يكون إلا باللغة الانجليزية باعتبارها اللغة العالمية ولغة المراجع والكتب والدوريات والأبحاث العلمية فى مجالات الطب والصيدلة والعلوم، ومن ثمَّ فإنه لا غنى عن أن تكون الدراسة بهذه اللغة، في حين أن الدراسة باللغة العربية من شأنها التأثير سلبًا على العملية التعليمية الجامعية حيث سيكون الطلاب والأساتذة في غيبة عن كل جديد في المجالات العلمية وخاصة الطب.
وهنا تدخل الدكتور الحملاوى متمسكًا برأيه ومستشهدًا بأن التدريس في كليات الطب بالجامعات السورية يتم باللغة العربية وحيث لا يقل مستوى الأطباء السوريين عن أمثالهم من الأطباء خريجى الجامعات العربية الأخرى.
في نهاية ذلك الحوار الساخن وبعد سجال طويل بين الطرفين كانت المفاجأة حين أبدى عمداء الكليات الثلاثة عدم اعتراضهم على التدريس باللغة العربية بل موافقتهم على رأى الدكتور الحملاوى.
< <<
تلك الحوارات التي أجريتها قبل نحو عقدين تداعت إلى ذاكرتى بعد قرار اتحاد الجامعات العربية في اجتماعه مؤخرًا بالعاصمة الأردنية عمان بإقرار أول تصنيف عربى للجامعات العربية وهو قرار وإن جاء متأخرا إلا أنه أفضل من ألا يجىء خاصة مع تأكيد أمين عام الاتحاد الدكتور عمرو عزت سلامة أن هذا التصنيف العربى سوف يتحول لتصنيف عالمى بعد عامين ليكون ضمن التصنيفات العالمية لأفضل جامعات في العالم.
والسؤال الموجه للدكتور عمرو بصفته أمين عام اتحاد الجامعات العربية والذى كنت حاورته عندما كان وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي على شاشة قناة دريم الفضائية ومعه الدكتور عبدالحي عبيد رئيس جامعة حلوان والدكتور صالح هاشم رئيس جامعة عين شمس حول مستوى الجامعات المصرية فى ذلك الوقت وحول البحث العلمى الذى لا يحظى بالتمويل اللازم وفقا للمعدلات العالمية والتي تفترض ألا يقل عن نسبة ١٪ من إجمالى الدخل القومى.
>> السؤال هو هل سينظر الاتحاد في فكرة التدريس بالجامعات المصرية والعربية باللغة العربية أم أن ذلك لايزال أمرا مستبعدا، ثم هل ما تم إعلانه من أن التصنيف العربى سوف يتميز بمعايير جديدة مقارنة بالتصنيفات العالمية خاصة في مجال الابتكار والإبداع والريادة، ثم هل من الممكن أن تتضمن التصنيفات العالمية في قادم السنوات بعضًا من جامعاتنا المصرية العربية بالتوازى مع تحول التصنيف العربي إلى تصنيف عالمي بعد عامين.
<<<
يبقى أن جامعاتنا المصرية والعربية حافلة بعلماء أفذاذ ومقررات دراسية أكاديمية رفيعة المستوى وتضاهى الدراسة في أكبر جامعات العالم، وفي مقدمتها جامعة القاهرة الأعرق والمعترف بها دوليا في أكبر جامعات العالم، ولكن ربما ينقصها التمويل المناسب الذى يستدعى إنفاقا ماليا ضخما.
< < <
ولقد كان التمويل المطلوب ونقص الإمكانات المالية هو السبب الأول الذى استند إليه رؤساء الجامعات المصرية الذين حاورتهم سابقا حسبما أسلفت في هذه السطور، وحيث سألت الدكتور صالح هاشم رئيس جامعة عين شمس وقتها والذي كان يتولي الرئاسة الدورية لاتحاد الجامعات العربية، وماذا عن جامعات دول الخليج الثرية التي يمكنها توفير التمويل اللازم، ولعل نفس السؤال أوجهه للدكتور عمرو عزت سلامة أمين عام الاتحاد الحالي.
< <<
فى كل الأحوال فإن الإعلان عن أول تصنيف عربى للجامعات العربية يمثل بداية جادة وحقيقية ليس نحو تحوله إلى تصنيف عالمي فحسب ولكن أيضا لدخول الجامعات العربية في قائمة بقية التصنيفات العالمية.