أسامة أيوب يكتب : فى مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووى الإيرانى
التهديدات الغربية لإيران وتمسك طهران برفع العقوبات أولاً.. أهم أسباب تعثر التوصل لاتفاق
بايدن لا يميل للخيار العسكرى لكنه قد يلجأ فى حالة فشل المفاوضات وتحت الضغوط لشن هجمات سيبرانية ضد المنشآت الإيرانية
السؤال الملح المسكوت عنه على خلفية الملف الإيرانى.. وماذا عن الملف النووى الإسرائيلى؟!
بعد نحو أسبوع من بدء المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا بين إيران والأمريكيين والأوروبيين حول الملف النووى الإيرانى لإحياء الاتفاق الموقع عام ٢٠١٥ الذى انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق ترامب عام ٢٠١٨ ثم قرر الرئيس الحالى بايدن العودة إليه مرة أخرى، فإنه يمكن القول إن المفاوضات لاتزال متعثرة حتي كتابة هذه السطور ولكنها لم تفشل بعد، إذ لم ينجح المفاوضون من الطرفين وسط أجواء الجدل المحتدم وغياب الثقة المتبادل فى الاقتراب من التوصل إلى اتفاق يُرضى جميع الأطراف.
أمام خطاب التهديد الضاغط بشدة على إيران من جانب أمريكا والأوروبيين بأن مفاوضات فيينا هى الفرصة الأخيرة لها وإلا فإنها سوف تتعرض لمزيد من العقوبات ومن بينها الخيار العسكرى، وأمام تمسك الإيرانيين فى المقابل بضرورة رفع كافة العقوبات أولا مقابل العودة إلي الاتفاق السابق الذى ظلت طهران ملتزمة ببنوده إلى أن انسحبت منه واشنطن من جانب واحد.. فإنه من غير المتوقع أن يتم التوصل قريبا إلى اتفاق حسبما أشرنا الأسبوع الماضى.
< <<
تعثر مفاوضات فيينا ليس مستغربًا قياسًا على المفاوضات التى سبقت توقيع الاتفاق السابق والتى استغرقت سنوات، بينما من المتوقع أو المفترض ألا تستغرق هذه المفاوضات الحالية وقتا طويلا، إذ إن الرئيس الأمريكى جو بايدن يحرص على التسوية السياسية الدبلوماسية لإغلاق هذا الملف المقلق والتوصل إلى اتفاق يمنع إيران من امتلاك السلاح النووى باعتبار أن الحل الدبلوماسى أقل تكلفة من الخيار العسكرى.
وفى نفس الوقت فإن إيران تسعى من جانبها للتوصل إلى اتفاق يرفع عنها العقوبات المالية والمصرفية حتي يمكنها التصدى لأزماتها الاقتصادية وتردى الأوضاع المعيشية للشعب الإيرانى جراء هذه العقوبات.
< < <
أجواء غياب الثقة المتبادل والضغط الأمريكى الأوروبى على إيران من جهة وتمسك طهران برفع العقوبات والحصول على ضمانات بعدم التنصل من الاتفاق لاحقًا من جهة أخرى.. عكستها تصريحات الأوربيين بأنهم لم يتمكنوا من الانخراط فى مفاوضات حقيقية بسبب أن إيران لم تقدم مقترحات واقعية وأن ما قدمته من مقترحات لا تتماشى مع بنود الاتفاق، وفى المقابل جاءت تصريحات وزير الخارجية الإيرانى ردًا على الأوروبيين لتؤكد أن بلاده مستعدة للالتزام بكافة بنود الاتفاق فى حالة رفع العقوبات وبما يرفع المخاوف المحتملة لدى الطرف الآخر.
فى هذه الأجواء التى تُخيّم على المفاوضات فى فيينا والتى لا تعكس أى تفاؤل لدى الأطراف المتفاوضة، كان لروسيا «حليفة إيران» رأى آخر حسبما جاء على لسان نائب وزير خارجيتها والذى أبدى تفاؤلا حيال التوصل إلى اتفاق فى نهاية المطاف، إلا أنه فى نفس الوقت اعتبر أن الاستمرار فى تهديد إيران أمر غير مجد ويحول دون إحراز تقدم فى المفاوضات، ومن ثم فإن روسيا حين تلفت نظر الأمريكيين والأوروبيين إلى عدم جدوى التهديد فإن ذلك من شأنه تقريب وجهات النظر بعيدًا عن لغة التهديد.
<<<
في مفاوضات فيينا الجارية حاليا وفى الملف النووى الإيرانى بوجه عام وفى ضوء التهديدات الأوروبية الأمريكية لإيران بتشديد العقوبات والأخطر هو اللجوء إلى الخيار العسكرى وعلى هذا النحو المبالغ فيه استباقا لإمكانية التوصل إلى اتفاق، فإنه يبدو ضروريا البحث عن المستفيد من هذا التصعيد والتحريض على الضربة العسكرية بإفشال المفاوضات.
ومثلما يقول المثل الفرنسى «فتش عن المرأة» فإننا فى حالة الملف النووى الإيرانى نقول فتش عن إسرائيل، وإن كان الأمر لا يستدعى التفتيش، إذ إن التحريض الإسرائيلى على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران واضح ومعلن رسميا.
< <<
ولعله ليس سرًا أن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق هو الذى حرَّض حليفه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب عام ٢٠١٨ على الانسحاب من الاتفاق الموقع عام ٢٠١٥ فى عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو الانسحاب الذى لقي معارضة من السياسيين فى واشنطن خاصة من الحزب الديمقراطى، بل الأهم أنه لقى معارضة أيضا داخل إسرائيل وضد نتنياهو ذاته لتحريضه لترامب، باعتبار أن إيران كانت المستفيد الأول، إذ إنها مضت قدمًا فى تطوير برنامجها النووى بدرجة كبيرة تقترب من القدرة على تصنيع السلاح النووى، متعللة بأن الاتفاق صار ملغيًا بانسحاب ترامب الأحادى منه.
< < <
ثم إن ثمة مفاجأة بالغة الإثارة كشف عنها الإيرانيون مؤخرا، وهي أن انسحاب ترامب من الاتفاق استجابة لتحريض نتنياهو جاء بناء على تقارير استخباراتية إسرائيلية تفيد بتطوير إيران لبرنامجها النووى بأكبر مما ورد فى اتفاق عام ٢٠١٥، والمفاجأة هى أن تلك التقارير المنسوبة للمخابرات الإسرائيلية كانت عن البرنامج النووى فى عام ٢٠٠٣، وأن إيران هى التى سربتها عن عمد للموساد بهدف تخريف إسرائيل.
هذه المفاجأة المثيرة وإن كانت تستهدف ضرب كفاءة الموساد الإسرائيلى فإنها تكشف فى نفس الوقت قدرة الاستخبارات الإيرانية على الخداع التكتيكى والاستراتيجى معًا، بقدر ما تكشف أيضا وبالضرورة أن برنامجها النووى عام ٢٠٠٣ كان قد تطوَّر كثيرًا بدرجة تُثير القلق والمخاوف حتى من قبل توقيع الاتفاق السابق، ومن ثمَّ فإنه قد تطور أكثر بعد انسحاب ترامب، هذا إن صحت المفاجأة التى فجرتها إيران.
< < <
غير أن إيران رغم ذلك تحرص على تأكيد أنها لن تقوم بتصنيع أسلحة نووية وذلك التزامًا بفتوى الخمينى الشرعية، وإن كانت هذه الفتوى من الممكن أن تتم مراجعتها في حالة التعرض لخطر إسرائيل حسبما يتردد على لسان المسئولين بين وقت وآخر.
وفى هذا السياق فإن مسئولين ومحللين عسكريين إيرانيين ألمحوا إلى أن طهران قد طورت برنامجها النووى وبما يُمكّنها من إنتاج السلاح النووى، وأنها فى حالة تعرضها لضربة عسكرية نووية فإنها ستكون قادرة على الرد نوويا.. هذا إن صح هذا التلميح، مع ملاحظة أن هؤلاء المسئولين يذكرون بأن إيران فى عهد الشاه رفضت التوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووى قبل أن توقع إسرائيل.
< <<
وفى هذا السياق أيضا أحسب أنه تجدر الإشارة الواجبة إلى أن مصر فى عهد الرئيس مبارك دعت على لسانه وفى مرات عديدة المجتمع الدولى إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط ليس من الأسلحة النووية ولكن من كل أسلحة الدمار الشامل.
< < <
وفى هذا السياق أيضًا وبمناسبة مفاوضات فيينا حول الملف النووى الإيرانى وفى ضوء التهديدات الغربية والتحريض الإسرائيلى بالغ الإلحاح على توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت الإيرانية لمنعها من امتلاك السلاح النووى، فإن ثم أمرًا مثيرا للدهشة ومسكوتا عنه من جانب الدول الكبرى وتتغافل عنه الهيئة الدولية للطاقة الذرية بل إنه مسكوت عنه عربيًا أيضًا، وهو أن إسرائيل هى الدولة الوحيدة في المنطقة العربية والشرق الأوسط التى تمتلك ترسانة نووية بمباركة ودعم تلك الدول الكبرى، ومن ثم فإن السؤال الملح الموجه لها: هو وماذا عن الملف النووى الإسرائيلى؟! غير أنه من المؤكد أن أمريكا والغرب الأوروبى بانحيازه غير المحدود لإسرائيل وبما يضمن تفوقها منفردة وإرهابها لكل دول المنطقة لن تجيب عن هذا السؤال، وهو ما يؤكد أن هذه الدول الاستعمارية تكيل بمكيالين ولصالح كيان صهيونى أقامته بالقوة على أرض فلسطين العربية ليمارس ضد شعبها أبشع ألوان العنصرية.
< < <
ومع ترقب المجتمع الدولى والشرق الأوسط بصفة خاصة لما تسفر عنه الجولة الحالية من المفاوضات فى فيينا، ومع هاجس اشتعال المنطقة فى حالة اللجوء للخيار العسكرى بحسب التحريض الإسرائيلى، فإن ما يطمئن هو أن الرئيس الأمريكى چو بايدن وبحسب ما يتردد فى كواليس إدارته والبيت الأبيض لا يميل إلى خيار الضربة العسكرية ويفضل الحلول الدبلوماسية، غير أنه قد يتجه تحت ضغوط إسرائيلية وأوروبية إلى شن هجمات سيبرانية ــ أقل تكلفة ــ ضد المنشآت الإيرانية لتدمير أو تعطيل برنامجها النووى إضافة إلى شن هجمات أخرى على أهم منشآتها الاقتصادية، باعتبار أن هذه الهجمات السيبرانية سوف تُجنّب دول المنطقة التداعيات الخطيرة للضربة العسكرية خاصة فى حالة قيام إيران بالرد.
< < <
إن النجاح فى إحياء الاتفاق النووى الإيرانى سواء فى هذه الجولة من المفاوضات فى فيينا أو فى حالة تأجيلها إلى جولة أخرى لاحقة.. يبقى مرهونًا بوصول الأزمة إلى حافة الهاوية، ووقتها قد يمكن التوصل إلى اتفاق، مع ملاحظة بالغة الأهمية وهى عدم الاستجابة للتحريض الإسرائيلى.