د.محمد فراج يكتب : خطة إمداد لبنان بالطاقة.. ومكاسبها الهامة لـ٤ دول عربية
إنقاذ للاقتصاد اللبناني واختراق للحصار الأمريكى لسوريا و«قانون قيصر»
الغاز المصرى ركيزة الخطة.. والبنك الدولى يقوم بالتمويل
تعزيز لدور مصر ومكانتها.. ولدور الأردن كدولة عبور للغاز إلى سوريا ولبنان
خطة إمداد لبنان بالغاز المصرى عبر الأردن وسوريا، وبالكهرباء المتولدة عن إمدادات الغاز إلى الأردن عبر سوريا، خطوة بالغة الأهمية لإنقاذ الاقتصاد اللبنانى وفك الحصار عن سوريا، كما أنها خطوة مهمة لتحقيق التكامل الاقتصادى بين البلدان الأربعة، مصر والأردن وسوريا ولبنان.
الخطة بدأت عربية باقتراح من مصر والأردن ودرستها أمريكا بتكتم لعدة أسابيع، ثم وافقت عليها، وتبنت فكرة تمويلها من جانب البنك الدولي، ولم تكن الموافقة الأمريكية من باب عمل الخير لوجه الله، وإنما لتفادى خيارات أسوأ بالنسبة للولايات المتحدة، فالاقتصاد اللبنانى بدأ ينهار بسبب نقص المحروقات والطاقة، ولم يعد إنتاج الكهرباء يكفى لأكثر من ساعتين يوميًا مما أدى لانهيار فعلي للصناعة فضلا عن المعاناة الحياتية بالغة القسوة للمواطنين، كما أن نقص المحروقات «البنزين والسولار» أدى لشلل شبه كامل لمنظومة النقل.. كما أصبحت عملية تنقية وضخ مياه الشرب مهددة بالتوقف بسبب نقص الوقود اللازم لتوليد الكهرباء!
ولم يعد بمقدور لبنان استيراد المشتقات البترولية اللازمة بسبب نقص العملة الصعبة، ولا الاقتراض من أجل الاستيراد بسبب ضخامة مديونيته، والعقوبات الغربية عليه، والكميات القليلة من البنزين التى يمكن استيرادها أصبحت باهظة الثمن بسبب انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وأدت هذه الأوضاع وغيرها إلى سيطرة حالة من الغضب الشديد على مختلف فئات الشعب اللبنانى، وأصبح الغضب الشعبى أشبه ببخار بنزين منتشر، وقابل للانفجار بمجرد اشتعال أى عود ثقاب، لتعم الفوضى البلاد.
انهيار لبنان واشتعال الفوضى فيه خطر شديد على المنطقة بأكملها، بما فيها إسرائيل طبعا، وهو بالتالى خطر على المصالح الأمريكية فى المنطقة، فضلا عن خروج لبنان بالكامل عن السيطرة.. علمًا بأن العقوبات الأمريكية والغربية فشلت في إجبار لبنان على انتهاج المسار الأمريكى أو تطبيق «خطة ماكرون» التى كان واضحًا منذ البداية عدم قابليتها للنجاح فى ظل علاقات القوى اللبنانية «الداخلية» والإقليمية.
فشل الحصار الأمريكى الغربى
من ناحية أخرى فإن العقوبات الأمريكية على سوريا بما فيها «قانون قيصر» أدت إلى أزمات خانقة للاقتصاد السورى، كان نقص الطاقة أحد عناوينها البارزة، علمًا بأن سوريا لديها من البترول والغاز ما يكفي احتياجاتها ويزيد، لكن أمريكا تحتل مناطق الإنتاج الرئيسية «شرق الفرات» وتقوم هى وقوات «قسد» الكردية بسرقة البترول السورى وبيعه إلى إسرائيل وتركيا بأقل من نصف ثمنه!! وحرمان الشعب السورى منه.
في ظل هذا الوضع بدأت روسيا في تزويد سوريا بالإمدادات البترولية والغذائية وغيرها على نطاق واسع، في تحدٍّ صريح لـ«قانون قيصر» وغيره من حزم العقوبات الأمريكية والغربية، ولم تفلح العقوبات في إثناء الشركات الروسية عن إمداد سوريا بالبترول والغذاء وغيرها من الاحتياجات الضرورية، وبديهى أن أمريكا لم تكن تستطيع اعتراض ناقلات البترول وسفن الشحن الروسية بالقوة.
ثم بدأت إيران هى الأخرى في إرسال البترول إلى سوريا عبر قناة السويس، لتقوم السفن الحربية الروسية بحراسة الناقلات فى البحر المتوسط، حتى دخولها إلى الموانئ السورية، دون أن تجرؤ إسرائيل ـ ولا حتى أمريكا على اعتراضها ــ ومؤخرًا أعلن حسن نصرالله زعيم حزب الله عن بدء إيران فى إرسال شحنات من البترول إلي لبنان، وأن أى اعتداء على هذه الناقلات سيكون الرد عليه عنيفا للغاية، وقد وصلت أولى هذه الناقلات بالفعل إلي ميناء «بانياس» جنوبى سوريا محملة بـ٣٣ ألف طن من الوقود، أى حوالى ٢٣٠ ألف برميل، وسيتم نقلها إلى لبنان بعربات الصهريج وتتلوها شحنات أخرى.
الخطة الأمريكية «واقعية» اضطرارية
وباختصار، فقد وجدت أمريكا نفسها مضطرة للقبول بالمقترحات المصرية والأردنية فى محاولة من واشنطن لقطع الطريق على استمرار الإمدادات الروسية والإيرانية إلى سوريا ولبنان من جهة، وظهور موسكو وطهران فى دور المنقذ لاقتصاد البلدين- من جهة أخرى- ولمنع انهيار الاقتصاد اللبنانى بما له من آثار بالغة الفداحة على الاستقرار والأمن من جهة ثالثة، وجاءت أخبار إمداد إيران للبنان بالمحروقات (من خلال حزب الله) لتعجل بالتحرك الأمريكى حتى لا يحقق الحزب نقاطا سياسية إضافية على الساحة اللبنانية، وبالتالي قامت السفيرة الأمريكية فى بيروت بإبلاغ الرئيس اللبنانى ميشيل عون بالخطة أواخر الشهر الماضى لتبدأ العجلة في الدوران بسرعة لافتة للنظر.
وتقضى الخطة بقيام مصر بإمداد لبنان بستمائة مليون متر مكعب (٦٠٠مليون م٣) من الغاز الطبيعى سنويا عبر «الخط العربى» الممتد من مصر إلى الأردن، ومن ثم إلى سوريا ولبنان، أى بواقع (١٫٦ مليون م٣/مليون وستمائة ألف م٣) يوميا، وهو ما يكفى لتقوم محطة «دير عمار» شمال لبنان بتوليد (٤٥٠ ميجاوات/ أربعمائة وخمسين ميجاوات).. أى ما يكفى لإمداد لبنان بأكمله بحاجته من الطاقة الكهربائية لحوالى أربع ساعات، والكمية المطلوبة هى بناء على تقديرات الجانب اللبنانى (بوابة الأهرام، موقع اكسترا نيوز، وكالات ومواقع - ٨ سبتمبر٢٠٢١).
أما الجانب الثانى من الخطة فيقضى بقيام مصر بتزويد محطات الكهرباء الأردنية بكميات من الغاز لتوليد كميات إضافية من الطاقة الكهربائية، التى يتم إرسالها إلى لبنان عبر خطوط الربط بين الأردن وسوريا، ومن ثم إلى لبنان، ولم يتم الإعلان بعد عن أرقام في هذا الصدد، ولكن من المعروف أن محطات الكهرباء الأردنية العاملة بالغاز لديها طاقات إنتاجية أكبر من احتياجات البلاد، وهذا هو السبب فى إدخالها ضمن الخطة، ويقتضي هذا بالطبع الربط بين الشبكات الكهربائية في كل من الأردن وسوريا ولبنان، وهى عملية غير صعبة من الناحية الفنية، وكما يشير الخبراء فإن التكلفة ليست كبيرة، وسيتحمل كل طرف تكلفة المشروع على أراضيه، علي أن يقوم البنك الدولى بالتمويل، حسبما أشارت التقارير عن اجتماع وزراء الطاقة من الدول الأربع في عمان يوم ٨ سبتمبر الجارى (الأهرام ٩/٩، وبوابة الأهرام، والبلد نيوز، وموقع «الوطن» - ٨ سبتمبر).
الخط العربى
سبق أن ذكرنا أن إمدادات الغاز ستصل من مصر إلى لبنان عبر الخط العربى على الوجه التالى: من مصر إلى الأردن عبر الخط الواصل بين البلدين (العريش- العقبة) وهو يحتاج إلى إصلاح من آثار العمليات الإرهابية فى سيناء بعد ثورة يناير (٢٥٦ كيلومتراً بقُطر ٣٦ بوصة، وطاقة ١٠ مليارات مترمكعب سنويا)، والمرحلة الثانية من الخط فى الأردن الممتدة من العقبة إلى بلدة رحاب شمالى الأردن (بطول ٣٩٣ كم وقُطر ٣٦ بوصة) بحاجة إلى صيانة، كما توجد وصلة صغيرة (بطول ٣٠ كم وقُطر ٣٦ بوصة) تمتد من الرحاب إلى الحدود السورية، وهى أيضًا سليمة ولكنها بحاجة إلى صيانة.
أما المرحلة الثالثة فتمتد من الحدود الأردنية إلى حمص فى سوريا بطول ٣٢٠ كم وقُطر ٣٦ بوصة، وكانت قد تعرضت لتخريب كبير من جانب الإرهابيين، ولكن تم إصلاحها بغض النظر عن عدم تدفق الغاز فيها، وهناك خط آخر يصل بين منطقة الريان «حمص» والحدود اللبنانية بطول ٦٥كم، وقُطر ٢٤ بوصة، وهو جاهز للعمل لأنه ضمن منظومة الطاقة السورية.
أما المرحلة الرابعة فتقع داخل لبنان وصولا إلى محطة «دير عمار» شمالا بطول ٦٥ كم (حديث وزير النفط والثروة المعدنية السوري بسام طعمه إلى وكالة «سانا» ـ ١١ سبتمبر٢٠٢١).
الجوانب الفنية والمالية
وقد قامت الدول الأربع بتشكيل لجان فرعية لبحث الجوانب الفنية والمالية، والاتفاق على أسعار وكميات الغاز والطاقة الكهربائية المطلوبة، ورسوم ترانزيت الغاز والكهرباء.. إلخ.
وقد أعلن وزير النفط والثروة المعدنية السورى أنه بموجب اتفاق سابق بين مصر وسوريا (منذ أيام تشغيل الخط العربى ٢٠٠٩ - ٢٠١١) فإن سوريا يحق لها أن تحصل على مقابل نقدى، أو على كميات من الغاز مقابل مروره عبر أراضيها، وأن سوريا تريد الحصول علي كميات من الغاز لتوليد الكهرباء لديها، وهكذا سيكون مطلوبا ٦٠٠ مليون م٣ سنويا لتشغيل محطة «دير عمار» اللبنانية لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى الكميات المطلوبة لإنتاج طاقة كهربائية إضافية فى المحطات الأردنية لحساب لبنان، وبالإضافة طبعا إلى الكميات التى ستحصل عليها سوريا مقابل مرور الغاز بأراضيها، فضلا عن رسوم الترانزيت مقابل الكهرباء الأردنية الذاهبة إلى لبنان.
ويقوم البنك الدولى بتمويل إمدادات الغاز والكهرباء إلى لبنان، وهو ما يمكن أن يمتد إلى دفع ثمن كميات الغاز الذى ستحصل عليها سوريا «كرسوم مرور أو بديل للرسوم» وجوانب فنية أخرى من الصفقة ومعروف أن قروض البنك الدولى ميسرة عموما «نسبة الفائدة وآجال السداد» كما أن شروطه أقل تعسفا بكثير من صندوق النقد الدولى، وعمومًا فإن دعم أمريكا للخطة واهتمامها بنجاحها يمكن أن يساعد في تيسير المفاوضات مع البنك الدولى.
مكاسب سياسية واقتصادية
الأمر المؤكد أن خطة إمداد لبنان بالغاز المصرى والكهرباء الأردنية، ستحقق مكاسب كبيرة لجميع أطرافها، وأولها لبنان الذى ستنقذ هذه الخطة اقتصاده من الانهيار وتعزّز قدرته على إنتاج الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى ما سيحصل عليه جاهزًا منها من الأردن، ومن شأن هذا أن يقدم تعويضًا مناسبا عن نقص الإمدادات الحالى، بما فيه الإمدادات من سفينتين تركيتين لتوليد الكهرباء كانتا تمدان لبنان بـ٢٤٠ ميجاوات حتى شهر مايو الماضى، لكنهما توقفتا بسبب نفاد الوقود، وتخلف الدولة اللبنانية عن دفع ثمن التيار الكهربائى، وهى صفقة كانت تحيط بها الشبهات فى دفع عمولات ورشاوى بلغت ٢٥ مليون دولار (وكالة الصحافة الفرنسية، ١٤ مايو ٢٠٢١).
علمًا بأنه لا يوجد ما يمنع ـ من حيث المبدأ ـ أن يطلب لبنان كميات أكبر من الغاز والكهرباء مع تحسن قدراته التمويلية، وحسب قدرة الطرفين المصري والأردنى على زيادة الإمدادات.
مكاسب هامة لسوريا ومصر
أما بالنسبة لسوريا فهي تحقق مكاسب بالغة الأهمية من الاتفاق.. فهو:
أولا: اعتراف أمريكى بفشل الحصار الخانق على دمشق وستضطر الولايات المتحدة لإجراء استثناءات هامة من بنود «قانون قيصر» لتستطيع مصر والأردن ولبنان التعامل مع سوريا في مجال الطاقة، ومن شأن هذا إضعاف الحصار كثيرًا وربما يكون بداية النهاية لـ«قانون قيصر».
ثانيا: تحصل سوريا على كميات من الغاز الطبيعي كبديل عن «رسوم الترانزيت» مما يتيح لها تحسين موقفها بصورة ملموسة في مجال توليد الكهرباء، علمًا بأن الانفراج السياسى المرتبط بالضرورة بتنفيذ «الخطة» سيتيح لها تخفيفا أكبر للحصار الاقتصادى المفروض عليها، والأرجح أن ترتبط بالاتفاق الجارى جوانب سياسية لتخفيف حالة الحصار المحيطة بها، ليس من المستبعد أن يكون من بينها عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، بما يعنيه ذلك من ثغرات جدية في جدار الحصار حولها.
ثالثا: إعادة العلاقات الاقتصادية بين سوريا ولبنان ومن المدخل شديد الأهمية الخاص بالطاقة وبموافقة أمريكية، من شأنه أن يفتح الباب رسميا ــ أو فعليا ــ لمزيد من أشكال التعاون بين البلدين المرتبطين بصورة وثيقة تاريخيا، وذلك بالرغم من رفض بعض القوى السياسية اللبنانية الهامة والذى نتوقع أنه سيتآكل تدريجيا أمام قوة الوقائع الجديدة.. الهامة.
أما بالنسبة لمصر فإن الخطة تمثل بالتأكيد تعزيزا لدورها ومكانتها على الساحة العربية باعتبار أن الغاز الذى تقدمه هو ركيزة الخطة كلها، وهو ما يضاف إلى الدور الذى تقوم به فى فك عزلة العراق عن محيطه العربى، وتقليص اعتماده الاقتصادى على إيران، وبالتالى الحد تدريجيا من النفوذ الإيرانى فى العراق، وذلك بالطبع إلى جانب أدوارها العربية الأخرى، علمًا بأننا لا نستطيع أن نغفل الفائدة الاقتصادية المترتبة علي بيع الغاز، وإن كانت أقل أهمية بكثير من الجوانب السياسية للموضوع.
ويحقق الأردن بدوره مكسبًا كبيرا من قيامه بدور «دولة العبور» للغاز المصرى إلى سوريا ولبنان، وما سيحصل عليه من رسوم، وكذلك من بيع الطاقة الكهربائية إلى لبنان، وتشغيل المحطات الأردنية بقدرات أعلى، كما سيتعزز دور الأردن كهمزة وصل أو «دولة عبور» عربية، بالنظر إلى كونه معبرا بريا للتجارة بين مصر والعراق، وهى العلاقات التي تشهد تطورا سريعا في الفترة الأخيرة.
وخلاصة القول إن خطة إمداد لبنان بالغاز والكهرباء تحقق مكاسب كبيرة لاشك فيها لأطرافها الأربعة، ولقضية التكامل الاقتصادى العربى.